الأمريكيون يسألون: كيف يتخذ أوباما قرارا بشن ضربة عسكرية وهو الذى عارض من قبل قرار حرب العراق؟ يواصل البيت الأبيض تشاوراته مع الكونجرس من أجل ضمان الموافقة على قرار الضربة العسكرية الموجهة إلى سوريا. والسناتور الجمهورى البارز جون ماكين قال بعد لقائه بالرئيس أوباما فى البيت الأبيض إن عواقب عدم موافقة الكونجرس على قرار الرئيس ستكون «كارثية» وإن مصداقية الرئيس الأمريكى وأمريكا نفسها ستكون فى خطر إذا قال الكونجرس لا. ورجال الإدارة فى اتصالاتهم مع أعضاء الكونجرس يؤكدون أن أى عملية عسكرية ضد سوريا ستكون محدودة فى أهدافها ومحددة من حيث الزمن، وإنها لن تشمل استعمال قوات برية. وقد قام جون كيرى وزير الخارجية وتشاك هيجل وزير الدفاع والجنرال مارتن ديمبسى رئيس الأركان بالإدلاء بشهاداتهم حول التدخل العسكرى فى سوريا فى جلسة عقدت أمس أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. وكان الثنائى الجمهورى جون ماكين ولندسى جراهام عضوا مجلس الشيوخ قد اجتمعا بالرئيس أوباما فى البيت الأبيض مساء أول من أمس الإثنين، لمدة ساعة. وقد حضرت سوزان رايس مستشارة الرئيس للأمن القومى اللقاء. بعد اللقاء صرح السناتور الجمهورى جون ماكين ومعه السناتور لندسى جراهام للصحفيين «أن الكونجرس فى حاجة إلى إقرار استخدام القوة فى الأزمة السورية وإلا سيخاطر بتقويض مصداقية الرئيس والولاياتالمتحدة» وقال ماكين أيضا: «إذا رفض الكونجرس قرارا مثل هذا بعد أن أعلن رئيس الولاياتالمتحدة التزامه بالتحرك فإن العواقب ستكون كارثية. وفى هذا فإن مصداقية هذه الدولة مع الأصدقاء والأعداء على السواء ستتمزق» مضيفا: «إن هذا لن يخص هذا الرئيس فقط، بل رؤساء المستقبل كذلك». وشدد ماكين على أنه سيسعى مع جراهام على حث زملائه وأعضاء الكونجرس على دعم قرار الرئيس. إلا أنه لم يتردد أيضا فى نقل قلقه للصحفيين حول «محدودية» الضربة وبأنها لا تضمن إلحاق الضرر التام بقدرات الأسد العسكرية وأيضا ضرورة تسليح قوات المعارضة. كما حرص السناتور جراهام كعادته «أن يلطش فى كلامه مضمونا وأسلوبا» وهو يقف على بعد خطوات من مدخل البيت الأبيض، إذ وبخ الرئيس قائلا: «إن الرئيس لا يجب أن يلوم أحدا إلا نفسه حول ما يقال من قصور فى فهم الرأى العام لما هو قائم من خطر فى سوريا». وذكّر الصحفيين بما قاله ولم يفعله أوباما فى الشأن السورى خلال العامين الماضيين. وجدير بالذكر أن ماكين له نفوذ وتأثير وقدرة على لىّ ذراع زملائه» داخل صفوف الجمهوريين وأن باستطاعته أن يساعد الرئيس فى الحصول على الأصوات المطلوبة والتوصل إلى الموافقة. ويلاحظ سياسيا أن السناتور الجمهورى جراهام يخوض فى ولاية كارولينا الجنوبية معركة انتخابية شرسة من أجل إعادة انتخابه لمجلس الشيوخ كمرشح لحزبه. وهناك سعى حثيث لإزاحته من جانب غلاة اليمين المتشدد فى الولاية ومن ضمن الانتقادات التى توجه إليه أن جراهام يعد أحد أنصار «الإخوان المسلمين» فى مصر (هكذا يقال بالحرف) على أساس أنه مقرب منهم ومدافع عن حقوقهم وأنه توجه كثيرا إلى مصر والتقى بقيادات الإخوان.. وأنه بانشغاله بالآخرين أهمل أمور ولايته وأهلها. ولا شك أن البيت الأبيض فى حالة تشاور دائم ومستمر مع أعضاء الكونجرس من أجل ضمان موافقتهم على قرار الضربة العسكرية. ومنذ يوم الأحد الماضى يشهد البيت الأبيض زيارات عديدة ومشاورات مكثفة.. والكثير من ال«تليكونفرنس» (مؤتمرات هاتفية) يشارك فيها الرئيس ومسؤولو الإدارة وكبار معاونى ومستشارى الرئيس. أول من أمس الإثنين عقد مسؤولون كبار بالإدارة «تليكونفرنسا» امتد ل70 دقيقة شارك فيها 127 من أعضاء مجلس النواب. وطبعا اللجوء لهذه الوسيلة سببه عدم وجود بعض الأعضاء فى واشنطن، لأنهم فى إجازة ولن يعودوا قبل يوم 9 سبتمبر. وقد وضع البيت الأبيض جدولا مكثفا للتشاور والاطلاع شمل جلسة استماع علنية ومفتوحة للجمهور ومذاعة على الهواء مساء أمس الثلاثاء أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ حضرها جون كيرى وزير الخارجية وتشاك هيجل وزير الدفاع والجنرال مارتن ديمبسى رئيس الأركان. جلسة أخرى مغلقة تعقد اليوم الأربعاء اللجنة نفسها بحضور كيرى وجيمس كليبر مدير الاستخبارات القومية. ومن المقرر أن تعقد اليوم الأربعاء جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب يحضرها كيرى وهيجل. هذا بالإضافة إلى جلسات مغلقة لكل أعضاء الكونجرس صباح يومى الخميس والجمعة. ولقاءات للرئيس مع قيادات اللجان الخاصة بالخارجية والدفاع فى الكونجرس. وأيضا مكالمات هاتفية مع الأعضاء من جانب الرئيس ونائب الرئيس جو بايدن ودينيس ماكدونا كبير فريق البيت الأبيض، والذى يعد مدير مكتب الرئيس وكبير معاونيه. ولا شك أن الأسئلة التى تخص التحرك أو التدخل العسكرى الأمريكى عديدة إلا أن الأهم من تلك الأسئلة تنحصر فى التالى: ماذا سيفعل أوباما إذا قال الكونجرس لا؟ وماذا يريد البيت الأبيض أن يحققه بعد القصف؟ وهل البنتاجون ما زالت لديها شكوك بخصوص التدخل؟ ثم ما هى مخاطر إرجاء التدخل؟ وماذا يعنى النجاح فى هذه العملية العسكرية أو كيف يبدو؟ والمنتظر فى الأيام المقبلة هو إيجاد إجابة أو إجابات من جانب رجال الإدارة والمسؤولين بها لهذه الأسئلة المطروحة. من جهته ذكر مايكل هايدن المدير السابق ل«سى آى إيه» أن مخاطر تفاقم الأزمة فى سوريا عابرة لحدودها وقد تشمل التعامل مع إيران وحزب الله قائلا: «أعتقد أننا يجب أن نتحرك وأن نحسم الأمر» وشدد على ضرورة أن تظهر أمريكا حسمها وحزمها فى هذا التحدى. مشيرا إلى أن ما تسعى إليه أمريكا بتوجيه الضربة لسوريا والأسد: هو أن نجعله غير قادر.. ولكن بلا شك غير راغب فى شن هجوم كيماوى آخر». ومن الأمور المطروحة للنقاش والتحليل حاليا فى المشهد الواشنطنى كيف أن الرئيس أوباما «ولو على مضض» يأخذ قرارا بشن ضربة عسكرية لسوريا وهو الذى عارض من قبل كعضو فى مجلس الشيوخ قرار حرب العراق، وبما أن هيلارى كلينتون وافقت عليه وهى عضو فى مجلس الشيوخ تم استخدام هذه الورقة ضدها ولصالح أوباما فى ترشيحه للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطى عام 2008. كما أن كلا من كيرى وهيجل وزيرى الخارجية والدفاع على التوالى شاركا فى حرب فيتنام وغالبا ما عارضا أو وافقا بتحفظ على قرارات الحرب خلال وجودهما فى مجلس الشيوخ. كما تم تذكير أهل واشنطن بما لكل من سوزان رايس مستشارة الأمن القومى وسامانتا باور ممثلة أمريكا فى الأممالمتحدة من دور فعال وضاغط فى الأيام الأخيرة فى التحرك قدما وأخذ موقف وعدم الاكتفاء بالفرجة. ورايس وباور تتمتعان بثقة أوباما وهو كثير الاستماع لما تقولان وتقترحان. ولا شك أن الأيام المقبلة سوف تكشف لنا أكثر عن الفريق المنشغل الآن بسوريا، وبالمناسبة مصر أيضا فى بالهم. كما أن ملفات المنطقة برمتها تشغلهم و«تطير النوم من عيونهم» أو هكذا يبدو. واشنطن وهى تتعامل مع العالم تحتاج إلى وقفة ونظرة وتأمل وتحليل ودراسة، خصوصا أن أى مخاطرة ومغامرة ومقامرة تقوم بها واشنطن وتتبناها لها تبعات وتداعيات وعواقب.. على شعوب العالم أن تتحملها (مع الأسف) وتدفع ثمنها، نقدًا دفعة واحدة أو بالتقسيط، على دفعات!