مرسى فى مأزق، مأزق صنعه هو، وحرص على صنعه، وعلى التورّط فيه، والغوص فى مستنقعه، وبذل كل الجهد، من أجل الغوص إلى أعماقه، فعندما فاز بفارق ضئيل للغاية، على منافسه، ووجد نفسه جالسا على كرسى سلطة، لم يحلم يوما بالانحناء أمامه، وتقبيل عتبته، شعر وشعرت جماعته، التى يأتمر بأمرها، ويدين لها بالسمع والطاعة، أنها نهاية المطاف، وأن ملك الدنيا قد دان لهم أخيرا، وعلى الرغم من أن مصر كلها قد ثارت للخلاص من نظام يتجاوز حدود سلطاته، تصوّرت جماعة مرسى أنه بجلوسه على مقعد الحكم قد صار قراقوش عصره، والحاكم بأمر الله الإخوانى، وطاحت الجماعة فى الوطن، ونفذ مرسى أوامرها بالسمع والطاعة، دون أن يدرى أنه بذلك قد وضع قدمه فى أول المستنقع. تحدى المحكمة الدستورية، وانحاز لجماعته، أو أنه أطاع أوامرها وأوامر المرشد، كما لو أنه عروسة ماريونيت مربوطة بخيوط، تحرّكها أصابع أخرى، باع شعبه فى سبيل جماعته، خان شعبه لينحنى صاغرا، أمام أمريكا باعتبارها راعية وجود الإخوان فى مصر، وأرسل خطاب حب وهيام إلى إسرائيل، قربانا للولايات المتحدةالأمريكية، حتى ترضى عنه وعن جماعته، فرّط فى سيادة وطنه، بأمر من جماعته، ومنح إسرائيل ما رفض أن يمنحها إياه النظام السابق، ضرب عرض الحائط بالقوانين وأحكام القضاء، حارب المحكمة الدستورية، وخاصم المستشارة تهانى الجبالى، فدفع جماعته ومؤيديه إلى سلق أسوأ دستور فى تاريخ كل أوطان العالم، لكى يتخلص منها، فصغر وتقزّم، وكبرت المستشارة نهانى وتعملقت. ثم لم يُرض جماعته كل هذا، لأنها لم تعتد المناقشة والمحاورة، فأرسلت إليه أمرا بإعلان دستورى مهين له، قبل أن يكون مهينا لكل شعب مصر، ولجماعته التى ضربت الرقم القياسى فى خسارة المؤيدين وإثارة نقمة الشعب، عندما جعلته يعلن نفسه نصف إله، محصّنا قراراته، ومعلنا تحيّزه الكامل والواضح والصريح لجماعته دون سواها، وغاص فى المستنقع أكثر أكثر، وعندما انقسمت الأمة، إثر إعلانه الطغيانى الاستبدادى الديكتاتورى، اختار أن يعلن وبقوة أنه ليس أبدا رئيسا لكل المصريين، بل هو واجهة رياسية لأهله وعشيرته، وعبدا مطيعا لجماعته ومرشده، الذى يحكم مصر فعليا، وأمام أهله وعشيرته، لعب مرسى دور الغضنفر، وكانت هذه بداية أكبر مأزق وقع فيه، فما دام هو الغضنفر، فكيف يتراجع عن غيِّه، الذى تصفق له رعيته؟! وهكذا صار على عبد المرشد أن يكمل لعب دور الغضنفر، وأن يتورّط أكثر وأكثر، ولأن أهله وعشيرته من أعداء الثقافة والفكر، فقد دفعتهم عقولهم العصبية المحدودة إلى خيانة الوطن، الذى يعيشون فى ظله، وتحت علمه، من أجل أن يبقى مرسى على خازوق السلطة، رأوا الوطن، الذى يفترض أنه وطنهم يغرق تحت سوء حكمه، وفشل إدارته، فباعوا الوطن ليبقى هو.. وللمأزق بقية