سواء في الثقافة الغربية أو الثقافة العربية تبدو قضية الموت جاذبة لكثير من المثقفين والمبدعين وأصحاب الأقلام وهو ماتجلى في عدة أعمال في الآونة الأخيرة بقدر ماترتبط القضية الملغزة بالزمن والمكان والذكريات. هاهو هاجس الموت يتجلى في كتاب»كيف تقرأ مقبرة« للكاتب بيتر ستانفورد وهو كتاب يبعث على التأمل بالفعل في قضية الموت الملغزة في الغرب كما في الشرق فهل تساعد القبور في فهم الانسان المعاصر للقضية ام تزيده حيرة. فكرة الكتاب وعنوانه بالكامل»كيف تقرأ مقبرة «رحلات بمعية الموتى ولدت في ذهن الكاتب والصحفي بيتر سانفورد عندما كان يلهو مع أطفاله ويلبي في خضم اللهو كل طلباتهم الطفولية مثل امتطائه والركوب على ظهره أو أن يقلد بعض الدواب ولعل ستانفورد الذي ولد عام 1961 استرجع طفولته وتكرار المشاهد الطفولية بين الأبناء والآباء وتعمق بعقله الفلسفي في فكرة الخلود من خلال الذرية وقضية الموت. ومع ذلك ولأنه صحفي في المقام الأول فقد حرص بيتر ستانفورد على إجراء مقابلات مع زوار المقابر في بريطانيا وخاصة من الشباب وقالت له شابة بلجيكية إنها تزور قبر المغني الراحل جيم موريسون لشعورها بحنين دائم لهذا المغني الذي قضي مبكرا عام 1971 ومازالت أغانيه تحظى بإعجاب شباب لم يعاصروه. لاينفي بيتر ستانفورد شعوره بالارتياح عند زيارة المقابر حيث تهون مصائب الدنيا وتتراجع مشاكلها كثيرا لأنه يزداد يقينا بأن الحياة لن تدوم ومصير الانسان اقترن مآله بهذا القبر مهما فعل فيما تتوالى دورات الميلاد والموت غير عابئة ولامكترثة بأي آلام لهؤلاء البشر. الكتاب عميق وطريف في آن واحد وتضمن معالجات تاريخية للمقابر وتطورها والتباين في انواعها وطرق بنائها بما يعبر عن تباين اجتماعي، اقتصادي في الحياة ناهيك عن المعتقدات فضلا عن هؤلاء الذين كتب عليهم في هذه الدنيا ألا يجدوا قبورا وأن يتركوا الأمر للظروف عندما يحل القضاء. لكن كل هذه التفاصيل لاتجيب على قضية الموت وإنما للمفارقة توميء لاختلافات البشر أثناء الحياة والفروق والتفاوتات بينهم على مستويات متعددة ومع ذلك هل هناك شاهد مادي للموت أكثر من المقابر كلنا سنموت كما يقول مؤلف الكتاب وكما يقول عادة اي شخص في شوارع لندن او القاهرة وفي كل مكان من هذا العالم الواسع ومع ذلك فهناك استثناءات او رؤى مغايرة للموت تبعث على التأمل. الفنان الأسمر ادريان نيكولاس ماثيوس الشهير باسم «تريكي» والذي ولد في انجلترا واستقر في باريس وهو وصاحب الألبوم الغنائي الجديد «اصنام باطلة» لايصدق ان الموت موجود فيما كان الفنان المصري محمد صبحي قد تسائل يوما ما عن ماهية الموت ومااذا كنا نحن الأحياء لانمتلك الحواس الكافية لرؤية من نعتقد انهم ماتوا وهم في الحقيقة يعيشون معنا بطريقة لاندركها. على نحو مشابع لما يقوله محمد صبحي-يتحدث «تريكي» عن قضية الموت فيقول: اشخاص هم اعز الناس على نفسي ماتوا.. لم احزن ليس لأنني بالشخص السيء او المتبلد المشاعر ولكن لأنني لااعتقد ان الموت موجود.. امي ماتت وانا صغير ومع ذلك اشعر انها تعيش معي ولم افارقها ومازلت احاول ان افعل الأشياء التي تحبها وترضيها.. باختصار انا ارى ان الموت وهم.