قذائف هاون، عربات دفع رباعي، رجال بالملابس السوداء، إطلاق كثيف للأعيرة النارية على كمين "الصفا" جنوب مدينة العريش، 18 شهيدا من القوات الأمنية الشرطية، هذا مجمل ما تم الإعلان عنه في واحدة من أكبر العمليات الإرهابية ضد القوات في سيناء خلال عام 2016، من حيث سقوط شهداء، ولكن الأخطر في عمليات تنظيم بيت المقدس، هي تفوق التنظيم من حيث التكتيكات والتخطيط، سواء من حيث توقيت تنفيذ العملية الإرهابية أو من حيث الاأماكن المستهدفة والأسلحة المستخدمة في تلك العملية. فمن حيث التوقيت: نجد بدء العملية الإرهابية مع الدقائق الأولي من بدء حظر التجوال المفروض في بعض مناطق شمال سيناء أي في توقيت بدء تمركز القوات الأمنية، وهي فترة قريبة مما يطلق عليه فترات تغيير (الورديات)، وهي أضعف لحظات القوات من حيث الاستعداد النفسي والذهني، وهو ما يدل على فهم دقيق من القائمين علي قيادة العناصر الإرهابية لأمور (سيكولوجية)، وفنون الحرب للقوات النظامية، وهو مايشير إلى وجود عناصر تمتلك تدريبات عسكرية نظامية تقود تلك العناصر الإرهابية في سيناء، وهذا ما اتضح من خلال تحليل العمليات الإرهابية السابقة وما تم الإعلان عنه من قبل أجهزة الأمن المصرية. حيث أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن اسم واحد من المتهمين في محاولة استهداف وزير الداخلية السابق، كان ضابطا مفصولا برتبة رائد، وهذا أيضا ما ظهر في عملية الفرافرة الثانية والمتهم فيها الإرهابي (هشام عشماوي)، وهو أيضا ضابط مفصول من قوات الأمن، وأيضا ما تشير إليه بعض الأدلة التي أعلن عنها من وقوف بعض العناصر ذات الخبرات العسكرية المفصولة من قبل بعض الأجهزة الأمنية وراء عملية "كرم قواديس"، تلك العناصر التي تمتلك الخبرات وإذا تم إضافه عنصر الدعم الخارجي من قبل جماعات وتنظيمات خارجية (فاعلين بدون الدول - ودول)، وهذا ما تشير له دلالات العملية الإرهابية ضد (زروق بحري عسكري) أمام سواحل دمياط، حيث تعتبر العمليات الإرهابية في البحر التي تعتمد على تكتيكات المناورات البحرية، من أصعب العمليات وهي إمكانيات تفوق قدرات عناصر إرهابية عادية، تلك المؤشرات تؤكد اختلاف تنظيم "داعش" وفروعه بالدول العربية، عن التنظيمات الإرهابية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين (كنموذج القاعدة)، فانضمام عناصر من أفراد الجيش العراقي لتنظيم داعش في بدايات تكوينة بالعراق، أعطى نقلة نوعية للتنظيم فأصبح يمتلك معادلتي القتال، الأولي: فنون حرب العصابات والشوارع، وهي طبيعة التنظيمات الإرهابية التقليدية. والثانية: تكتيكات الحروب العسكرية للجيوش، وهو ما يفرض على الدولة المصرية إعادة حسابات وتكتيكات الحرب في مواجهة هذا التنظيم. وتأتي النقطة الثانية في تحليل العملية الإرهابية الأخيرة في سيناء وهو عنصر التسليح من قبل تنظيم (بيت المقدس)، والذي استخدم تسليح ثقيل في مواجهة قوات الأمن من مضادات طائرات وقذائف هاون ومدافع ١٤. ٥ مم إلخ، إلى تنامي قدرات التسليح لهذا التنظيم. ويبقي التساؤل الأخير من حيث آليات المواجهة، والتي تشمل التنظيمات الإرهابية في العمق المصري (الدلتا والوادي)، وفي سيناء ومحافظات الحدود والتي تطلب وضع استراتيجية حقيقية وجادة لمكافحة الإرهاب والتي تتطلب أولا: فهم وتحليل طبيعة وبنية كل تنظيم من التنظيمات الإرهابية فالحديث عن تكتيكات مواجهة تنظيم (بيت المقدس)، يساوي مواجهة تنظيم (أجناد مصر) يساوي مواجهة الكتل السائلة من العناصر الاإرهابية وجماعات العنف العشوائي هو خطأ في فهم بنية كل تنظيم وهو ما ينعكس على آليات المواجهة، ويضعف من تحقيق نتائج في مكافحة الإرهاب. ثانيا: أن الحديث عن مواجهة العناصر الإرهابية ذات الطبيعة الانتحارية (سيكولوجيا)، وهي طبيعة لا تهتم كثير بتشديد العقوبات في قانون الإجراءات الجنائية، ولكن العكس هو الصحيح فدعوة البعض بإعادة صياغة قانون الإجراءات أو إصدار قوانين أو إعلان حالة الطوارئ، هو ينعكس على المجتمع العادي ويؤثر على المجال العام، بل ويساعد على إحداث نتائج عكسية تساعد علي تهيئة المجال العام لتلك التنظيمات علي مزيد من الاستقطاب. ثالثا: لابد أن يتم إعادة فتح المجال للصحفيين لنقل الحقائق من على أرض الواقع، وهذا يتطلب إعادة الاعتبار لمسمي المراسل العسكري لوسائل الإعلام المختلفة، سواء كان المراسل ملحق بغرفة العمليات أو جزء من مسرح العمليات، وهذا يساعد أولا عن نقل صورة حقيقية بجانب سرعة نقل المعلومات، حيث تتفوق التنظيمات الإرهابية الآن بامتلاكها أدوات إعلامية أكثر تطورا مما تمتلكة الدولة، واخير وجود مراسل عسكري يساعد على القضاء على مصطلح (مصدر)، الرجل الغامض في أغلب الأخبار منذ ٢٥ يناير وحتى الآن. وفي النهاية، هل آن الآوان للسلطة الحاكمة، أن تعي أن مكافحة الإرهاب يتطلب منظومة جديدة تضمن أبعاد ثقافية وتعليمية ودينية، في المقام الأول، وأمنية من حيث رفع كفاءة القوات، بعد ترهل أصابها علي مدار سنوات طويلة، فالاعتماد على التدريب والتكنولوجيا أهم من إصدار قوانين يقوم بتفعلها غير المؤهلين بل ويتم إساءة استخدامها، بجانب تحقيق باقي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كمنظومة متكاملة لمكافحة الإرهاب تلك الأبعاد تحتاج عقول ونمط تفكير مختلف عما هو قائم، ويبقى التساؤل مطروح؟ والإجابة مفتوحة!