وزير الداخلية التركى يعلن بدء التحقيقات حول «المحرضين على وسائل التواصل الاجتماعى» تحوَّل الوضع الميدانى فى تركيا إلى مشهد مثير للقلق بعد أن نفَّذ رئيس رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان جميع تهديداته للمتظاهرين والمعارضة. فقد قامت قوات الأمن التركية بمحاولتين لفض ميدان «تاكسيم» وحديقة «جيزى» بالقوة، مما أسفر عن وقوع صدامات واسعة النطاق، أدت بدورها إلى سقوط مصابين. وتحول ميدان «تاكسيم» إلى ساحة لقوات الأمن والمدرعات والرافعات والحفارات لإعطاء انطباع للخارج بأن هناك «عجلة إنتاج» دائرة على مدار الساعة، بينما الاشتباكات الحقيقية تدور فى محيط الميدان والحديقة والشوارع المؤدية إليهما. إذ يحاول المتظاهرون العودة إلى المكانين اللذين انطلقت منهما الانتفاضة ضد حزب العدالة والتنمية وسياسات حكومة أردوغان. فى نفس السياق، التقى أردوغان أنصار حزب العدالة والتنمية الإسلامى الحاكم فى ضواحى إسطنبول، بعد أن كان قد التقاهم قبل يوم واحد من ذلك فى ضواحى أنقرة، وكرر تهديداته للمعارضة والمتظاهرين ووجه إليهم اتهامات بالعمالة والتخريب. ولكن بعد لقائه أنصاره فى ضواحى إسطنبول، اندلعت الاشتباكات بين أنصار الحزب الإسلامى الحاكم والمتظاهرين فى أكثر من منطقة وامتنعت قوات الأمن عن التدخل أو فض الاشتباكات. ورأى المراقبون أن قيام أردوغان بلقاء أنصاره من حزب العدالة والتنمية الإسلامى الحاكم فى ضواحى المدن الكبرى، يعكس مدى الخوف والارتباك لديه وعدم إمكانيته من مواجهة ما يجرى وجهًا لوجه دون مساعدة قوات الأمن التى حوَّلت الشوارع والميادين إلى ساحات لاستعراض العضلات والقوة وقمع المحتجين. وحذر كثير من المتخصصين فى الشأن التركى من انتقال المواجهات بين المحتجين وبين قوات الأمن إلى مواجهات بين أبناء الشعب التركى، وإشاعة الانقسام على أسس طائفية وعرقية، وهو ما عبر عنه المتظاهرون أكثر من مرة فى أكثر من مناسبة. وفى الوقت الذى تصر فيه الحكومة التركية على أن جوهر الأزمة هو تغيير شكل ميدان «تاكسيم» وحديقة «جيزى»، وتتهم وسائل الإعلام العالمية بالتضليل وتزييف الحقائق، يصر المتظاهرون على أن الأسباب الحقيقية للاحتجاجات تتعلق بالحريات ومحاولات حزب العدالة والتنمية الإسلامى دفع البلاد فى مسارات تضر بالمصالح القومية التركية، وتعرِّض البلاد للمخاطر وربما لتهديدات أمنية وعسكرية. وفى هذا الصدد تحديدا ذكر وزير الداخلية التركى معمر جولر أن وزارته بدأت التحقيقات حول «المحرضين على وسائل التواصل الاجتماعى فى ما يخص قضية احتجاجات جيزى بارك»، مضيفا أن «هؤلاء الذين يتلاعبون بالرأى العام ويقودون التظاهرات على (تويتر) و(فيسبوك) سوف يتم الكشف عنهم». غير أن المتغيرات الجديدة فى الاحتجاجات التركية ضد سياسات أردوغان وحزب العدالة والتنمية الإسلامى، بدأت تغير من المشهد السياسى فى تركيا. إذ بدأت 5 منظمات مدنية إضرابها عن العمل أمس (الإثنين) فى محافظات متفرقة من تركيا تنديدا بأعمال العنف التى ارتكبتها قوات الأمن. وهذه المنظمات والنقابات هى اتحاد العمال الثوريين واتحاد القطاع العام واتحاد غرف المهندسين والمعماريين واتحاد الأطباء واتحاد أطباء الأسنان، حيث طالبت الاتحادات الطبية تحديدا بإطلاق سراح الأطباء والمتطوعين الذين اعتقلتهم قوات الأمن فى أثناء قيامهم بإسعاف المصابين فى المستشفيات الميدانية. الخبراء فى الشأن التركى يلمّحون إلى أن دخول النقابات والاتحادات المهنية على خط الاحتجاجات قد يسفر عن مطالب اجتماعية تحاول حكومة أردوغان التعتيم عليها. وهذا تحديدا ما دعا وزير الداخلية التركى معمر جولر إلي أن يصف إضراب الاتحادات الخمسة أمس (الإثنين) والتظاهر بأنهما «تحركات غير قانونية»، مشيرا إلى أنه لن يسمح بذلك أبدا. الجانب الثانى والأخطر، هو أن عديدا من القوى السياسية بدأت تطرح علاقة حِلف الناتو بحكومة أردوغان، مشيرة إلى أن الحلف العسكرى يستخدم القوى الدينية المتطرفة فى المنطقة، ما يمكنه أن ينعكس سلبا على الأمن القومى لتركيا داخليا وخارجيا. وأعرب عديد من القوى السياسية عن مخاوفه من تورط تركيا فى مغامرات الولاياتالمتحدة والناتو فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عموما، وفى الأزمة السورية على وجه الخصوص. وحمَّلوا حكومة أردوغان مسؤولية وقوع أى ضحايا أو خسائر على الأراضى التركية فى حال نفَّذت حكومته الأجندة الغربية فى سوريا.