عاتبنى صديق عزيز من الفلول عن انتقادى للإعلام واتهامى أغلب القائمين عليه بأن الثورة لم تغيرهم، بل أعادت تلوينهم حتى يتأقلموا مثل الحرباء على المناخ الجديد، وأنهم يقومون الآن برعاية وصناعة وتعبئة وتغليف فاسدين جدد واستبعاد بعض القدامى من لائحة الاتهامات الموجهة إليهم عن ممارسات وأفعال خاطئة فى العصر البائد، وحددت اسمين بعينهما هما حسن حمدى وهانى أبو ريدة، ومنطق صديقى «الفِلّ» فى دفاعه أن تجاهل الإعلام لبعض الأشخاص الذين لم تثبت إدانتهم أهون وأخف وأرحم من اتهام الناس بالباطل أو إلقاء التهم عليهم، لمجرد ظن أو شك أو وشاية، كما كان يحدث من قبل، وكلام صديقى «الفِلّ» حق يراد به باطل، فأنا لم أطلب التشهير أو التحريض أو اتهام أحد من دون دليل، ناهيك بقناعتى أن الصحافة ليست جهة توجيه اتهام، بل البحث عن الحقيقة والأمانة فى عرضها، وما حدث مع الشخصين المذكورين لم تكن فيه أمانة، بل تواطؤ وتعتيم، فعندما يذهب رئيس النادى الأهلى عشرات المرات إلى جهاز الكسب غير المشروع ولا تنشر الصحافة أو تذيع فضائيات الليل وآخره أى أنباء عن الزيارات المتكررة، فهذا هو التعتيم بعينه.. وهو الكلام نفسه على هانى أبو ريدة، فالصحافة العالمية تتحدث عن فضيحة رشاوى القطرى محمد بن همام فى انتخابات الفيفا وملف قطر لاستضافة مونديال 2022 وتورط هانى أبو ريدة وآخرون فى هذه الفضيحة العالمية، بينما أغلب صحف الفلول والعجول تمتنع عن التغطية، بل تزيد فى طغيانها وفسادها الإعلامى وتنشر الأخبار التلميعية، وهو ما يؤكد أن الثورة لم تصل إلى الإعلام، وأن الفلول يعملون بكامل طاقتهم. أما فى ما يخص القول إنه يجب على صحافة الثورة أن لا تنزلق لأخطاء صحافة مبارك وتدقق قبل أن تتهم الناس فهذا كلام خطير وفيه تبرئة لهذه الصحافة من الجرائم الإنسانية التى ارتكبتها فى سمعة وشرف وعرض كثير من الناس، فهذه الصحافة لم تكن تلقى تهما عارضة، بل كانت تذبح الناس. وفارق كبير بين أن أطلب من الصحافة الأمانة فى متابعة التحقيقات، ومن كانوا يقتلون الناس بأكاذيبهم الحقيرة وأقلامهم القذرة ومصالحهم الشيطانية، وسأضرب لكم مثالين على ما كانت تفعله صحافة الرئيس المخلوع، الأول لواحد كان بينهم ولكن لم يكن من طينتهم الإبليسية وهو الدكتور حسام بدراوى الذى فكر يوما أن يمارس حقه ويترشح لرئاسة النادى الأهلى أمام حسن حمدى، وحالت طيبته السياسية أن يرى الشبكة العنكبوتية التى تربط منافسه بالحرس القديم من نظام الرئيس المخلوع، ولم يشفع لبدراوى العمل السياسى معهم، حيث خرجت صحافة النظام تأكل فى شرف وعرض الرجل ولم تستح جريدة «الأهرام» من تاريخها العريق ونشرت مقالات خلعت عن الرجل فيها شهاداته وألقابه العلمية، وادعت أنها مزورة وأنه لم يمارس الطب، وأن أرض المستشفى الخاص الذى يمتلكه أسرته مسروقة، واتهامات أخرى يشيب لسماعها الولدان، هكذا كانوا يقتلون الناس أحياء، أما أنا فلا أطلب معاملة حسن حمدى بالمثل، فهذه ليست أخلاقى أو شرف من يعشقون هذه المهنة ويقدسون قواعدها وأحكامها وأخلاقياتها، بل أطلب أن تتخلى الصحافة عن أصنامها التى عاشت لسنوات تعبدها.. وما زالت تستبسل فى الدفاع عنها. أما المثال الثانى عن صحافة الفُجر فهذا أنيل وأدل سبيلا.. فخلال أيام الثورة وفى لياليها المباركة كان يجمعنى (مقهى الفراعنة) فى مدينة نصر مع أصدقائى القدامى عمرو خفاجى وياسر فتحى ومعنا مجموعة أخرى من أخلص المحبين لهذا الوطن، محمد عبده وعمرو عامر ومحمد درويش ومحمد يسرى وأخيرا الدكتور الكبير محمد الوحش، وللأمانة فقبل الثورة لم أكن أعرف عنه أنه كبير وعظيم فى مهنته، بل كل ما قرأته عنه فى «روزاليوسف» فى مقالات مطولة وعلى حلقات مسلسلة أنه لم يحصل على بكالوريوس طب وأنه عاش أكثر من 18 عاما فى إنجلترا، يعمل فى السمسرة أو ما شابه، المهم أن المقالات كانت تؤكد بالمستندات «المضروبة» أنه فنى سباكة وليس طبيبا جراحا، وأنا كقارئ أو حتى كصحفى لم يكن يخطر ببالى أن هناك من لديه الفُجر أن يكتب أكاذيب بهذا الشكل، ولكن الحقيقة المفزعة التى اكتشفتها أنهم كانوا فجرة وأن محمد الوحش ليس أستاذا جراحا عاديا بل عبقرى فى جراحة زراعة الكبد، وله سمعة وصيت عالميين فى تخصصه وأن المعركة ضده وراءها وزير صحة سابق رفض الجريمة التى يرتكبها الوحش بخدمة أهله وناسه وبلده وتخفيض تكاليف هذه العملية الدقيقة وفضح متاجرة المستشفى الذى يمتلكه الوزير بآلام الشعب وكبده فى الصين. المصيبة أن الوحش -اسما وعلما- لم تعيد له الثورة حقه وترد له كرامته، وما زالت الجهات النيابية تماطل فى إحالة القضية المرفوعة ضد الجريدة ورئيس تحريرها إلى محكمة الجنايات حتى تعيد له حقه وتقتص من قتلة الشرف.. ألم أقل لكم إن مبارك رحل ولكن نظامه وصحافته لم ترحل؟ وهو ما ينبئ أن ليالى الثورة فى الفراعنة ستعود أقرب مما يظن الفلول.