على الرغم من التطور والتقدم التكنولوجي الذي تشهده جوانب الحياة والمؤسسات بما ذلك الصحية والعلاجية منها إلا أن الخرافات والبدع ما زالت تحظى بدور البطولة في المجتمع الصعيدي، وما زال تفكير الأهالي منحصر في أن زيادة الأضرحة يشفي من الأمراض ويحقق الأماني ويجلب الرزق. في قنا تمارس النساء عادة "شق السوق"، أي زيارة السوق والتجول به من أوله إلى أخره، ويتم هذا في موعد محدد هو آخر خميس في الشهر الهجري، والقيام بعدد من الخطوات تسمى "يوم العوض"، أي طلب الإنجاب أو الشفاء من الأمراض الغربية أو الجلدية التي تحدث في اعتقادهم نتيجة "المشاهرة"، أي الحسد والغيرة الشديدة من أنثى أخرى.
رؤية الذبائح تتجول كاميرا «التحرير» لرصد هذه العادة، التي تبدأها السيدة التي ترغب في "العوض" بالذهاب إلى أكبر السلخانات بمدينة قنا في قرية البياضية، فجر يوم الخميس، لمشاهدة عملية الذبح وتسمي "الكبس على اللحوم"، ثم تقوم بغسل ساقيها بالدم الغزير في أرض السلخانة ووضع القليل منه على وجهها.
شق السوق بعدها تتجه السيدة إلى أكبر أسواق شارع "الصهريج"، وتسير وتنظر إلى الخضروات المعروضة واللحوم المعلقة في محال الجزارين ومحال الصاغة الذهبية وفى المقابل ينظر لها المارة والبائعين بنقد واستغراب وبذلك يتحقق هدف السيدة بأن نظراتهم ترفع عنها شر العين أو "المشاهرة" التي تمنعها عن الإنجاب أو تصيبها بمرض هي أو طفلها. وبسؤال السيدة "رضا م"، ربة منزل، قالت إن كل هذه خرافات وهناك شيوخ من المسجد يقومون بتوعية الناس بذلك في دروس دينية يومي الأربعاء والخميس، وترى أن القرآن الكريم والطب الحديث هو الحل.
التجول في المقابر أخيرًا تأتي مرحلة زيارة المقابر والتجول بها لبعض دقائق حتى تصل السيدة إلى مقر ضريح الشيخ سليمان ابن أحمد، ويتخذه الناس مقامًا لأغراض علاجية أو روحية وطقوسية، وهو مكان مبني بالطوب اللبن مدفون فيه أحد الصالحين، وهناك تستقبلهم سيدة تسمى النقيبة وهي المسئولة عن المكان وبصحبتها 3 من بناتها وزوجة أبنها يساعدهن في استقبال الزوار وإجراء خطوات طق المشاهر لهم. توضح فاطمة إبراهيم، نقيبة الضريح: "اقرئي الفاتحة علي حاجه في قلبك وأول ما تخرجي من هنا هتحصل على طول الموضوع ده مجرب ولما ربنا يكرم تجيبلي حاجة حلوة هنا". وبنوع من اللهفة أقبلت سيدة تدعى فايزة عبد الرحيم، قائلة: "تعالي هنا الأول أطق ليكي المشاهرة"، وبالتقدم نحوها تقف فوق بئر من مياه الآبار وتحمل في يدها علبة من الصفيح بداخلها عقد من الأحجار والصدف والخرز، تتمتم بكلمات غير واضحة وتجلب الماء من البئر وتضع العقد به 3 مرات ثم تقدم الماء للزائرة لكي تغسل أطرافها ووجهها وهي تسأل: "غرضك أيه يا بنتي العوض ولا نزول اللبن للرضيع"، مضيفة: "اليوم مخصص لطالبي العوض، إنجاب الأطفال". وعند الدخول إلى المقام أو الضريح نجد النساء يطوفن حول المقام وشجرة "اتل" عتيقة يقال إن عمرها أكثر من 200 عام، ويرددون الأدعية بما يجول في أنفسهم من طلب للشفاء أو الزواج أو الإنجاب. وتقول السيدة سلمى محمود إن العدد الهائل من المسامير نتيجة أن الزائرات يسموها مسامير الظلم النساء تدقها لإظهار مظلمة لها أو إعادة حق ضائع منهن. وبسؤال أحدهن عن سبب دقها المسامير لم تجب في بادئ الأمر ثم ذكرت: "كل واحد يخليه في همهَ زوروا وأنتو ساكتين وروحوا". وأوضحت أم أحمد أن طفلها في أكمل العام والنصف ولم يستطيع حيت الآن الحبو أو محاولة المشي وأتت لكي تطق له "المشاهر" كما نصحتها جارتها, وقامت بغسل وجه الطفل وأطرافه ثم طافت حول الشجرة العتيقة. "الأطفال أحباب الله".. بهذه الجملة تبدأ حديثها عالية محمد ،42 سنة، التي جاءت بصحبة ابنتها حديثة الزواج قائلة إن الصعيد يتميز بالقبيلة و"العزوة"، وكثير من النساء اللاتي لا ينجبن يخفن من الطلاق نظرًا لأن أم زوجها تنظر إليها بازدراء وكأنها "وش نحس" لذلك تحاول المرأة كل الأبواب. وتقول حسانية عبد الباقي إن النساء تذهبن إلى المقابر، للإنجاب وحل "المشاهرة" التي تمنعها من الإنجاب أو القرينة التي تغضب عليها وتمنع إنجابها وتشير إلى أنه بالفعل هناك سيدات كثيرات أنجبن بعدما "تكبس" أي تدخل القبور أو ترى اللحوم في السلخانة. وتضيف حسانية أنه في حالة شق السوق فلابد للمرأة أن تجرح نفسها بالموس في إصبع الإبهام بالقدم ثم "تشق السوق" أي تعبره من أوله إلى آخره وتتوجه إلى السلخانة ثم الجواهرجي وتجعل صاحب محل الصاغة يريها كل المشغولات الذهبية التي لديه في المحل، وتخرج من طريق غير الذي دخلت منه.
طق المشاهر عبارة عن حجارة كريمة وصدف من قاع النيل وخرز غريب الألوان والأشكال منظومة جميعها في عقد يتم وضعه في علبة صفيح، وجلب ماء من البئر المخصص للضريح وتقوم السيدة أو الأم أو البنت بغسل أطرفها ثم تدخل داخل الضريح وتقرأ الفاتحة وتدور حول شجرة عتيقة. وفي حالات الظلم الواقع على السيدة أو المرأة تقوم بدق أحد المسامير وهي تطلب من الشيخ العون في رفع الظلم الواقع عليها، الأمر الذي تسبب في نفوق أفرع كثيرة بالشجرة، ولكنها ما زالت تمتد حول الضريح من كل الاتجاهات. وفي هذا الوقت تقف "النقيبة" على باب الضريح كي تمنح النساء قطعة من القماش لونها أخضر وتؤكد للمارة أنها بركة من الشيخ وأنها تقصها كل عام من التوب المخصص لكسوة الضريح.