يصادف اليوم 23 مايو، ذكرى وفاة عالم الرياضيات الأمريكي الفذ «جون ناش»، الذي يشتهر بلقب «العبقري المجنون»، بعد حادث سير تعرض له هو وزوجته، أودى بحياتهما العام الماضي. العبقري المجنون على الرغم من أنه كان مصابًا بمرض نفسي هو الفصام، لم يكن عالمًا عاديًا، ففي حياته، حصل على جائزة نوبل، وبسببه استطاع الممثل النيوزيلندي راسل كرو، أن يحصد هو الآخر جائزة أوسكار أفضل ممثل، عن تجسيده قصة حياة جون ناش، في فيلم بعنوان «A Beautiful Mind - العقل الجميل» في عام 2001. - طفولته.. والقدر ولد جون ناش في 13 يونيو من عام 1928، بمدينة بلوفيلد، التي تقع في ولاية فيرجينيا الأمريكية، لأب أمريكي أفنى عمره في العمل كمهندس كهرباء، وأم كانت تعمل مُدرسة. لم يتخيل أحد من عائلة ناش، أن القدر سوف يرزق مهندس كهرباء، ومٌدرسة، بطفل غير عادي، سوف يصبح من أهم عالمي الرياضيات في التاريخ المعاصر لاحقًا، فوالدا ناش، كان أقصى آمالهما حين أنجباه، أن يصبح هو الآخر مهندس كهرباء. ومنذ طفولته، عرف عن ناش، ولعه بالرياضيات، وذكاؤه الشديد، وحبه للتفاصيل، حتى وإن كان الأمر بسيطًا ولا يحتاج إلى تعقيد، كما أنه كان يفضل الوحدة دائمًا، وعدم الانخراط في الحياة الاجتماعية، ما جعله يتفرغ للدراسة، وإجراء تجارب علمية في غرفته الخاصة. - دراسته.. «هذا الرجل عبقري» تفوق ناش في دراسته بالمرحلتين الابتدائية والثانوية، لم يقتصر فقط على أقرانه، بل امتد الأمر ليشمل أساتذته أيضًا، ففي المدرسة الثانوية، ظهرت موهبة العبقري المجنون بقوة، حين تفوّق على أستاذ مادة الرياضيات، بعدما عرض حلًا أسهل بخطوات قليلة لإحدى المسائل التي شرحها للطلبة. وأسهم تفوق ناش، ونبوغه، في أن يحصد جائزة ويستنجهاوس الوطنية الأمريكية، التي فتحت الباب أمامه للحصول على منحة دراسية كاملة في معهد كارنيجي للتكنولوجيا الشهير، ليدرس الهندسة ثم الكيمياء، قبل أن يستقر في النهاية على دراسة عشقه الأول: الرياضيات. وبعد تخرجه فى معهد كارنيجي، وحصوله على درجة الماجستير، طلب من أحد أساتذته هناك، أن يكتب له رسالة توصية، تدعمه في القبول بجامعة برنستون، التي تعد حلم الملايين من عشاق مادة الرياضيات، فلم يكتب يها سوى جملة واحدة «This man is a genius - هذا الرجل عبقري». وحقق ناش حلمه، والتحق بجامعة برنستون، ثم حصل على الدكتوراه عام 1950، وهناك صمم لعبة تسمى «ناش»، وهي لعبة بين شخصين، ينتصر فيها من يستطيع تكوين سلسلة من الخطوط ذات اللون الواحد، على لوحة تحتوى على مربعات بيضاء وسوداء اللون، موزعة بشكل عشوائى، وسرعان ما انتشرت بين الطلاب والأساتذة في الجامعة، وكانت بمثابة البطل الذي جعل جون ناش، يقتحم «نظرية الألعاب». نظرية الألعاب، هي تحليل رياضي لحالات تضارب المصالح بغرض الوصول إلى أفضل الخيارات الممكنة لاتخاذ قرارات في ظل الظروف المعطاة، كي تؤدي إلى الحصول على النتيجة المرغوبة، وعلى الرغم من أنها مرتبطة بالألعاب المعروفة مثل إكس أو، فإنها تستخدم في وضع استراتيجيات التنافس بين الشركات وبعضها البعض، ولحل المشاكل المعقدة في علوم الاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، والخطط الحربية. - زواجه بعد علاقة غريبة عمل ناش بقسم الرياضيات في جامعة كامبريدج الأمريكية العريقة، مطورًا عددًا من النظريات باسمه، في الألعاب والهندسة وعلم المكان، والمعادلات التفاضلية الجزئية، وهناك قابل إحدى الفتيات، تدعى إليسيا دالارد، التي كانت تعمل في قسم الفيزياء، ودائمًا ما تصفه بالأنانية، وعدم اللطف، والبجاحة، ومن المثير أن حالة عدم الاستلطاف المتبادلة بينهما، تحولت إلى علاقة عاطفية، انتهت بالزواج في عام 1957. وفي عام 1958، وعلى الرغم من أن عمره لم يتجاوز الثلاثين عامًا، دفعت موهبة ناش، ونظرياته في عالم الرياضيات، مجلة «Fortune» الشهيرة، لأن تصفه بأنه الرجل الأكثر عبقرية في العالم أجمع. - إصابته بمرض الفصام.. وزوجته الوفية في عام 1958، بدأت أعراض مرض الفصام تظهر على ناش، حيث كان يعتقد أن لديه شريكًا في غرفته، لدرجة أنه كان ينشئ لنفسه عالمًا خاصًا به، يعيش فيه مع آخرين، وتهيئ له نفسه، أنه يقابلهم، ويتقاسم معهم اللحظات، وهي التصرفات الغريبة التي لاحظها جميع من حوله، وأكسبته لقب «العبقري المجنون». لم تترك إليسيا دالارد زوجها ناش هكذا، ففي عام 1961، اتفقت مع عائلته على أن يتم إيداعه في مركز طبي للعلاج، بولاية نيوجيرسي، وظل طوال عشر سنوات معه، حتى عام 1970، تدخله وتخرجه من مستشفيات الأمراض العقلية، حتى تم علاجه في نهاية المطاف. - جائزة نوبل.. والمصري الذي تسبب في وفاته حصل جون ناش في عام 1994، على جائزة نوبل، في مجال الاقتصاد، عن نظرية عرفت باسم «نظرية ناش للتوازن»، التي تم استخدامها في علوم الاقتصاد، والحوسبة، وعلم الأحياء التطورى، والذكاء الصناعى، والمحاسبة، وعلوم الكمبيوتر، والسياسة، والتخطيط العسكرى. وفي الوقت الذي شهد فيه عام 2015، حصول ناش على جائزة أيبل، وهي تعادل جائزة نوبل في الرياضيات، في نفس العام، لقى عبقري الرياضيات، حتفه، عن عمر يناهز ال86 عامًا، هو وزوجته إليسيا دالارد، في حادث مرور، بولاية نيوجيرسي الأمريكية، أثناء ركوبهما سيارة أجرة، كان يقودها مهاجر مصري يدعى طارق جرجس. وبعد التحقيق في سبب الوفاة، تبين أن الثنائي جون ناش، وزوجته إليسيا دالارد، لم يكونا مرتدين أحزمة الأمان، وأن السائق المصري طارق جرجس، الذي تعرض لإصابات جراء الحادث لم تودي بحياته، كان يحاول المرور من سيارة أخرى، من نوع «كرايسلر»، في الحارة الوسطى من الطريق، قبل أن يفقد السيطرة على السيارة، وتصطدم بحاجز سكك حديدية، قرب تقاطع في بلدة مونرو بولاية نيوجيرسي.