الحقيقة الأساسية التى تغيب عن أنصار نظام الإخوان البائد هى أن شعب مصر قد تعلم فى عامين بعد ثورة يناير ما لم يكن ممكنا أن يتعلمه فى عشرين سنة، وأن وعى المصريين قد نضج بصورة لا يمكن أن يدركها من تعودوا على السمع والطاعة. الشباب الذى اختطفت منه الثورة فى 2011 هو نفسه الذى أعلن التمرد واسترد الثورة فى 30 يونيو.. الجماهير التى انصرفت من الميادين بعد 18 يوما متصورة أن رحيل مبارك يكفى، تعرف اليوم أن تكرار الخطأ مستحيل، وتدرك أن بقاءها فى الميادين هو الذى سيردع قوى الشر، وأن وحدتها فى هذه الظروف المصيرية هو الذى سيحمى الثورة. لا أريد أن أقلل من التحديات الخطيرة التى تواجهنا، ولكن -فى الوقت نفسه- علينا أن ننطلق من إيمان عميق بأن هذا الشعب العظيم الذى فرض إرادته واسترد ثورته فى 30 يونيو قادر على حماية هذه الثورة وتحقيق أهدافها رغم كل الصعوبات. ومن هنا ينبغى أن لا نبدد الجهد فى الرد على من يصفون الخروج العظيم لشعب مصر فى 30 يونيو لإسقاط حكم الإخوان الفاشى بأنه «انقلاب»!!.. فلنترك من لا يريد أن يرى الحقيقة يسعد بحالة العمى التى يعيشها، ولنترك من يحتقر إرادة الشعب لكى يحاسبه الشعب نفسه، وليكن واضحا لمن يرتكبون فعل الخيانة ويطلبون التدخل الأجنبى أنهم لن يفلتوا من العدالة، وليفهم الجميع أن مصير مصر لن يقرره إلا شعبها وحده. المطلوب الآن أن نركز الجهد على إنجاز مهام المرحلة الانتقالية بنجاح بعد تشكيل الحكومة، التى نرجو أن تكون على مستوى المهام الخطيرة الموكولة إليها، والتى تتضمن استعادة الأمن، ووقف تدهور الأوضاع الاقتصادية، والبدء فى خطوات ملموسة لتحقيق العدل الاجتماعى، وتحسين الأحوال المعيشية للغالبية العظمى التى زادت أوضاعها سوءا فى الفترة الماضية. لكن المهمة الأساسية تبقى فى ضمان أن تكون الفترة الانتقالية هى طريق العبور إلى النظام الدائم الذى يليق بمصر ويترجم أهداف ثورتها. إن ذلك يتضمن الدستور الذى يضع أسس الدولة المدنية ويحمى الحريات ويثبت حقوق المواطنة وسيادة القانون. لكن بجانب وضع الدستور هناك مهام أخرى لا تقل أهمية، وهناك مبدأ أساسى ينبغى أن يحكم المرحلة الانتقالية، وهو أن تكون هذه المرحلة هى الطريق الذى يؤدى إلى ضمان أن تحكم الثورة، وألا يتكرر الخطأ الذى وقعنا فيه بعد يناير، والذى كانت نتيجته أن ذهب الحكم إلى استبداد جديد، بينما ذهب الثوار إلى السجون أو إلى كشوف الشهداء!! إن هذا يفرض على قوى الثورة أن تنظم صفوفها، وأن تحافظ على وحدتها حتى تستطيع أن تترجم أصوات الملايين التى خرجت فى 30 يونيو إلى قوة تحسم الانتخابات وتضمن أن تحكم الثورة باسم الشعب. إن هذا يفرض أيضا إجراءات سريعة لإزالة كل آثار عملية «الأخونة» التى حاول النظام البائد من خلالها السيطرة على كل مفاصل الدولة. لا يعنى ذلك إقصاء أو ظلما لأحد، ولكن يعنى ضرورة تصحيح الأوضاع التى تم فيها الاستيلاء دون وجه حق على المواقع الأساسية فى الوزارات والمحافظات، والتى تحكم فيها أنصار الجماعة فى أرزاق الناس، والتى تحولت فيها منابر المساجد والصحف القومية وتليفزيون الدولة إلى وسائل دعم لحكم الإخوان الفاشى. فى 30 يونيو استعاد الشعب ثورته، فلتكن الفترة الانتقالية طريقنا إلى حكم يمثل الشعب وتحقيق أهداف الثورة.