- رائد صناعة الدواجن فى مصر ومؤسس فرع جامعة الأزهر بالدقهلية - حوّل "تفهنا الأشراف" لقرية نموذجية خالية من الجهل والفقر والبطالة فقط فى مصر لا نعرف قيمة الشخص الحقيقية ومعدنه الأصلى وحُسن صنيعه ومدى إنسانيته وحجم إنجازاته ويده العليا البيضاء وسخائه على أبناء وطنه إلا بعد موته وخروج روحه ومغادرة أرض هذا الوطن، حينذاك تنهال عليه آلاف الدعوات التى تترحم عليه، وتُكتب فى شخصه آلاف الكلمات التى تُعظم من شأنه، ويحصل على أعلى الأوسمة والجوائز والشهادات التقديرية التى تصاحبه فى قبره بعد رحيله عن هذه الحياة الدنيا القصيرة، هكذا رحل المهندس الزراعى صلاح عطية، رجل الأعمال الوطنى ابن محافظة الدقهلية، مؤسس جامعة الأزهر بقرية "تفهنا الأشراف"، إحدى قرى مركز ميت غمر عن عمر يناهز ال70 عامًا، تاركا وراءه مسيرة جارفة من العطاء والأعمال الخيرية، التى ساهمت بشكل كبير فى القضاء على الجهل والفقر والبطالة بين أبناء بلدته والمناطق الأخرى المجاورة. رحل فى صمت إعلامى لا يوجه إلا لأصحاب الفخامة والمعالى والسمو، ولكن جنازته أمس الاثنين تحولت إلى انتفاضة عارمة وميدان فسيح أشبه بخروج الملايين فى جمعة الغضب بميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير بعد أن التف حول نعشه الآلاف من أهالى قريته والمراكز الأخرى المجاورة فى محافظته وعدد من المحافظات الأخرى القريبة، ممن نالوا من بركات أعماله ونهلوا من نفحات مشروعاته الجليلة المتفرقة فى كل مكان بنفس زكية طاهرة وأياد بيضاء نقية ورحلة عطاء عبر عقوده السبعة التى عاشها ليجمع التبرعات من هنا وهناك فى سبيل الخير والتنمية والنهوض بأبناء قريته، حتى استحق لقب "سهم الخير الأعظم". سهم الله الأعظم.. فى قرية بسيطة مُعدمة الخدمات والمرافق العامة الأساسية للحياة، كغيرها من القرى والنجوع المصرية تُسمى "تفهنا الأشراف" تبعد عن العاصمة بمئات الكيلومترات وكانت مصدرًا لعمال التراحيل المُعدمين من المصريين الأصليين الذين عانوا كثيرا فى جميع القرى المصرية، هناك اجتمع عدد محدود من أبناء هذه القرية الصغيرة عند مطلع عام 1982 لوضع حد لعلاج مشكلتى الفقر والبطالة المتفشيتين بين الأهالى بصورة مخيفة، فقاموا بحصر أصحاب الأملاك من الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال، وركزوا على أهمية جمع الزكاة منهم كخطوة أولية لمعالجة الفقر وعبر التبرعات كانت البداية. وحسب رواية متداولة بين أهالى قريته سبق أن حكاها الراحل قبل أيام من موته، قائلا: "كانت بداية التحول بالقرية باتفاق تسعة من الشباب الذين تعارفوا خلال فترة التجنيد بالجيش، كنت أحدهم، على إنشاء مزرعة أهلية للدواجن بعد انتهاء فترة تجنيدهم تكلفت ألفى جنيه، ونظرًا لتواضع أحوالهم المادية فقد باع بعضهم مصاغ وذهب زوجته، ليستطيع الوفاء بنصيبه فى الشركة، وخلال كتابة عقد الشركة قرروا تخصيص نسبة 10% من الربح لإنفاقها فى وجوه الخير وسموه "سهم الله الأعظم" رغم أنهم كانوا لا يملكون غير هذا المشروع الجديد. فى غضون أيام قليلة تصاعدت حصيلة الأرباح من وراء مزرعة الدواجن الوليدة بصورة لم يكن يتوقعها الشركاء التسعة، مما دفعهم لزيادة نسبة "سهم الله الأعظم" إلى 20% من الربح فى الدورة التالية من عمر المزرعة، وتكرر الإنتاج الكبير فى الدورات التالية، فزادت نسبة سهم الخير حتى أصبحت 100% فى إجمالى عشر مزارع متتالية. "تفهنا الأشراف".. قرية خالية من الفقر والبطالة بمرور الوقت زاد عدد المزارع فى قرى ومراكز محافظة الدقهلية ومن أرباح المشروع التجارى الجديد تم إنشاء مصنع للأعلاف وآخر للمركزات ومصنع لعلف الماشية مع الاتجار فى الحاصلات الزراعية وتصدير الموالح والبطاطس والبصل لعدة بلدان خارج مصر، وأصبح النشاط التجارى من الأنشطة الرئيسية بتفهنا الأشراف، وأقام الشباب ال9، مزارع أخرى فى مدينة التل الكبير حتى أصبح حجم الاستثمارات بالملايين، وتحولت قريته "تفهنا الأشراف" إلى قرية خالية من البطالة والفقر والأمية. لم يكتف الحاج صلاح عطية بإنشاء المعاهد الأزهرية والجامعات والمشروعات التجارية التى يخدم من خلالها أبناء محافظته، بل عمل على حصر الأرامل والمطلقات لتدبير وسيلة كسب لكل منهن، من خلال توزيع "جاموسة" أو "بقرة" على كل منهن حسب الحاجة والفقر، بالإضافة إلى كمية من الأعلاف كل شهر، مع وضع خطة لتدريب الفتيات والسيدات على الخياطة وتوزيع ماكينات خياطة عليهن وتكليفهن بتفصيل زى الحضانة "مرايل" التى يتم توزيعها على الأطفال بالمجان وهو ما زاد من حصيلة أرباح وعائدات المشروع الصناعى الجديد على هؤلاء السيدات وكفل لهن حياة كريمة . كما تم حصر أصحاب الحرف بحيث تم شراء أدوات الحرفة لكل منهم، حتى لو كان طبيبا يتم شراء أدوات الطب له، أما غير أصحاب الحرف فقد تم الاتفاق مع متاجر جملة على إمدادهم بالبضائع لعمل منافذ بيع للسلع. وتسبب وجود أربع كليات جامعية بالقرية فى حدوث رواج تجاري، وحركة نشيطة للنقل والمواصلات، كما قامت غالبية البيوت ببناء حجرات إضافية لتأجيرها للطلاب، والنتيجة أنه لم يعد بالقرية عاطل ولا فقير . مؤسس جامعة الأزهر بالدقهلية على نفقته الخاصة بعد أن نجح الحاج صلاح عطية الذى يحب أن يلقبه أهالى قريته "تفهنا الأشراف" ب"سهم الخير الأعظم" فى توظيف شباب قريته وعدد من القرى والمراكز الأخرى المجاورة عبر مشروعاته الأهلية المتنوعة اجتمع "عطية" مع شريكه ورفيق دربه "صلاح خضر" يوم 6 يناير 1984 مع عمدة القرية، واتفقوا على فكرة إنشاء مركز إسلامى متكامل بالبلدة، ومع التوسعات التى شهدتها مشروعات القرية كان الريع المخصص للعمل الخيرى قد اتجه لإقامة حضانة لتحفيظ الأطفال القرآن الكريم بالمجان، مع نقلهم من القرى المجاورة والتكفل بزى الحضانة، ثم بناء معاهد أزهرية بكافة المراحلة التعليمية للبنين والبنات،وبدء الراحل التفكير فى إنشاء كلية جامعية للشريعة والقانون، تلاها كلية للتجارة بنات ثم كلية لأصول الدين ثم كليه للتربية على نفقته الخاصة، وأسهم أهالى القرية بالتبرع فى إقامة تلك المنشآت حسب استطاعتهم. بداية من المشاركة فى أعمال البناء إلى التبرع بالمال حسب الاستطاعة، وهكذا كلما توسع النشاط الإنتاجى توسع النشاط الاجتماعى، فضلا عن مساهمته فى بناء المعهد الدينى بقرية الصنافين التابعة لمركز منيا القمح بالشرقية، وبدء تشكيل لجنة بالتنسيق مع أهالى القرية لجمع التبرعات وكان هو أول المتبرعين على الرغم من أن تلك القرية لم تتبع محافظته، ولم يغادر القرية إلا بعد جمع كافة التبرعات وبدء إنشاء معهد بنين وبنات بالقرية. ورحل سهم الخير.. بعد ذلك توسع فى إنشاء لجان متخصصة للتنمية داخل القرية، فهذه لجنة للزراعة مكونة من المهندسين الزراعيين على المعاش، لبحث كيفية زيادة إنتاجية المحاصيل المزروعة، ولجنة للشباب تختص بشغل أوقات فراغهم، ولجنة للتعليم مكونة من نظار المدارس بالمعاش لرفع المستوى التعليمى بالقرية. كما تم عمل لجنة للمصالحات لها مقر ودفاتر للسعى للصلح فى الخلافات المتنوعة داخل القرية. فالخلاف الزراعى يتدخل فى حله متخصصون فى الزراعة، والخلاف الهندسى يتكفل به مهندسون مدنيون، وهكذا فى باقى أنواع الخلافات والمشاكل والأزمات اليومية التى تخص أبناء بلدته، حتى استحق لقب "سهم الخير" بين أبناء قريته التى ودعته أمس الإثنين بدموع حارة وبكاء الأحبة بعد رحلة مرض طويلة عانى خلاله رجل الخير فى محافظة الدقهلية. * * * * 12507102_932852436797828_3640796058986536466_n * * * * *