متى تحترم الأحزاب نفسها وحجمها وتتوقف عن الحديث باسم الشعب؟ الأحزاب لدينا نوعان. الأحزاب التى وُلدت قبل خمسة وعشرين يناير ومعظمها وليد جهاز أمن الدولة، وكانت أحزابا أليفة ربَّاها نظام مبارك فى الجنينة، يجمعها ويهشها مدير إدارة الأحزاب بأمن الدولة. وأحزاب أخرى مثل «الناصرى» و«التجمع» و«الوفد» و«الجبهة» كانت أقرب إلى المنتديات السياسية، تفتقر إلى الجماهير والعمل التنظيمى وإن كانت منابر وطنية قليلة الحيلة مفروضا على بعضها قيادات صديقة جدا لأمن الدولة، أو تنسق مع هذا الجهاز (حزب الجبهة بقيادة الدكتور أسامة الغزالى حرب كان الأكثر قوة فى المعارضة والأكثر نُبلًا فى التضحية، وشارك بقوة حقيقية وبريادة فعلية فى خمسة وعشرين يناير، ولعل أحدا يرد اعتبار الحزب ورئيسه وشبابه الذين تفرعوا لكل الأحزاب والكيانات بعد يناير). النوع الثانى من الأحزاب هو مواليد بعد ثورة يناير، وكما ترى فليس فيها الحزب القوى القادر أو الناجح الناجع أو المؤثر الفاعل، وباستثناء حزب المصريين الأحرار المتماسك فكريا وتنظيميا فإن كل الأحزاب الأخرى تعانى من منازعات وصراعات وتعدد هوية فكرية داخل بنيان الحزب نفسه، وضمور تنظيمى بائس ونقص تمويلى فادح وغياب جماهيرى مثير للشفقة. طبعا من بين أحزاب ما بعد يناير الأحزاب الدينية التى لا يمكن السكوت عن عدم شرعيتها ودورها التدميرى لوحدة الشعب بالمتاجرة فى الدين وحمل أختام الإسلام والكفر لتوزِّعها على البلد واللى فيها، وارتباطها الفاضح بتنظيمات شبه عسكرية وإرهابية أو بجماعات غير قانونية أو هيئات تدَّعى لنفسها تمثيل الإسلام، والحقيقة أنها تمثِّل به! لقد أتيحت لهذه الأحزاب بنوعيها على مدى أكثر من عامين فرصة تاريخية من أحداث ساخنة وملتهبة فى البلد وواقع ثورى ضخم ووعى جماهيرى غير مسبوق واهتمام شعبى مهووس بالسياسة ورغبة عارمة من المواطنين فى المشاركة، فماذا كانت النتيجة؟ لا تزال هذه الأحزاب مهجورة الجمهور مغمورة الأثر. أهم طرق وجودها هو ظهور قياداتها فى التليفزيون! طبعا لا يمكن إنكار وطنية قياداتها وأعضائها ونضالهم فى مواجهة حكم الإخوان وصلابة جبهة الإنقاذ التى ضمت معظم هذه الأحزاب أمام ضغوط الإخوان، لكن كل هذا كان إعلاميا ونخبويا (ومهما قطعا ومؤثرا). لكن الدلالة هنا أن ثورة الجماهير المذهلة جاءت عقب فكرة من خارج هذه الأحزاب ومستجيبة لحركة تمرد الشابة التى كانت خارج هذه الأحزاب كلها والتى مشت وراء تمرد، بل وفوَّضتْها فى الحديث باسم الشعب. إذن نحن نتحدث عن أحزاب ليست قوية ولا فاعلة ولا واسعة الانتشار، ولا تملك قواعد جماهيرية منظمة وهذا يستدعى أن تتواضع هذه الأحزاب عندما تعكّ، وهى تطالب بانتخابات بالقائمة. فلتركز الأحزاب فى نفسها وفى تقوية تنظيماتها وإنهاء خلافاتها وتربية كوادر لها والتواصل مع جمهورها بدلا من أن تشوش وتبتز لجنة الخمسين لكتابة الدستور بسخافة التصميم على انتخابات بالقائمة أو المختلط بين القائمة والفردى، وهى المصيبة التى أوقعتْنا فيها بانعدام رؤيتها وقلة حيلتها واستسلامها وقتها لخطة ولأجندة الإخوان فتتبدد طاقة البلد وتهدر علينا فرصة بناء مصر وتجاوز خطايا المرحلة الانتقالية. أيتها الأحزاب الكريمة، الانتخاب بالنظام الفردى هو اختيار مصر فَدَوَّرُوا على أفراد يترشحون باسم أحزابكم بدلا من تضييع الوقت، فلا وقت لتضيعوه وأنتم لستم مهمين جدًّا لدرجة تضيعوا وقتنا!