كتب:محمد حبوشة لم تستطع كاميرا المخرج حسني صالح هذه المرة- للأسف- جذب الجماهير, كما جذبتهم من قبل في مسلسلي الرحايا وشيخ العرب همام. علي الرغم من جودة الحوار الذي كتبه الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي لمسلسل وادي الملوك بصياغة عامية قروية صعيدية غاية في الروعة جمع من خلالها غالبية المأثورمن الفلكلور الصعيدي ليأتي علي لسان الممثلين عذبا نديا في فهمه وتذوقه لشطري القطر المصري( صعيد وبحري) علي حد سواء. بعض المشاهدين يرون أن الحوار وقع في براثن المط والتطويل في عدد من الحلقات, وعلي جودة الحوار الذي أمسك بدفة الأداء التمثيلي وقاده غالبية المشاركين في المسلسل إلي مناطق دافئة, ورغم الأجواء القاتمة في غالب الحلقات, إلا أن المعالجة الدرامية والسيناريو للكاتب محمود الحفناوي والمأخوذ عن رواية يوم غائم في البر الغربي للروائي محمد المنسي قنديل لم تكن علي ذات المستوي, فقد أبي الحفناوي أن ينهل جيدا من الرواية ويقدم لنا جوهرها الحقيقي بشخوصها الحقيقية لغرض في نفسه, ومن هنا ظل غارقا في شخصية البطل دياب( مجدي كامل) يرسم له صورة خيالية لبطل رجل سكران عربيد لا يفيق من سكره الدائم أبدا, فتراه يترنح فقط طيلة الأحداث في نفس المكان مع مجموعة الحلبة, وهو مابدا غير منطقي إلا في حالات قليلة اعتمد فيها المخرج علي خبرة وحنكة مجدي كامل المتراكمة في فن التجسيد وتقمص الشخصية ومعايشتها كما ظهر لنا في الشرر المتاطير من عينيه في المواقف العصيبة, لكن خيال السينارست أوقعه في دائرة الأداء النمطي الذي يبدوا أنه لاقي هوي في نفس المخرج أيضا فوقعت في أثره الكاميرا. كما أن وصف مجموعة الحلبة بالطريقة التي ظهر بها المسلسل يعد نقطة ضعف ملحوظة في السيناريو والحوار والإخراج معا, فالمعروف أن الغواني ينصبن الخيام للرقص والطرب والغناء, لكن الكاتب جنح بخياله بعيدا وانتزع صفاتهم الحقيقية وأغدق عليهم صفات أخري قوامها الغدر والسوداوية والحقد والانتقام وجني الأموال فقط علي عكس المفهوم الراسخ لدي المشاهد عن قصص الغوازي والحلبة كما ورد في مسلسل ناعسة للفنانة مها صبري وصلاح قابيل علي سبيل المثال. ورغم ما علق في ذاكرة المشاهد من عيوب وهنات في قلب دراما وادي الملوك علي مستوي الإخراج والسيناريو فقد جاء أداء غالبية الممثلين المشاركين في العمل علي جناح حوار الأبنودي أكثر من رائع, فظهرت البطلة سمية الخشاب ممثلة من الوزن الثقيل وعلي قدر السمنة التي ظهرت عليها فقد جاء الأداء رائعا حقا ويفوق تجاربها السابقة بمراحل في اللون الصعيدي علي مستوي رشاقة الحركة ونظرات العين وحنوها البالغ في تعاملها مع أختها الصغري عايشة والتي أكسبت شخصية نجية قدرا هائلا من الحيوية عبر إيماءات ومنولوج داخلي بين الحين والآخر يعبر بصدق عن المرارة مع قدرة فائقة علي التحكم في الصوت في علو وانخفاض يعكس في النهاية ألق الموهبة وعمق الخبرة التي رسخت وجود سمية في الصفوف الأولي للنجوية. أما صابرين فقد ظلت ثابتة كعادتها لاتراوح مكانتها الرفيعة وعند حسن ظن الجمهور الذي وضعها في العام الماضي علي رأس نجوم الدراما كممثلة بارعة في الأدوار المركبة بما تملكه من حس إنساني وقدرة خاصة علي التماهي مع الشخصية, وهو ما ظهر واضحا في تجسيدها ببراعة لشخصية صبح الحلبية المقهورة في طريقة خداعها ودهائها وجبروتها وانكسارها خاصة المشهد الذي يعد ماستر سين المسلسل حين علمت بأن دياب الذي تزوجته بغرض الانتقام منه لمقتل أمها هو أخوها ومن نفس الأم بحسب رواية فضة التي جسدت شخصيتها القديرة ليلي طاهر. لابد أن تقف بتقدير وإجلال لأداء الفنان القدير نبيل الحلفاوي الذي قدم شخصية الأب أبو العلا كما لم تقدم من قبل في الدراما الصعيدية خاصة مشاهده علي فراش الموت, ففي ظل الصمت المطبق علي وجهه وحالة الذهول التي تسبق الرحيل تبدو في وجهه علامات القدرة والتحكم وبلاغة تجسيد درامي من نوع خاص جنبا إلي جنب مع القديرة سميرة عبد العزيز عسكرية التي تحمل بين جوانحها مرارة الأيام وانكسار المرأة العاقر المقعدة- تقريبا- لكنها استطاعت أن تضفي زخما محببا علي المشاهد. ولايخفي علي المشاهد تلك المتعة الخاصة بأداء لطفي لبيب حساني ذلك الحلبي الذي يلعب بالبيضة والحجر, ومن رحم المواقف الملتهبة يستطيع أن يرسم علي شفتيك ابتسامة رقيقة عذبة رغم المرارة والسوداوية التي تحيط بمجمل حياته البائسة, وتأتي الجميلة الرقيقة ريهام عبد الغفور عائشة- ميري في أدائها كاليمامة الحزينة التي لاتكف عن الأنين في جوف الليل ومع ذلك تبدو عذبة ناعمة مدثرة بثوب البراءة والعفة ودفء المشاعر الإنسانية رغم اغتراب الهوي والهوية وتلك المأساة التي تسكنها أناء الليل وأطراف النهار, ونفس الشعور ينتابك مع أداء مي نور الشريف الأخت مارجريت التي بدت كملاك حائر في ثوب إنسان ينثر بذور الأمل في قلوب البشر, وعلي قلة مساحة الدور الذي قام به أشرف مصليحي فقد أجاد في التعبير الحي والأداء السلس عن شهامة البسطاء من أبناء البلد, وأيضا روان التي قدمت دور الغازية بطريقة تنبئ عن موهبة كبيرة في قادم الأيام.