"من شابه أباه فما ظلم".. تمكنت قوات مديرية أمن القاهرة، اليوم الأحد، من القبض على نجل رئيس أوغندا الأسبق عيدي أمين، الحاكم الدموي الذي لقب بجزار أفريقيا، لاتهامه بالإتجار في المواد المخدرة بمنطقة البساتين. ولكن من هو عيدي أمين؟ هو عسكري من الدرجة الأولى، وصف نفسه بأنه محاربا لا سياسيا وكان صادقا تماما، فهو لا يجيد السياسة بل يجيد القتل والقمع والاستبداد، عيدي أمين دادا الرئيس الثالث لأوغندا الذي سطر سيرته بدماء معارضيه، فلقبه شعبه بجزارأفريقيا. نشاته ولد عيدي أمين دادا في قبيلة تدعى “كاكوا” في قرية “كوبوكو” بأوغندا عام 1925، عاش طفوله تعيسة بسبب انفصال والده عن والدته، حيث ظل متنقلً ما بين والده في السودان ووالدته التي تعيش في مدينة أروا بأوغندا. خاض عيدي أمين الحياة السياسة مبكرا، وذلك عندما عمل كطباخ في الجيش البريطاني أثناء احتلال بريطانيالأوغندا، إلى أن بلغ العشرين من عمره فتم استدعاؤه إلى الخدمة العسكرية، وإنضم إلى السلاح الملكي الأفريقي، حيث كان واحدا من أهم الجنود الأفارقة، لطاعته وانصياعه للأوامر. بعدها شارك عيدي أمين في إحباط ثورة “الماو ماو” بكينيا وقمع المعارضين للحكومة، ولنجاحه في هذه المهمة تمت ترقيته إلى رتبة ملازم، ثم إلى رتبة نقيب عام، وبعدها بعام واحد كان عيدي أمين قد تولى قيادة الجيش الأوغندي، حيث تمت ترقيته إلى قائد عام للأركان، وكانت هذه الترقية نوعا من المكافأة له من قبل “ميلتون أوبوتي” رئيس أوغندا آنذاك. استغل عيدي المنصب الجديد في إرضاء النزعة السادية بداخله، ورغبته في الهيمنة وممارسة السلطة، فقام بإستخدام أموال الجيش وفقا لأهواءه والتصرف فيها كما لو كانت ملكية خاصة، الأمر الذي استفز "أوبوتي" الذي قرر القبض على عيدي ومحاكمته، بعد عودته من سنغافورة لحضور مؤتمر” الكومنولث” يناير 1971، لكن الوقت لم يسعفه، فبمجرد أن عرف عيدي أمين نيته، قام بانقلاب عسكري وعزل أوبوتي واستولى على السلطة. حاكم دموي كان أول القصيدة لدى عيدي أمين، كفر بواح، فلم يتجمل ولم يعط فرصة للشعب ليتقبله، بل قام بحملة اعدام طالت القادة العسكريين المناهضين للانقلاب، تبعها بحملة تطهير واسعة شملت كل المؤسسات العسكرية للتخلص من مؤيدي أوبوتي.. وما زاده جرأة وبطشا دعم عدد لا بأس به من الدول له، واعترافها به كرئيس شرعي لأوغندا، حيث كانت بريطانيا وأمريكا على رأس الدول التي اعترفت به وأمدته بالمال والسلاح، بالرغم من الجرائم التي ارتكبها ضد شعبه، وسياسة القمع والتصفية والتمييز العنصري التي يتبعها، فضلا عن الصراعات الأهلية المستمرة بين الأعراق المختلفة، والتي لم تجد حاكما سياسيا يجيد التعامل معها، بل وجدت من يصب الزيت ويزيد النار اشتعالا. فلم يكن عيدي يتعامل مع هذه الصراعات بالحوار، كانت أداة التفاهم الوحيدة لديه السلاح، فهو الذي يسد عجزه عن التصرف سياسيا في أي قضية تقابله، هذا الفكر وهذا الأسلوب الذي حكم به البلاد، كان سببا رئيسيا في قتل ما يقرب من نصف مليون مواطن خلال ال 8 سنوات التي حكم بها. ومثله مثل معظم الطغاة أطلق على نفسه ألقاباً لا حصر لها، كلها تشي بمدى عبقريته وعقليته الفذة، أشهرها ”الرئيس الأبدي لأوغندا” و “المارشيل” و “الحاج“، وأخيرا “آخر ملوك اسكتلندا” وذلك لحبه الشديد ومدى إعجابه باسكتلندا. غريب الأطوار كما كان يتصرف بغرابة في كثير من الأمور، حيث كان يتبع حدسه وأفكاره بل وأحلامه أيضا، فمن إحدى غرائبه انه في يوم 9 أغسطس 1972، أمر كافة الآسيوين المقيمين بأوغندا والذين كان عددهم 35000 مواطن بمغادرة البلاد، كما أعطاهم مهلة لا تتعدى ال 3 شهور، وكان هذا القرار المفاجيء والغريب دافعه حلم، حلم إدعى فيه انه رأي الله يأمره بطرد الآسيوين من أوغندا. ليس هذا كل شيء، بل قام في نفس العام بقطع علاقته الدبلوماسية مع بريطانيا، بعد أعوام من الطاعة والولاء ، وذلك بعد إدانة بريطانيا ورفضها لسياسته وتصرفه تجاه الآسيوين، فرأي عيدي ان الرد المثالي هو قطع العلاقات الدبلوماسية معها. وطرد مواطنيها أيضا، وكنوع من الاستفزاز لبريطانيا قام عيدي، في إحدى مؤتمرات القمة الأفريقية التي عقدت في العاصمة كمبالا، بدخول المؤتمر وهو محمولا على الأكتاف، حيث كان جالسا على كرسي يحمله أربعة بريطانيين في رسالة هدفها إذلال بريطانيا أمام العالم. كل هذه الأفعال دفعت عديد من الدول لقطع علاقتها الدبلوماسية بأوغندا، لكن أمرا كهذا لم يكن ليؤرق بال عيدي أمين، الذي يحكم ويدير البلاد بصبيانية مطلقة، ويتجلى ذلك في علاقته بدولة تنزانيا أيضا، والتي أصبحت مقرا ونقطة تجمع لمعارضيه، كان عيدي أمين يتعمد استفزاز تنزانيا بتصريحاته الدائمة عن نيته ورغبته في احتلالها، إلى أن زادت الحدة بين البلدين وبلغ التوتر أشده في أكتوبر عام 1978، عندما قام عيدي بدخول تنزاينا واحتلال مثلث كاجيرا وهى منطقة صغيرة بتنزاينا. فجاء رد رئيس تنزانيا آنذاك ”يوليوس نيريري “بالغ الحكمة، حيث قام بتنظيم صفوف المعارضة ودعمهم ومدهم بالسلاح وإطلاقهم ككرة نار بوجه عيدي، وبالفعل نجح الثوار في توحيد صفوفهم من خلال منظمة الجبهة الشعبية لتحرير أوغندا والتي يرأسها الرئيس المعزول أوبوتي في إسقاط عيدي أمين وطرده خارج البلاد. جائزة الأوسكار تم إنتاج فيلم آخر ملوك اسكتلندا (The Last King of Scotland)، عام 2006 ومأخوذ من الرواية التي تحمل نفس الاسم، من بطولة الممثل فوريست ويتاكر، الذي فاز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل رئيسي عن دوره في هذا الفيلم عندما جسد شخصية الجنرال عيدي أمين، والفيلم من إخراج كيفين ماكدونالد.