أجواء ومظاهر عدة ميزت الريف المصري منذ قديم الأزل، وظلت عالقة بالأذهان، لكنها رويدًا رويدًا بدأت تندثر مع توغل الحياة المدنية لتتراجع نسبة التمسك بالعادات والتقاليد والموروثات، حتى أصبحت الحياة في الريف لا تختلف كثيرًا عن المدينة. الشيخ الفضالي يقول حامد محمود، من أهالي قرية الحصة بمركز طوخ بمحافظ القليوبية: "في شهور معينة من العام، كان يأتي رجل صالح، سُمي ب"الشيخ الفضالي"، حيث يستضيفه أحد أبناء القرية لمدة تقترب من الأسبوع، ويقدم له أفضل أنواع الطعام وخاصة اللحوم؛ معتقدًا بذلك أن البركة ستحل على منزله". ويُضيف "محمود": "رغم أن الأمر ليس سوى معتقدات توارثناها إلا أنها تحمل رسائل جميلة، حيث كان يقوم صاحب المنزل بدعوة أهالي القرية لحضور مأدبة الغداء أو العشاء على شرف هذا الشيخ، ويجتمع الجنيع ويتبادلون أطراف الحديث". حلقات الذكر "الله يرحم أيام زمان".. يوضح الحاج جمال الدويني 50 عامًا من مركز قليوب، أنه كان يحدد يوم في الأسبوع - غالبًا الخميس أو الجمعة - يجتمع أهالي القري فى منزل أحدهم أو في المسجد عقب صلاة العشاء، ويقيمون حلقات الذكر "الحضرة"، التي تتضمن المديح والإنشاد الديني، وتلاوة القرآن الكريم، مؤكدًا أنه بمرور الوقت، اختفت تلك العادة تمامًا. الفرن البلدي "الخبيز" كان من العادات التي تميز الريف المصري، حيث تقوم ربات البيوت بإعداد العجين ليلاً، ومع شروق الشمس تجد خلية نحل أمام الفرن البلدي المصنوع من الطين، ووقوده من حطب الذرة والقطن، تفوح منه رائحة مميزة للخبز. وتُشير فاطمة محمد، ربة منزل، إلى أن الفرن البلدي كان من أساسيات أي منزل، وكان يتم تدريب الفتيات على إعداد العجين، باعتباره وقتها شرطًا أساسيًا للزواج، لكن مع زيادة نسبة تعليم الفتيات، ترك عدد كبير من فتيات الريف تلك العادة، وأصبح الجميع يفضل الوقوف في طوابير المخابز. المنقد لم يكن يخلو منزل في الريف من "المنقد" - وعاء فخار أو نحاس يستخدم للتدفئة في ليالي الشتاء الباردة - حيث تجتمع الأسرة حوله، وتقوم الأم أو الجدة بسرد حكايات من التراث الشعبي، ثم يخلد الجميع إلى النوم، لكنه اختفى حاليًا، ولجأ الأهالي إلى شراء المدفأة الكهربائية. زلعة المش كانت "زلعة المش" تزين أسطح المنازل، حيث تقوم ربة البيت بعمل خليط من الجبنة القريش وخض الزبدة البلدي مع قطع الفلفل والشطة، ثم تخزنها داخل الزلعة، وتتركها لشهور؛ لاستخدامها في غالبية الوجبات، وحاليًا، سيطرت أطباق الدش على مكانة "زلعة المش".