"بدء مرحلة تاريخية للنساء"، هذا هو الوضع في الولاياتالمتحدة مع وجود هيلاري كلينتون التي أعلن الحزب الديمقراطي ترشيحها رسميًا للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر المقبل، ف"كلينتون" تعتبر أول امرأة تخوض السباق الرئاسي باسم أحد الحزبين الكبيرين في تاريخ الولاياتالمتحدة. وقالت كلينتون بعد إعلان ترشيحها رسميًا: "لا يمكنني أن أصدق أننا أحدثنا شرخًا غير مسبوق في السقف الزجاجي"، في إشارة إلى الحواجز الخفية التي تُعرقل المسيرة المهنية للنساء، وفي تسجيل لها تم بثه أمام مندوبي حزبها، أفادت "إذا كانت فتيات يتابعن مساء اليوم ما حدث، أود أن أقول لهن إنني قد أصبح أول سيدة تتولى الرئاسة لكن واحدة منهن ستكون التالية". وكانت "كلينتون" صرحت أمام مؤيديها خلال تجمع في نيويورك بعدما حسمت النتائج لمصلحتها في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي: "نعم لا يزال هناك جدران لكسرها للنساء والرجال، ولجميعنا"، مضيفة "لكن لا تصدقوا من يقول لكم إن الأمور العظيمة لا يمكن أن تحصل في أمريكا". أما الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي رافقها في حملتها الانتخابية في الأسبوع الأخير، فقد صرح "لم يكن هناك أبداً أي رجل أو امرأة يملك مؤهلات أكثر من هيلاري كلينتون لشغل هذا المنصب". وعلى صعيد آخر لا يمكن إحصاء الانتقادات بالكذب والاحتيال والمحسوبية وحتى بالقتل التي وجهها إليها الجمهوريون، و رؤية الغالبية من الأمريكيين أنها غير صادقة. من شيكاغو إلى أركنسو وُلدت هيلاري دايان رودهام في 26 أكتوبر عام 1947 في شيكاغو ونشأت في ضاحية بارك ريدج وسط الغرب الأمريكي من عائلة متوسطة، وهي تحب والدتها دوروثي وتصف والدها هيو رودهام وهو ابن مهاجرين بريطانيين بأنه عنيد وقاسٍ، إلا أنه نقل إليها أخلاقيات العمل والخوف من الفقدان، و ورثت أيضًا من والدها القناعات الجمهورية التي بقيت تلتزم بها حتى سنوات الجامعة، وتتبع عائلتها الكنيسة الميتودية وما زالت هيلاري كلينتون إلى اليوم متمسكة بكنيستها. وفي 1965 قبلت هيلاري كلينتون التي تتصف بالذكاء والطموح في جامعة عريقة للشابات هي ويلسلي كوليدج، وخلال الاضطرابات الاجتماعية التي شهدتها الولاياتالمتحدة في ستينات القرن الماضي، فتحت سنواتها الدراسية الأربع في الجامعة عينيها على حقوق السود والنضال من أجل الحقوق المدنية وحرب فيتنام والمساواة بين الرجل والمرأة. وتم انتخاب كلينتون الفتاة ذات النظارات السميكة، والتي تتمتع بقدرات قيادية وشخصية قوية من قبل زميلاتها لتمثيلهن في الإدارة، وفي 1969 التحقت بكلية الحقوق في ييل حيث التقت بيل كلينتون. وكتب بيل كلينتون لاحقًا "كان لديها تصميم وقدرة على ضبط النفس نادرًا ما لاحظتها لدى رجال أو نساء"، وفي هذه الفترة، اتضح نشاط هيلاري في الدفاع عن حقوق الإنسان والنساء، وعند انتهاء دراستها، اختارت العمل مع صندوق الدفاع عن الأطفال، بينما استقر بيل في أركنسو لبدء مسيرته السياسية. وبعد إقامتها في واشنطن في عام 1974 حيث وظفتها لجنة التحقيق في فضيحة ووترجيت، تبعت بيل كلينتون إلى أركنسو (جنوب)، حيث تم انتخابه نائبًا عامًا ثم حاكمًا للولاية، بينما التحقت هيلاري بمكتب كبير للمحاماة، وفي 1980 ولدت ابنتهما تشيلسي. سيدة أولى وتحت الضغوط، تخلت كلينتون عن اسم عائلتها مكتفية بكنية كلينتون وأصبحت السيدة الأولى لأركنسو، ثم للولايات المتحدة بعد انتخاب "بيل" في عام 1992، إلا أن صورة "الشريكة في الرئاسة" في الظل الذي يغذيها الجمهوريون تتناقض مع الصورة التقليدية للسيدة الأولى التي تهتم بالأعمال الخيرية. وبعد فشل مشروعها لإصلاح النظام الصحي في عام 1994، انسحبت كلينتون من الملفات السياسية للتركيز في المقابل على قضايا النساء خصوصًا في الخارج. وفي الكواليس، "هيلاري" هي من تقوم بالإشراف على الفريق القضائي المكلف لفضيحة "وايت ووتر" العقارية، ورغم الإهانة التي شعرت بها من خيانة زوجها، إلا أنها دافعت عنه بقوة لتفادي إقالته في عام 2008 مع أنهما كانا يقصدان خبيرًا نفسيًا لإنقاذ زواجهما. مسيرة منفردة ومع اقتراب موعد رحيلها من البيت الأبيض، انطلقت السيدة الأولى في العمل السياسي وتم انتخابها في نوفمبر عام 2000 عضوًا في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك، ورفضت الترشح للانتخابات الرئاسية في 2004، لينتقدها السيناتور باراك أوباما في ذلك الوقت في الاقتراع التالي بلا توقف لتصويتها مع حرب العراق. وقامت هيلاري كلينتون بتحويل تجربتها إلى شعار، ووعدت بأن تكون سيدة حديدية، لكن الأمريكيين فضلوا عليها شابًا أربعينيًا جديدًا يجسّد التغيير أكثر من أي شخص آخر، و لكنها أصبحت وزيرة للخارجية في حكومة باراك أوباما في ولايته الأولى، بينما قال معارضوها: إنها "لم تحقق أي نجاح يذكر"، وانتقدها الجمهوريون بشدة بسبب الهجوم الذي وقع في بنغازي وقتل فيه السفير الأمريكي مختنقًا مع 3 أمريكيين آخرين. وحين أعلن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) أنه لن يوصي بملاحقات بحقها في قضية استخدامها لبريدها الإلكتروني الشخصي بدلاً من البريد الرسمي، زادت الشكوك في أن الزوجين كلينتون يعتقدان أنهما فوق القانون إلى جانب أنهما يعيشان حياة أثرياء. لكن سنواتها الأربع في الخارجية عززت صورتها كسيدة دولة، ويفيد استطلاع للرأي يجريه معهد جالوب سنويًا بأنها تبقى بعد 14 عامًا السيدة التي تثير إعجاب أكبر عدد من الأمريكيين، ما يثبت أن نهجها الواقعي تغلب أخيرًا على مثالية منافسها الديمقراطي بيرني ساندرز.