وقعت جريدة الشروق الصادرة صباح اليوم السبت، في خطأ مهني، باستخدامها وصفا عنصريا للأمريكيين من أصول إفريقية، ففي صدر الصفحة الأولى للجريدة جاء نص العنوان الصادم "زنوج أمريكا يرفعون السلاح ضد انتهاكات الشرطة"، وهو الوصف الذي يعتبر عنصريا، لما يحمله من تاريخ طويل من الاضطهاد للأمريكيين من أصول إفريقية، رغم أنه في اللغة لا تعد كلمة "زنوج" كلمة عنصرية، إذ تعرفها معظم قواميس اللغة على أنهم سُلالات منحدرة من القبائل الإفريقية، تتميز بالجلد الأسود، والشعر الجعد، والشفة الغليظة، والأنف الأفطس، يسكنون حول خط الاستواء، وتمتدُّ بلادهم من المغرب إلى الحبشة، وبعض بلادهم على نيل مصر. غير أن الربط التاريخي بين المصطلح وما حدث مع الأفارقة بعد جلبهم من بلادهم، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، واستعبادهم لدى الأمريكيين البيض، جعل استخدام هذا اللفظ أمرا مزعجًا، لعلاقته بما تعرض له الأفارقة في تلك الفترة من أوضاع مأساوية، إذ كانوا بلا أي حقوق وكانت القوانين ذاتها لا تعترف بهم، حتى ظهرت حركة الحقوق المدنية، مارتن لوثر كينغ، والتي كانت تستهدف تجريم التمييز العنصري ضد الأمريكيين الأفارقة، وانتشر أتباعها في الولاياتالمتحدةالأمريكية خاصة جنوب البلاد، بين عامي 1955 و1968، ورغم نجاح الحركة في إصدار تشريعات تجرم العنصرية ضد الأمريكيين من أصول إفريقية، ظل اللفظ يستخدم كأحد الألفاظ المهينة لأصحاب البشرة السوداء الذين يعيشون في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ونظرًا للاستخدام المسيء للفظ ذاته، فقد اعتذر الجيش الأمريكي في بيان له 2014 عن استخدام كلمة "زنجي"، بعدما جاء في وثيقة خاصة بالسياسات والإجراءات، أن تعبيرات مثل "هاييتي" أو "زنجي" يمكن أن تستخدم إلى جانب تعبيرات "أسود" أو "أمريكي إفريقي"، وهو ما أغضب عددا كبيرا من الأمريكيين، مما دعا الجيش إلى التراجع والاعتذار. ولا يعد هذا هو الاعتذار الأول عن استخدام هذا المصطلح، إذ اعتذرت في 2014 أيضا مغنية البوب الأمريكية الشهيرة مادونا لاستخدامها كلمة "زنجي"، واعتذر كذلك مغني البوب الكندي جاستن بيبر، عن استخدام نفس الكلمة بعد انتقادات وجهت له باستخدامه في مزحة عنصرية، بينما أعلن المتحف الوطنى الدنماركى في 2016عن إلغاء كلمة “زنجى” التى كان يطلقها على الفن الإفريقى. وتؤكد تلك الوقائع المدلول السيئ للفظ الذي استخدمته جريدة الشروق، وهو ما يعيد فتح الملف المغلق دائما، والمتعلق بمدى كفاءة ومهنية العاملين في المجال الصحفي والإعلامي، وتؤكد المطالبات بضرورة تدريب وتطوير الكوادر الصحفية المسئولة في الصحف، وكذلك تدريب المحررين على استخدام ألفاظ ومصطلحات أكثر حساسية للقضايا الاجتماعية، وكذلك إعادة التذكير بأخلاقيات المهنة التي تنتهك يوميا، فإن كانت المطالب المرفوعة دائما تؤكد ضرورة وجود تشريعات صحفية تمنح الحرية للصحفيين، فمن واجب أهل الصحافة أيضا أن يؤهلوا أنفسهم لتلك الحرية بمزيد من التطوير والالتزام الأخلاقي، أو إعادة قراءة مبادئ الصحافة التي يدرسها طلاب الفرقة الأولى بكليات الإعلام، والتي من بين محرماتها استخدام مصطلحات وألفاظ عنصرية. وكانت "الشروق" قد نشرت تقريرًا، بتاريخ 1 مارس 2013، بعنوان "إلغاء استخدام مصطلج الزنوج".