أثارت استقالة المستشار محمد السحيمي بمحكمة قنا الابتدائية، جدلا واسعا داخل بيت العدالة والمواطنين على حد سواء وذلك لجرأة صاحبها في التعرض لما يدور خلف كواليس «منابر العدل»، من سلبيات، وأعادت الاستقالة طرح التساؤل حول حقيقة ومنطقية استقلال القضاء من عدمه.. «التحرير» يرصد أهم الاستقالات التي سلطت الضوء على الوجه الآخر للعدالة.
السحيمى والتدخل فى شؤون القاضى القاضى السحيمى سبّب استقالته التي قدمها للوزير الزند بالظلم والتدخل فى شؤون عمل القاضى، وهو عكس ما ينشده الناس وتبتغيه أن يكون القضاء مستقلاً، فلا دولة دون قضاة مستقلين، ولا عدالة ناجزة مطمئنة دون منصات إطلاق أحكام لا يتدخل فى شؤونها أحد، نعرف ذلك ونُجمع عليه، حسب نصها. وزير العدل وعامل النظافة من الاستقالات التى أثارت جدلا كبيرا استقالة المستشار محفوظ صابر، وزير العدل السابق بعد تصريحاته، التى أشارت إلى عنصرية وتفرقة وتمييز بين أبناء الشعب الواحد، بعدما قال خلال مقابلة تليفزيونية، ردا على سؤال حول ما إذا كان ابن عامل النظافة يمكن أن يصبح قاضيًا: «مع احترامي لكل عامة الشعب، القاضي له شموخه ووضعه ولا بد أن يكون مستندا لوسط محترم ماديا ومعنويا». وأضاف صابر أن «ابن عامل النظافة لو أصبح قاضيا سيتعرض لعدة أزمات منها الاكتئاب، ولن يستمر في هذه المهنة»، وتابع القول إنه يثني على عامل النظافة الذي يربي ابنه للحصول على شهادة لكن هناك وظائف أخرى تناسبه، "فالقضاء لديه شموخ وهيبة مختلفة". وتخالف تصريحات الوزير نص الدستور المصري وخاصة المادة الرابعة عشرة التي تنص على أن الوظائف العامة حق للمواطنين دون محاباة أو وساطة، كما نصت المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل شخص بالتساوي مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده".
نهى الزينى وتزوير الانتخابات فى عام 2005 نشرت نهى الزينى شهادتها عن الانتخابات البرلمانية، التى أجريت فى ذلك الوقت وأشارت فى هذه الشهادة إلى أمور خطيرة تسببت فى قلب الرأى العام، حيث قالت: «قمت بتسليم نتائج لجنتي متأخرة، لأنني أعدت الفرز حتى لا يبطل صوت صحيح أو العكس، أي أن نتيجة لجنتي -إن لم تكن آخر نتيجة- فإنها كانت من النتائج المتأخرة جدا. -كانت المؤشرات قرب النهائية القادمة من اللجان الفرعية تدل على أن المرشح جمال حشمت حصل على ٢٥ ألف صوت «على أقل تقدير»، بينما حصل مصطفى الفقي على ٧ آلاف صوت «على أعلى تقدير». وتابعت: «قبل الانتهاء من أعمال التجميع انصرف أحد أعضاء اللجنة العامة، وهو مستشار من رجال القضاء، وهو الشخص ذاته الذي دعوته قبل قليل للإدلاء بشهادته، مما حمل إليَّ مؤشرًا خطيرًا. -بعد انصرافي، بدأت الأخبار تصلني بأن ما حدث في دائرة الدقي في المرحلة الأولي، سوف يتكرر هنا، وأنه من المستحيل ترك مصطفى الفقي ليخسر أمام جمال حشمت (أنا هنا لا أتحدث عن رأي الناخبين، ولكنني أتحدث عما سمعته من رجال القضاء المشرفين على الانتخابات، وقد طلبت منهم قول الحق، وها أنا أدعوهم ثانية لشهادة الحق). هذه شهادتي أدلي بها أمام الرأي العام، وأنا أعلم تماما ما سوف تسببه لي من متاعب، ولكن ماذا لو كسب الإنسان العالم كله وخسر نفسه؟ ولكي لا يزايد عليَّ أحد أبادر بالقول صادقة: إنني أخالف الإخوان المسلمين في الكثير جدا من آرائهم وتوجهاتهم، وعلى المستوى الشخصي، أعلم أن الدكتور جمال حشمت شخص محترم، وكنت أتمنى لو لم يكرر تجربة خوض الانتخابات مرة أخرى». مرتضى منصور وعادل إمام في أواخر عام 1983 قام الساخر رأفت الميهى بتقديم نجم الشباك عادل إمام في شخصية المحامى حسن عبد الرحيم الشهير بحسن سبانخ بفيلم «الأفوكاتو»، الذى كان يسخر من شخصية المحامى ويسخر من السلطة القضائية كما يسخر من السجن والسجان وكذلك يدين الطبيب والمأذون الشرعى وأى رموز للمجتمع والسلطة، حيث أدانها وكشف أوراقها باعتبارها أنماطا فاسدة استطاعت استغلال سلطتها لتحقيق مصالحها الشخصية وهى إفراز طبيعى لمجتمع الانفتاح الفاسد.. وكان «الجوكر» في كل هذه النقاط هو الممثل الكوميدى عادل إمام حينها انطلقت الشرارة عندما تقدم 150 محاميا بدعوى ضد المسؤولين عن تمثيل وإخراج وإنتاج فيلم «الأفوكاتو» وطالبوا بوقف عرضه، لأن الفيلم يصور رجال القضاء والمحاماة بصورة غير لائقة مشينة وأنهم مرتشون وأفاقون وأن الفيلم يسىء إلى سمعة مصر! ووصلت القضية إلى القاضى وكان فى ذلك الوقت هو مرتضى منصور، الذى شاهد نسخة الفيلم وشاهد القاضى فى الفيلم وهو يقوم بمغازلة الشاهدة في المحكمة بطريقة بها إسفاف (ويلاعب لها حواجبه) وانفعل مرتضى حفاظا على قدسية المهنة التي هو أحد أفرادها، وأصدر وقتها حكما صادما بحبس كل من رأفت الميهى ويوسف شاهين سنة مع الشغل وكفالة عشرة آلاف جنيه لإيقاف التنفيذ، مضيفا إليهم عادل إمام لكن هنا بقدر وقوف الصحافة بجانب القاضى مرتضى منصور في معركته الناجحة ضد «الأفوكاتو» فإنها أصبحت خصما عنيدا ضد القاضى مرتضى منصور مشبهة إياه بأنه قام بتحويل نفسه من قاض على المنصة إلى رقيب سينمائى وارتدى عباءة المدافعين عن الشرف والقيم، وكان القرار من جهات عليا وقف تنفيذ الحكم، وكان القرار الأخطر من «منصور» هو تقديم استقالته من منصبه كقاض في واقعة غير مسبوقة من على منصة القضاء، وكان قد أرسلها إلى كل الصحف، احتجاجا على عدم احترام قدسية المهنة. الرفاعى ينعى العدالة من الرسائل التي كان لها دوى كبير أيضا ما قدمه المستشار الراحل يحيى الرفاعى فى 2003 احتجاجا على ما وصفه ب«التدخلات الخطيرة» فى أعمال القضاء قال: «أنعى إليكم العدالة فى مصر.. الحكومة تصادر السلطة القضائية ووزارة العدل تتدخل فى قضايا الرأى العام»، مضيفا أنه جرى تخويل السلطة التنفيذية سلطات رقابية وإدارية ومالية وتأديبية تتدخل بها فى صميم شؤون العدالة والقضاء فى مخالفة صارخة لمواد الدستور.. وكذلك النيابة العامة.. بعدما أصبحت تخضع لنشرات منظمة للعمل تخالف الدستور والقانون.. وأصبحت تجمع بين سلطتى التحقيق والاتهام.. وتقوم بعمل قاضى التحقيق وإخضاعها للتبعية الإدارية التدريجية على نحو يسحق إرادة المرؤوسين فيها.. فضلا عن احتفالها الشاذ بشكاوى وتقارير الأجهزة الأمنية والرقابة الإدارية. تضمنت استقالة الرفاعى أو بيان الاحتجاج.. حصرا لمواد القانون التى جرى تعديلها منذ عام 1984 لتسمح لوزير العدل بالتدخل فى أعمال القضاء من خلال سلطته المطلقة فى: «منح المكافآت دون حساب، سلطة احتساب المصروفات العلاجية، انتداب رؤساء المحاكم، إنشاء إدارة للتفتيش القضائى تتبع للوزير للتفتيش على أعمال القضاة ورؤساء المحاكم وتقدير أهليتهم وصلاحيتهم ومساءلتهم وفحص وتحقيق الشكاوى التى تقدم ضدهم واقتراح ندبهم أو تخطيهم أو ترقيتهم.. وغيرها من تعديلات».
الخضيرى وتغول السلطة التنفيذية فى أكتوبر 2009 تقدم المستشار محمود الخضيرى، نائب رئيس محكمة النقض، باستقالته من القضاء بعد 46 سنة من العمل، منها 20 سنة فى محكمة النقض، الاستقالة تم توجيهها إلى ممدوح مرعى وزير العدل حينها، وجاء نصها مقتضبًا للغاية، وتقول: «السيد وزير العدل.. تحية طيبة وبعد.. أتقدم لكم باستقالتى من عملى من محكمة النقض اعتباراً من 1/10/2009.. مع الشكر». وقال الخضيرى فى تعليقات له بالصحف على الاستقالة: «إن استقالتى صرخة احتجاج فى وجه الأوضاع الحالية بالقضاء، وأتمنى أن تحدث نوعا من الجدية لإصلاحه»، مؤكداً أنه لم يستطع الاستمرار فى عمله القضائى فى ظل الظروف الراهنة المتمثلة فى «تغول النظام الحاكم وسلطته التنفيذية على السلطة القضائية»، حسب وصفه. وأضاف: «أصبت بالإحباط واليأس من إصلاح أحوال القضاء وتحقيق استقلال كامل وحقيقى للسلطة القضائية»، مشيرا إلى أن ما يحدث مؤخرا من محاولات السلطة التنفيذية للهيمنة على القضاء يؤيد ذلك، وكان آخرها -على حد قوله- مشروع قانون وزير العدل لتوسيع عضوية مجلس القضاء الأعلى. وتابع: «السلطة تريد اختراق مجلس القضاء الأعلى وإخضاعه ليبقى دوره بلا فاعلية، رغم أنه الأداة الوحيدة للرقابة على تصرفات الوزارة مع القضاة، كما أن الحكومة تسعى للسيطرة على نادى قضاة مصر، وجعل اختيار مجلس إدارته بالتعيين وليس بالانتخابات»، مؤكداً أنه «محبط ولا يتوقع أى انفراجة فى الحياة العامة أو إصلاح حقيقى للأوضاع القائمة».