الرئيس السيسي يُهنئ البابا تواضروس بعيد القيامة المجيد    البابا تواضروس خلال قداس عيد القيامة: الوطن أغلى ما عند الإنسان (صور)    اتحاد القبائل العربية: نقف صفًا واحدًا خلف القيادة السياسية والقوات المسلحة «مدينة السيسي» هدية جديدة من الرئيس لأرض الفيروز    العمل: توفير 14 ألف وظيفة لذوي الهمم.. و3400 فرصة جديدة ب55 شركة    بعد حصد المركز الأول|رئيس جامعة بنها: تلقينا 3149 شكوى.. وفحص 99.43% منها    محافظ الشرقية يتفقد شوارع الزقازيق لمتابعة أعمال النظافة    المالية: تخصيص 47.2 مليار جنيه لمساندة تعميق الإنتاج المحلي وتحفيز الصادرات    فيديو.. شعبة بيض المائدة: نترقب مزيدا من انخفاض الأسعار في شهر أكتوبر    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الأحد في الأسواق (موقع رسمي)    الإسكان: 98 قرارًا لاعتماد التصميم العمراني والتخطيط ل 4232 فدانًا بالمدن الجديدة    «الري»: انطلاق المرحلة الثانية من برنامج تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية في الساحل الشمالي والدلتا    الإسكان تنظم ورش عمل حول تطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء    استقرار ملحوظ في سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه المصري اليوم    روسيا تنضم لمساعي التهدئة بين إسرائيل وحزب الله    ماكرون يطالب بفتح مجال التفاوض مع روسيا للوصول لحل آمن لجميع الأطراف    مسؤول أممي: تهديد قضاة «الجنائية الدولية» انتهاك صارخ لاستقلالية المحكمة    أوكرانيا تسقط 23 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    رئيس الوزراء الياباني: ليس هناك خطط لحل البرلمان    قصف مدفعي إسرائيلي على الحدود اللبنانية    يصل إلى 50 شهاباً في السماء.. «الجمعية الفلكية» تعلن موعد ذروة «إيتا الدلويات 2024» (تفاصيل)    استعدادات أمنية لتأمين مباراة الزمالك وسموحة الليلة    منتخب السباحة يتربع على عرش أفريقيا ب47 ميدالية    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    بسبب كولر .. محمد الضاوى كريستو يطلب الرحيل عن الأهلى فى الصيف    «شوبير» يكشف حقيقة رفض الشناوي المشاركة مع الأهلي    شوبير يكشف مفاجأة حول أول الراحلين عن الأهلي بنهاية الموسم    خوفا من الإغراءات الخارجية .. الأهلي يسعي لتمديد عقد مصطفى شوبير بعد نهائي دوري أبطال أفريقيا    مدير أمن كفر الشيخ: وضعنا خطة محكمة لتأمين احتفالات أعياد الربيع    ضبط دهون لحوم بلدية غير صالحة للاستهلاك الآدمي في البحيرة    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    حدائق القاهرة: زيادة منافذ بيع التذاكر لعدم تكدس المواطنيين أمام بوابات الحدائق وإلغاء إجازات العاملين    التصريح بدفن شخص لقي مصرعه متأثرا بإصابته في حادث بالشرقية    السيطرة على حريق التهم مخزن قطن داخل منزل في الشرقية    وفاة كهربائي صعقه التيار بسوهاج    ضبط سيارة محملة ب8 أطنان دقيق مدعم مهربة للبيع بالسوق السوداء بالغربية    نجل الطبلاوي: والدي كان يوصينا بحفظ القرآن واتباع سنة النبي محمد (فيديو)    يعود لعصر الفراعنة.. خبير آثار: «شم النسيم» أقدم عيد شعبي في مصر    تامر حسني يدعم شابا ويرتدي تي شيرت من صنعه خلال حفله بالعين السخنة    سرب الوطنية والكرامة    الكاتبة فاطمة المعدول تتعرض لأزمة صحية وتعلن خضوعها لعملية جراحية    حكيم ومحمد عدوية اليوم في حفل ليالي مصر أحتفالا بأعياد الربيع    رئيس «الرعاية الصحية» يبحث تعزيز التعاون مع ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة    صحة الإسماعيلية تنظم مسابقات وتقدم الهدايا للأطفال خلال الاحتفال بعيد القيامة (صور)    أخبار الأهلي: تحرك جديد من اتحاد الكرة في أزمة الشيبي والشحات    إنقاذ العالقين فوق أسطح المباني في البرازيل بسبب الفيضانات|فيديو    كريم فهمي: مكنتش متخيل أن أمي ممكن تتزوج مرة تانية    مخاوف في أمريكا.. ظهور أعراض وباء مميت على مزارع بولاية تكساس    مصر للبيع.. بلومبرج تحقق في تقريرها عن الاقتصاد المصري    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صور| «التحرير» ترصد معاناة مرضى مستشفى «الموت» الجامعي بطنطا.. طريقك الأقصر لعزرائيل
نشر في التحرير يوم 25 - 02 - 2016

طبيب لمريضة: «روحوا اتعالجوا في مستشفى خاصة لو مش عاجبكم»
إهمال وفساد وسوء معاملة المرضي.. هذا باختصار الشعار العريض الذي ترفعه المستشفى الجامعي بطنطا، الذى بمجرد أن تطأه قدماك حتى تشعر بانعدام الآدمية، فمع غياب شبه تام للخدمات الطبية فإن رائحة الموت تكاد تشنها الأنوف بمجرد عبور بوابة الجامعة.
مرضى وزائرون يفترشون الأرض داخل وخارج أرجاء المستشفى ويعانون من الإهمال الطبي وكأنهم يتسولون حقهم في العلاج، أكوام قمامة مُلقاة هنا وهناك، قطط شوارع تسكن الأسِرّة، وكلاب تطوف ساحات المستشفى في أريحية تامة، وباعة جائلون يمرون بين العنابر دون رادع أو تأمين، مشهد ألفته العيون لهذا المستشفى.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث إن الأطباء أنفسهم يشكون دائمًا من نقص الإمكانيات والأجهزة الطبية التى انتهى عمرها الافتراضى، وأقسام كاملة مغلقة للتحسينات، وبين هذا وذاك وهؤلاء يسكُن الموت بين جنبات وأرجاء عنابر الجامعة.
" التحرير " تجولت داخل أقسام المستشفى الجامعي بطنطا لنقل صورة حية من الواقع الطبي المؤلم في مصر وتدهور المنظومة الصحية، في ظل الصراع الجاري بين الأطباء والحكومة ومعركتهم مع أمناء الشرطة التي يدفع ثمنها المريض وحده .
سلخانة المرضى
"دى مش مستشفى دى سلخانة".. كلمات ممرورة بالوجع تُنذِر بأشخاص منزوعة الرحمة والضمير الطبي خرجت من فم أحد المرضي داخل المستشفي الجامعي بطنطا تًلخص لنا حقيقة الوضع الطبي هناك، حيث القمامة منتشرة في كل مكان والباعة الجائلون يحتلون الغرف، والإهمال الطبي للمرضى في معظم العنابر، وحالة ذويهم التى لا تقل سوءًا عنهم وهم يفترشون الأرض أمام أبواب المستشفى كالمتسولين لعدم توافر أماكن كافية لهم بالعنابر، فضلاً عن النقص الشديد في الدواء الذي يتحمل المريض ثلاثة أرباع ثمنه من جيبه الخاص إن لم يكن كله.
وبين صمت المسئولين وتجاهل المرضي وتفويض أمرهم إلى الله، انتقلنا إلى هناك والتزمنا الصمت التام وتركنا الحديث للمريض الذي يقع ضحية ثالوث الإهمال والفساد والاستغلال في مستشفيات الدولة.
في انتظار قرار.. معاناة المرضى في العلاج على نفقة الدولة
"القرار مدوخنا، العيشة هنا ذُل ومرار، والمسئولون بيعاملونا زي الحشرات يدوسونا بأقدامهم".. هكذا بدأ وجيه محمد الكاشف، مريض بورم في المخ كلماته ل"التحرير" في إشارة واضحة لقرار العلاج علي نفقة الدولة الذي يسعي لتجديده منذ شهر ونصف تقريباً دونما جدوي، رغم تصريحات رسمية بأن كل من كان له قرار سابق علي نفقة الدولة يتم تجديده تلقائيًّا، لكن ما يحدث على أرض الواقع خلاف ذلك تمامًا، حيث يجري المريض وراء القرار بالأيام والأسابيع و"يدوخ السبع دوخات"، بحسب تعبير الكاشف الذي قام بعمل توكيل عام لأحد جيرانه ليستخرج له القرار من القاهرة نتيجة معاناته الأكبر مع المرض.
وخلال حديثنا معه دخلت علينا وفاء موسى إحدى أهالي المرضى، وقالت في غضب وغيظ شديد "بصراحة الصيدلية هي اللي بتوقف لنا المراكب السايرة كلها"، فرغم أنها استخرجت الموافقة لصرف العلاج لأبيها صاحب الستين عامًا، فإنها لم تتمكن من صرفه قبل مرورأسبوع علي الاقل من تاريخ الموافقة، فضلاً عن الأدوية التي يشترونها من خارج الجامعة، فنصف العلاج غير موجود بالمستشفى، وحينما اشتكى الأهالي للأطباء كانوا يسخرون منهم، ويقولون لهم: "روحوا اعملوا مظاهرات وانصبوا خيم داخل المستشفى وخدوا حقكم" .
وذكر الكاشف أن وزارة الصحة رفضت استخراج قرار علاج له علي نفقة الدولة، لأنه ليس مريض كيماوي أو إشعاعي، ومن ثم فليس أمامه سوى أن يرفع يديه إلي السماء ويدعو على كل صاحب قرار في هذا البلد وعوده كاذبة يعيش على آلام المرضي، متسائلاً: هل المستشفى هو الذى تحدد حالة المريض للمجالس الطبية المتخصصة أم العكس؟.
وتابع: ما يحدث أن أعضاء تلك المجالس الجالسين على كراسيهم هم من يشخصون أحوال المرضى في مصر ويحددون من يحتاج إلى علاج على نفقة الدولة من عدمه حسبما يروي، رغم أنه إن كان ينفق جنيهًا واحدًا على نفقة الدولة فإنه ينفق عشرين جنيهًا من جيبه على العلاج والدواء، فأين نفقة الدولة إذن على ذلك المريض الفقير!.
قسم الأورام...أقصر الطرق لعزرائيل
في جولة سريعة داخل عنابر وأقسام المستشفى الجامعي بطنطا الوضع الطبي لا يُبشر بخير للمرضى، والبداية كانت داخل قسم العلاج بالكيماوي لمرضى سرطان الدم والذي لا يقل سوءًا عن باقي أقسام الجامعة، فلا رعاية صحية متوفرة ولا دورات مياه آدمية، فضلاً عن عدم كفاية قرارات العلاج علي نفقة الدولة لجلسات المريض السنوية الذي يضطر بعدها لاستكمال العلاج على حسابه الخاص بواقع (800 جنيه يدفعها المريض فرقاً في العلاج)، إضافة إلى العذاب الذي يعانيه أثناء تجديده للقرار، ولولا الوساطة والرشاوى التي تُدفع للموظفين لما تم استخراجه إلا بخروج روحه.
بوجه شاحب وعيون ذابلة يسكنها الحزن والوجع، تروي زكية أحمد فؤاد المريضة بالقلب والتي قامت بعمل رسم على القلب بالمستشفى، إلا أن الأطباء لم يأخذوا به وطلبوا منها رسم قلب من الخارج نظرًا لأن من قامت به طبيبة امتياز، لكنهم يريدون اعتماده من طبيب قلب كبير على حد وصفها.
وتضيف زكية أنها شاهدت مريضة ذات يوم بين الحياة والموت نتيجة غيبوبة سكر، فصعد ابنها إلى الطبيب المشرف على الحالة، فوجده نائماً فنادى عليه وكأن القيامة قد قامت هنا، قال الطبيب "النبطشي" باستعلاء: "روحوا شوفوا لكم مستشفى خاصة، اتعالجوا فيها لو مش عاجبكم"، فاصطحب والدته إلى خارج المستشفى بعد أن طفح الكيل به، وهو يصرخ في وجوههم : "لما أمي تموت في بيتها وعلى فرشتها أشرف وأكرم ليها من المرمطة والرمية في سلخانة الحكومة اللي اسمها مستشفى الجامعة".
مرضى السكر يصرخون .."الحقونا احنا بنموت"
على بعد خطوات من قسم الأورام يوجد عنبر خاص لعلاج مرضى السكر الذين يعانون من وخزات الإهمال الطبي، فضلًا عن وخزات الإبر ورحلة العلاج الطويلة.
وهناك التقينا محمود عبدالحميد عبد الغني الذي كان مرافقاً لوالده المريض بالسكر وكما يقولون فإن "الجواب بيبان من عنوانه"، ذكر أنه منذ أن دخل المستشفى شعر وكأنه داخل سلخانة وليس مستشفى جامعيًّا يُعالج المرضي، بداية من المعاملة السيئة الغليظة من قبل الممرضات، ملائكة الرحمة والأطباء، باستثناء قلة تراعي ضميرها وتتقي الله في المرضى.
ويروى أنه كان يجلس بجانبه في العنبر مريض ستيني يُدعى عم أنور مُصاب بالقرحة وحالته الصحية تتدهور يومًا بعد يوم دون أدني تدخل طبي لأنه لم يكن يملك ثمن العلاج، فدخل في غيبوبة تامة لمدة خمسة أيام حتى شعروا بأنه سيموت، فأخرجوه من المستشفى رغم سوء حالته الصحية، فتوفى بعدها بأربعة أيام.
واتهم المسئولين بالمستشفى الجامعى بفرض إتاوات على المواطنين أثناء زياراتهم لذويهم المرضى بطريقتين، الأولى لذوي المرضى بسداد تذكرة قيمتها جنيهان للزائر وثمانية جنيهات لمرافقي المريض، والثانية داخل العنبر ويدفع المريض ثمنها من صحته، نتيجة سوء المعاملة اليومية من قبل الممرضات والأطباء على حد سواء .
وتساءل محمود في أسى: هل نُزعت الرحمة من قلوب الأطباء، حينما أجروا عملية تنظيف جرح لوالدي المريض بالسكر دون إعطائه البينج المخدر له، وأنا أسمع صراخ والدي واستغاثته من خارج غرفة العمليات، فضلاً عن قيامه بحل المحاليل للمرضى بالعنبر في غياب الممرضات، بعد مشاهدته لأكثر من مرة دم المرضى يصعد في أنبوب المحلول دون أن يحرك ساكنًا!.
قسم الجراحة....ينتظر مشرط نجاة
داخل قسم العناية المركزة حينما تُنزع الرحمة من قلوب الأطباء، فتصير الأموال "الفيزيتا" هي كلمة السر التي تفتح الأبواب الموصدة، ودون ذلك فليذهب المرضي إلى أبواب السماء، باعتبارها الباب الوحيد المفتوح أمامهم .
بعد ثلاث ساعات من الانتظار خارج غرفة العناية المركزة خرج عم مصطفى أبو عبده من غرفة العمليات إثر عملية جراحية في القلب، وتحكي زوجته أنه بعد أن قضي حياته كلها في الدراسة، انتهى به المطاف كسائق أجرة بعد أن ألقى بورقة تخرجه وراء ظهره، متسائلة في حيرة: هل يرضي ربنا رميتهم دي على السرير التي لم يتم تغيير مراتبها منذ دخوله للعنبر؟.
مُغلق للتحسينات
"مغلق للتحسينات".. يافطة عريضة وضعت على باب قسمي التفتيت والمسالك البولية، وهما خارج نطاق الخدمة منذ ما يقرب من شهر ولا عزاء للمرضى، إضافة لقسم الصدر الذي يتم ترميمه منذ ثلاثة أسابيع.
وبداخل قسم العظام ليس المرضى وحدهم من يحتاجون إلي جبيرة لعظامهم المكسورة بقدر حاجة القسم ذاته إلى ذلك، بعد حالة الإهمال الجسيمة التي يعاني منها المرضى منذ وجودهم بالمستشفى.
التقينا عاطف الغمري، ذلك الشاب الثلاثيني الذي أصيب في حادث مروري أودي بساقه اليمني وأنفق والده كل ما يملك علي علاجه دونما جدوى، ورغم ذلك لا يزال الأمل قائماً لديه في أن يسافر للخارج، من أجل أن يسيرعلى قدميه من جديد بعد ما يزيد على عامين قضاهمُا على سرير المرض تحمل خلالهم كافة النفقات، حيث تعدى ثمن الجبس وحده الخمسمائة جنيه، فضلاً عن ألفي جنيه ثمن المسامير.
وخارج مستشفى الطوارئ كان يجلس رجل جاوز الأربعين وخط الشيب في رأسه، يبيع الجبس والمسامير لأهالي المرضى تحت عين ونظر الأمن، يُدعي "شاكر"، توجهنا إليه قاصدين شراء جبيرة لكنه رفض ذلك رفضاً قاطعاً دون روشتة الطبيب المعالج، وحينما أحضرنا له ورقة مدونًا فيها الكمية المطلوبة أصر على رفضه، مؤكدًا ضرورة ذكر اسم الطبيب المتابع للحالة؟.
قسم المخ والأعصاب.. في غيبوبة
كافة أقسام المستشفى الجامعي يجمعها الإهمال ويفصل بينها جدار واحد، وفي قسم المخ والأعصاب التقينا أحمد قطامي طباخ شاب في أواثل الثلاثينات، قضى نحو 72 يومًا بالمستشفى، بعد أن يئس الأطباء من تشخيص حالته المرضية التي حاولنا التعرف عليها قدر الإمكان، فذكر أن الميكروب يأكل في جسده يومًا بعد يوم ويظهر ذلك في صورة فقاقيع بارزة على جلده ولا فائدة من العلاج في مصر، لدرجة أن أكثر من طبيب في الجامعة وخارجها عجزوا عن تشخيص حالته، مؤكدًا أنهم إذا ما بتروا له ذراعه سيرتاح من الألم الذي يعانيه كل لحظة، لكن الطبيب المتابع لحالته رفض ذلك وأصر علي استكمال علاجه الذي طال حسبما يروي.
وبقلب مُتلهف للشفاء كله أمل ورجاء في رحمة الله وعدل المسئولين، يرجو "قطامي" أن يسافر إلي الخارج للعلاج على نفقة الدولة، موجهاً نداءه للرئيس عبدالفتاح السيسي، قائلا: "نظرة رحيمة لينا ياريس في هذه العنابر التي نُعامل فيها كالمتسولين، فلتأتي إلينا لتري بعينيك رميتنا هنا وسط الميكروبات والحشرات والصراصير، في الوقت الذي يُعالج فيه آخرون في أفخم المستشفيات الطبية والمراكز العالمية".
حضانات الموت.. شبح مخيف يطارد الأطفال في ظل انقطاع الكهرباء
ليس الكبار وحدهم من يدفعون ثمن الإهمال الطبي داخل الجامعة في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء، ولكن أطفال الحضانات أيضًا يعانون من شبح الموت، ويدفعون ثمن أخطاء المسئولين وتراخيهم الشديد، حيث تنقطع الكهرباء عن معظم الحضانات لأكثر من 4 ساعات، مما يهدد حياة العشرات من الاطفال.
المئات من أولياء الأمور ومواطنى محافظة الغربية دوت صرخاتهم من انقطاع الكهرباء عن حضانات الأطفال، وعدم قدرة المسئولين على إيجاد حلول عاجلة لإنقاذ حياة أطفالهم، وهو ما دفعهم للتصعيد من لهجتهم مطالبين بإقالة الحكومة الحالية ووزيرها الذي أطلقوا عليه، "وزير قطع الكهرباء".
إحدى الأمهات المتواجدات خارج الحضانة برفقة ابنتها وتُدعى "هالة عبد الله"، تحكي في حسرة وألم: "أطفالنا معرضون للموت كل ساعة وكل يوم، الكهربا بتقطع أكتر ما بتيجى والحضانات يتم تعطيلها، ومولدات الكهرباء لا تستطيع تشغيل المبردات الخاصة بالحضانات وكذلك الثلاجات، مما يؤدى إلى خطورة شديدة على حياة أطفالنا بالمستشفى.
الأطباء: الإهمال هو الفيروس المميت في الجامعة
تلك كانت حلقة واحدة من مسلسل الإهمال الطبي الذي يدفع ثمنه المريض، وهناك حلقات أخرى أكثر قتامة يدفع ثمنها الطبيب كذلك، كما أكد أحد الأطباء ويدعي (و.م) أن المريض الذي يعالج على نفقة الدولة ليست عنده مشاكل في صرف الأدوية والعلاج في الوقت الذي يعانى فيه مريض التأمين الصحي الأمرين في علاجه، نظراً لأن عددًا كبيرًا من أدوية التأمين الصحي مضروبة (هندي وأرجنتيني) على حد قوله .
وأضاف أنه رغم اعتماد تلك الأدوية من قبل وزارة الصحة لدخول مصر، إلا أن المستشفى الجامعي رفض اعتمادها في الجامعة لأنها غير فعالة، لاسيما بعد أن كثُرت الشكاوى في الآونة الأخيرة من تلك الأدوية التي كانت الوزارة تجبر الجامعة قبل ثورة 25 يناير على صرفها بالاسم التجاري وليس العلمي رغم أن القانون يُجرم ذلك، مؤكدًا أن الإهمال هو المرض القاتل داخل المستشفى الجامعي، بدليل أن الأجهزة الطبية المتاحة خارج نطاق الخدمة، ولاسيما جهازي الأورفيت والسيمولاتور (الجهاز المماثل أو المحاكي لجهاز العلاج بالإشعاع).
وتابع: تستخدم هذه الأجهزة قبل بدء العلاج للتخطيط وتحديد مواقع العلاج بالأشعة المقطعية، وتصوير الأجزاء المعالجة بالأشعة المقطعية كمرجع علاجي لإرسالها لجهاز التخطيط بالكمبيوتر عن طريق الشبكة الإلكترونية ، وتحتاج إلى غرفة مساحتها لا تقل عن 32 مترًا مربعًا، ويتراوح سعرالجهاز الواحد من (4– 6) مليون جنيه يتم تمويلها من أموال المعونة الأمريكية على حد قوله.
جهازا التخطيط والأشعة المقطعية خارج نطاق الخدمة
وحين توجهنا إلى حجرة جهاز التخطيط الذي يتعدي ثمنه الثمانية ملايين جنيه، فوجئنا بأن العاملين هناك خريجو معهد فني صحي، فضلاً عن أن جهاز يتردد عليه مائة حالة يوميًّا معطل منذ ثلاثة أيام، بالإضافة لجهاز التخطيط الموجود داخل قسم الأورام والذي تتخطى تكلفته المالية الثلاثة ملايين جنيه، لنجده معطلًا هو الآخر منذ أكثر من خمس سنوات.
إدارة المستشفى لم تكلف نفسها بإصلاح الجهاز الذي لا يحتاج سوي مصدر مشع، وتركت المريض للعلاج اليدوي بالأسلاك في الوقت الذي كان يعالج فيه الوزراء والأثرياء على نفقة الدولة بالخارج في أفخم المستشفيات العالمية.
أما الجهاز الثالث (الأورفيت) أو جهاز العلاج الإشعاعي الذي يتعدى ثمنه تسعة ملايين جنيه من تبرعات الأهالي للجامعة، فإن حالته لا تقل سوءًا عن سابقه، حيث إنه منذ أن جاء إلي القسم عام 2002 فلم يستعمل سوى ثلاثة أشهر فحسب، فضلاً عن وضعه في غرفة في منتهي القذارة والسوء والإهمال والتراب يعلوه، كما أن باب الغرفة مفتوح لكل عابر سبيل لدرجة أنه إذا فكر أحدهم في حمله وتهريبه إلى خارج المستشفى لما اعترض عليه أحد لأنه بجوار باب الدخول مباشرة، وقضينا نحو نصف ساعة داخل الغرفة دون أن يعترضنا طبيب أو ممرضة أو حتى فرد أمن عابر.
يُذكر أن المريض الذي يحتاج لجلسه إشعاع على هذا الجهاز، لابد أن يحجز قبلها بشهرين ليعالج على هذا الجهاز؟
مستشفى الطوارئ سقطت عمدًا من ذاكرة المسئولين
الوضع داخل مستشفى طوارئ الجامعة أشبه بالمغامرات إلى أودية الموت، والمرضى"حالهم يصعب ع الكافر"، التقينا عم عبدالحميد السيد مريض بالطحال والسكر والكبد- من قرية ريفية تدعى "كفر المحروق" تابعة لمركز كفر الزيات، ساقه حظه العثِر أن يُعالج بالمستشفى الجامعي منذ ما يقرب من شهر، ويصفها عم عبد الحميد هذه الفترة بأنها أسوأ فترات حياته، حيث إن الإهمال العام والتجاهل الطبي هو السمة الغالبة للمرضي داخل عنابر الطوارئ.
ويضيف عم عبدالحميد والدموع تسبق كلامه: "مش لاقيين حقوقنا خالص، مفيش أدني اهتمام أو عناية بنا في الجامعة أو خارجها، باختصار احنا عايشين على الصدقات وتبرعات الأهالي، الناس بتشوف حالنا بنصعب عليها، كل علاجنا بنشتريه من بره، الحقنة الواحدة ب120 جنيهًا، الزبالة في كل مكان والنظافة لا وجود لها داخل أرجاء الجامعة، ونحن المرضى ما جئنا إلى الجامعة إلا لأننا لم نملك قوت يومنا فضلاً عن ثمن العلاج، غير منتظرين إحسان أو شفقة وصدقات من أحد، فأين حقوقنا على الدولة إذن؟.
ولم يتمالك عم عبد الحميد نفسه من البكاء علي حاله خلال حديثنا معه، وهو يتذكر سنوات عمره الماضية، لينتهي به المطاف على سرير المرض، منتظراً الموت كل ساعة بعد أن أخرج ابنته من المدرسة لأنه لم يجد ما ينفقه عليها، قائلاً والدموع تهرب من عينيه: "حتة عيلة يا عالم مش لاقي أصرف عليها، وبعدين أنا مش طالب لا فيلا ولا شاليه في الساحل الشمالي إنما عايز أعيش زي بقية الناس، في البداية كنت في مستشفي الصدر ثم مستشفي المحلة العام وأخيراً جئت إلي هنا بالمستشفي الجامعي، بعد أن أنفقت كل ما أملكه علي العلاج حتي إن كل الناس تأتي لتعطف علي وأنانفسي بتصعب علي، لأني لا أطلب صدقة أو شفقة أو إحسان من أحد، طلبي الوحيد أن أُعالج بكرامة دون أن أتذلل لأي مخلوق".
لحظات ولم يتمالك نفسه وأجهش بالبكاء من شدة بؤسه وفقر حاله، وهو يردد: مش عايز أي حاجة من الدنيا، كل اللي أتمناه قبل موتي أن يكون حظ أولادي في الدنيا أحسن من حظي.
في المقابل تم نقل عدد من المرضى إلى خارج الغرف والعنابر الخاصة بهم في طريق المارة، حتى يفرغ طلبة كلية الطب المتدربين من أداء اختباراتهم، وهو ما وصفه أحد المرضي، قائلًا: "هو دا تمامنا عند الحكومة سرير في الشارع".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.