يبدو أن صناع السينما في هوليود ظنوا أن الإبهار المدهش في الإنتاج والتصوير يمكن أن يصنع فيلمًا جيدًا حتى لو لم تكن هناك أفكار معمقة أو حكاية إنسانية متقنة، وقد تجلى ذلك الظن البائس في فيلم (آلهة مصر) الذي يعرض حاليًا في بلادنا العربية تحت اسم تجاري آخر يلائم الثقافة الشائعة هو (ملوك مصر/ Kings Of Egypt) للمخرج أليكس بروياسAlex Proyas. يستلهم الفيلم فكرته من عالم الآلهة الذي كان يحكم مصر المحروسة وفقا للعقائد الدينية التي ازدهرت مع انبثاق حضارة الفراعنة قبل نحو 5000 عام، حيث نتابع الصراع المحتدم بين شقيقين هما إله الخير (أوزوريس) وإله الشر (ست) ابني كبير الآلهة (رع)، لينتهي الصراع سريعًا حين يقدم ست على اغتيال شقيقه في الاحتفال الذي سيتم فيه تنصيب ابن أوزوريس (حورس) ليتولى عرش مصر. على الفور ينهض حورس - يؤدي دوره الممثل نيكولاج كوستر فالدوNikolaj Coster- Waldau- ليحارب عمه الإله ست، ويقوم بدوره جيرارد بتلر Gerard Butler، لكنه يخفق في الانتصار عليه وسط مشاهد خيالية عنيفة تنتهي بهزيمته، بينما إله الشر يصر على نزع عينيّ حورس من محجريهما ويحتفظ بهما في جوف هرم ضخم ممتلئ بالآلهة المرعبة ذات الرؤوس الحيوانية المخيفة، وهكذا يصبح حورس أعمي منفيًا في قصره البعيد! طوال ساعتين هي مدة الفيلم نشاهد تجليات لهذا الصراع في الأرض والسماء تنتهي بانتصار الخير بعد أن تدخل المواطن المصري البسيط والظريف (بك) في خضم الصراع منحازا إلى حورس، حيث يتقمص شخصية هذا المواطن الممثل برنتون تويتس Brenton Thwaites، وكأن المخرج يريد إخبارنا أنه حتى آلهة الخير لا تستطيع محق الشر إلا بالاستعانة بالبشر أنفسهم! اللافت أن الفيلم يبدأ بمشهد عام للسوق، إذ نرى (بك) يسرق فستانا من أحد الحوانيت من أجل حبيبته (زايا) لترتديه في يوم تنصيب حورس، هذا اللص سيغامر بحياته أيضًا ويقتحم الهرم المرعب ليسرق إحدى عيني حورس ليهديها له مقابل أن يستثمر إمكاناته الإلهية ويعيد معشوقته إلى عالم الأحياء بعد أن قتلها سيدها المهندس المعماري التابع للإله ست. هذا اللص سيصبح المسؤول الأول عن حكم مصر عقب أن صار مستشار الملك/ الإله حورس في آخر مشاهد الفيلم وبعد أن قامت حبيبته من الأموات على يد كبير الآلهة (رع) بناء على طلب ابنه حورس. لص يحكم مصر... وكأن مصر خالية من الرجال الشرفاء! باختصار... الفيلم محروم من أي فكرة عميقة أو طرح فلسفي جاد حول الدين ونشأته، أو حتى حبكة إنسانية مؤثرة، أما ملامح الممثلين فلا تمت إلى عالم المصريين بشيء، فهم شقر ذوو عيون زرق وخضر، كما أن منطق الفيلم يتكئ بشكل مفرط على الحركة المكوكية التي ينتقل بها الأبطال من عالم البشر إلى عالم الإلهة ذوي الأجنحة الضخمة التي تجوب السماوات في لمح البصر، صحيح أن هذا الانتقال يتحقق بحرفية شديدة مبهرة، لكنها لا تسمن ولا تغني من فن! عندما ينتهي الفيلم وتخرج من دار العرض تتبخر أحداثه كلها وتنساه على الفور لأنه لا يترك داخلك الأثر النفس المطلوب من كل فن جميل، ومع ذلك تساءلت... لماذا لا يحاول صناع السينما لدينا اقتحام تاريخنا القديم لينتجوا أفلامًا تستوحي أجواء حضارتنا المصرية العريقة بدلا من تلك السخافات المملة التي تعرض بكثافة في الأعوام الأخيرة!