- استراتيجية مضمونة للتنظيمات المسلحة لتأمين مؤيدين ومقاتلين مطيعين وجواسيس سريين بسلاح "الاستشهادية" - تنظيم الدولة يجند جواسيسه من بين العناصر غير المتدينة والمنفلتة أخلاقيًا للتمويه وعدم لفت الأنظار - داعش سيناء "جود" في سياسة التجنيد بالاعتماد على مرتزقة يمكن شرائهم بالأموال لضرب الأمن
جدد قرار النيابة العامة الأخير، حبس أميني شرطة بالعريش 15 يومًا، على ذمة التحقيق في اتهامهما بالعمالة للتنظيمات الدينية المسلحة (دواعش سيناء على الأرجح)، الحديث عن اختراقات ما في الجهاز الأمني الشرطي على وجه التحديد، تكلف دماءً وخسائر من حين لآخر. الإشارة هنا إلى تسريب خطط تحركات الدوريات وأماكن المبيت غير المعلنة وخطوط سير القيادات. قبل أيام قليلة تم تصفية فردي شرطة في مقر سكني تابع للأمن بحي المساعيد بالعريش على يد 4 ملثمين لازوا بالفرار بعد جريمتهم، فيما قُتل ثالث من قوة مديرية أمن شمال سيناء أمام منزله بالطريقة ذاتها. وخلال الشهور القليلة الماضية تعددت حوادث مماثلة لاستهدف أمناء الشرطة في محيط سكنهم أو في طريق سيرهم المعتاد إلى ومن أماكن العمل، حيث تكللت غالبيتها بنجاح مؤسف، ناهيك بمحاولات فاشلة للاعتداء على عدد من الرتب الكبيرة لكنها فشلت.. بيد أن مذبحة حلوان الأخيرة، قد حملت شكوكًا بشأن تورط 5 رجال أمن من الرتب الصغيرة في إفشاء أسرار تحركات الضحايا ما أدى لتصفيتهم في حادثة بشعة على يد خلية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي. بالقطع لا يمكن تعميم مسألة الاختراق الداعشي ومن قبله الإخواني في مختلف الهيئات والإدارات الشرطية.. إلا أن تداعيات الأحداث بعد سقوط دولة الإخوان، كشفت العشرات من المتأخونين والمتعاطفين بل والمجندين من مختلف الرتب من قبل تيارات العنف داخل أروقة وزارة الداخلية. جريمة اغتيال المقدم محمد مبروك، شاهد الإثبات في تخابر الرئيس الأسبق محمد مرسي وهروبه من سجن وادي النطرون، فجرت ملف اختراق الداخلية، بعدما تبين أن ضابطًا بإدارة المرور هو من سرب خط سير الضحية لقاتليه. وللحق، فقصة محاولات تجنيد التيارات الإسلامية العنيفة لأتباع لها بالأجهزة الأمنية ليست بالجديدة، بل أنها قديمة بقدم جماعة الإخوان، باعتبار الأخيرة النافذة التي خرجت منها التيارات الجهادية والمتأسلمة كافة. منذ عقودة عدة ماضية خصص الإخوان قسمًا أسموه الوحدات لأنصارهم في الجيش والشرطة، ومن خلاله برز الرعيل الأول للتنظيم السري المسلح، الخاص. كما أن عشرات الأسماء البارزة في جماعات الجهاد المسلح في الثمانينيات والتسعينيات، كانوا من الضباط، من شاكلة عصام القمري وخالد الإسلامبولي وعبد العزيز الجمل وغيرهم. طبعات إرهاب ما بعد نهاية دولة الإخوان تصدرها أشقياء من ذوي الجذور الأمنية.. هشام عشماوي يظل المثال الأبرز في هذا الشأن. بخصوص فورة الإرهاب الداعشي التي تجتاح العالم حاليًا، فربما لم تكن لتكتمل من دون بطانة الجنرالات السابقين في الجيش العراقي، ممن انضوا تحتل لواء الخليفة المزعوم، أبو بكر البغدادي، وصاروا كبار قادته العسكريين والاستراتيجيين، بل وبعضهم جمع كذلك العلم الشرعي والإفتاء إلى جانب خبراته الحربية. غير أن داعش ربما قد "جود" بعض الشيء في سياسة تجنيد الأمنيين، بحيث إنه يعتمد في جواسيسه السريين على الرتب الصغيرة، وبخاصة أولئك المشهورين ظاهريًا على الأقل بفساد الأخلاق وعد التدين والإنفلات السلوكي. يوصي الدستور الحاكم الأهم لسياسات داعش الاستراتيجية، والمعنون بكتاب "إدارة التوحش" بضرورة أن يكون أغلب قادة الحركة الإسلامية الكبار المعروفين "عسكريين"، فضلًا عن مغازلة الضباط والجنود من صغار ومتوسطي الرتب كهدف أساسى واستراتيجي، بما يحقق للتنظيمات المسلحة مصدرًا مهمًا لتأمين المؤيدين والمقاتلين المطيعين السريين وبخاصة "فئة القيادة الوسطى من جيوش الردة"، حسب ما جاء بالكتاب. وينبه الكتاب صراحة إلى الصفات التي يجب أن تتوافر في جواسيس التنظيم الإرهابي داخل المؤسسات الحيوية للدولة المستهدفة، وفي مقدمتها الأمن: "ينبغى أن يتم اختيار العضو الذي سيقوم بالاختراق تحت الثقة بقدرته على الحفاظ على دينه داخل مجال قد يكون مليئاً بالمخالفات الشرعية أو الكفر، فى حين يكون شخصية غير محروقة ولم يعرف عنه تدين سابق، على أن يكون مستعدا أن يكون الدور الذى يقوم به بمثابة عملية استشهادية". لاحظ أن تجنيد الجواسيس لدى داعش يعتمد بالأساس على إقناع العناصر بفكر التنظيم بما يجعله استشهاديًا تحت الطلب، كما جاء في "إدارة التوحش"، وهو ما يتنافى هنا مثلًا مع حالة فردي الأمن المحبوسين حاليًا بقرار من النيابة بالعريش، إذ دلت التحريات على حصولهما على أموال من قبل الجماعات المسلحة على كل رأس ضحية يتم تسليمه، ما يمنح دلالة على أن رجال أبو بكر البغدادي في سيناء لجأوا لمن يمكن اعتبارهم بالمرتزقة لضرب الأمن، الأمر الذي يصعب بالفعل من عملية تتبع ذيول وأصابع التنظيم، ولما لا وضرباته الموجعة تأتي بإسهام مخجل من أهل البيت.