كان ينقصه هذا الدور، رجل مضطرب، وخائف، ويحدّث نفسه، يعيش فى مصحة لعلاج الأمراض العقلية، ويتجول فى حديقتها يائسا، بائسا، ومع ذلك لا تشعر أنه مجنون، بل تتمنى أن يبقى أكثر على الشاشة.. هو يشبه عشرات من حولنا أكلتهم الحياة.. إنه الضيف الأهم على مسلسل «حكاية حياة» لغادة عبد الرازق هذا العام.. عم صلاح عبد الله. بجلبابه الأبيض، وبشعره الأشعث وبكل هذا الكم من الإشفاق الذى يفجره بداخلك بمجرد النظر إليه، يبدو وكأنه كان بالفعل يبحث عن هذا الدور. لا مشاهد كثيرة إذن، لكنه تأثير عميق من أول طلّة. فى جولتك بالريموت كنترول سوف يقابلك وجه صلاح عبد الله أكثر من مرة، منها هذا الظهور المضحك من خلال المسلسل الكوميدى المميز «الرجل العناب»، هذه المرة اسمه صريح الفيل، الإعلامى الذى يحاكى بشكل مباشر شخصية توفيق عكاشة، لكن لو كان عكاشة بموهبة وخفة دم، وتلقائية وصدق صلاح عبد الله، لكُنا أمام مذيع من الطراز الأول. يبهرك صلاح عبد الله بمدى تنوعه، وبمدى قدرته على تغيير جلده ربما فى اليوم أربع مرات، من بلاتوه إلى آخر «رايح جاى»، إنه هنا المعادل لسوسن بدر، سواء فى تعدد أدواره فى الموسم الواحد، أو فى قدرته الفائقة على التقمص. إنه كلمة السر فى دراما المحترفين، فقط تزامن عرض الأعمال فى شهر واحد قد يسبب إرباكا للمشاهدين، ويمنعهم من المتابعة الجيدة والدقيقة. لكنها عقدة رمضان التى لن تتغير. الرجل فى رمضان هذا العام يعيش حياة بائسة أيضا فى مسلسل آخر هو «الوالدة باشا»، عم سيد الميكانيكى ساكن السطوح الذى يعانى الأمرّين مع زوجته بسبب قلة المال، لم يقدم صلاح عبد الله هذا الدور الذى يبدو تقليديا فى تفاصيله بأى نوع من التقليدية، أو التكرار، ولم يبدو مبتذلا كى يكسب تعاطف الجمهور، فقط لبّيس ملابس عم سيد، ثم ببساطة أصبح هو. إنه يرسل رسالة إلى الممثلين المتفذلكين، أصحاب مدرسة المبالغة: «فقط كونوا طبيعيين، وصدقوا ما هو مكتوب على الورق». منذ عشرين عاما أو أكثر أصبح صلاح عبد الله اختيارا مضمونا لدى صناع الدراما فى مصر، تحديدا منذ أن كان حديث الساعة من خلال دور عم حسنى أبو دبيكى فى مسلسل «ذئاب الجبل»، ورغم أنه كان يمثل قبلها بعشر سنوات على الأقل، فإن هذا الدور كان بداية الانطلاق، ففور ظهوره فى الأحداث ترك الجمهور البدرى وأخته، ووالده، وأصبحوا يركزون فيما يقوله هذا الرجل الصعيدى خفيف الدم الذى لا يقرأ ولا يكتب، وأصبحت «ماتجفلش معايا أومال»، هى الجملة التى خرج بها الجمهور من هذا المسلسل الذى يحتل موقعا لا يتبدل من ذاكرة المشاهد المصرى. لا يمكننا أن نتجاهل أيضا وجود صلاح عبد الله على شاشة السينما، فهو دائما سند لجيل الشباب يكفى أنه العام الماضى، ووسط الظروف الإنتاجية السيئة التى تمر بها صناعة السينما فى مصر قد شارك فى ثلاثة أفلام هى «المصلحة»، و«حلم عزيز»، و«بابا»، أنت كمشاهد تطمئن بمجرد أن يظهر صلاح عبد الله فى الكادر، تعرف أن أى عيوب فى الحوار أو فى البناء الدرامى للمشهد سوف يتغلب عليها هذا الرجل بأدائه الذى لم يبعث على الملل يوما. وكأنه السحر.. كل هذا الانشغال ولم ينسَ صلاح عبد الله يوما أنه شاعر وزجّال من طراز رفيع، فطوال الوقت يتشارك مع أصدقائه فى أمسيات شعرية «ع الضيق»، يلقى من خلالها مجموعة من قصائده التى تكون فى أغلب الوقت وطنية. لا أحد إذن يمكنه أن يمسك على هذا الرجل غلطة فى الأداء، فالأخطاء دوما يكون منبعها من حوله، أم هو فيمسك بزمام الأمور فى فن التمثيل جيدا.. فقط تابعه قليلا فى هذا الموسم الدرامى، ولن يخيب أملك.