ها هى قيادات الصحف القومية تدخل مرحلة لا شرعية استمرارها فى عملها بدءاً من إنتهاء دوام اليوم: الجمعة الأول من يناير 2016، بعد أن انتهت المدة القانونية لتوليهم مناصبهم، وحيث فوجئ الجميعُ بإعلان المجلس الأعلى للصحافة، الذى سبق وأصدر قرار تعيينهم، بأنه لن يبتّ فى أمرهم لأن القانون لا يعطيه هذه الصلاحية، وذلك بعد أن قيّده القانون بعدم اتخاذ هذا القرار إلا مرة واحدة وقد استنفدها فى تعيين القيادات الحالية، كما أنه ليس هناك أى جهة فى البلاد تملك الصلاحيات القانونية لحسم الأمر! وإضافة إلى وجوب الالتزم بالمواعيد القانونية التى تفرض إصدار القرارت الجديدة فى موعدها، فهناك أسباب موضوعية كانت ألزم لوضعها فى الاعتبار من طرف أصحاب القرار، منها أن أوضاع بعض الصحف وصلت إلى درجة الغليان، بعد الفشل الذريع لقيادتها، وكان الصحفيون والعاملون بها يمارسون ضبط النفس الذى كان يعقد الأمل على قرب نهاية المدة وعلى إمكانية التخلص القانونى من هذه القيادات التى لا تتحرج من فشلها بل تغالى فى استغلال السلطة شبه المطلقة، فى غياب كامل لمحاسبتها على غياب الرشادة وعلى تعمد التعنت مع الزملاء..إلخ كل هذا يستحق وقفة! كيف انتظر المجلس الأعلى للصحافة، وفيه صحفيون كبار وقانونيون على أعلى مستوى، حتى مدفع الإفطار الموقوت له اليوم، وهم أنفسهم الذين وضعوا التوقيت، ليفاجئوا الجميع أنه لا يمكنهم اتخاذ القرار؟ كيف سكتوا على الأمر حتى صار مشكلة يستحيل علاجها دون المرور بمرحلة لا شرعية استمرار هؤلاء على رأس عملهم؟ ودون أن يتمكن أحد من تحديد المدى الزمنى الذى سوف تستغرقه هذه المرحلة؟ ولماذا لم يُرفَع الأمر إلى جهة التشريع المؤقتة، الرئيس والحكومة، لإصدار التشريع المطلوب، إما بالسماح للمجلس بإصدار قرارات جديدة، أو حتى بحل هذا المجلس وتعيين مجلس آخر بكامل الصلاحيات لحين أن يُشكِّل البرلمان الجديد الهيئة الوطنية للصحافة التى نصّ عليها دستور 2014، والتى تؤول إليها مسؤوليات إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة؟ لماذا اكتفى المجلس، وقبل يومين فقط من الموعد النهائى، بإعلان أنه غير مخوَّل باتخاذ القرار؟ وكيف لا يجد أعضاء المجلس أنفسهم مضطرين لشرح الملابسات الغامضة للرأى العام؟ وكيف لا يحرصون على إبداء أنهم ملتزمون أمام الجماعة الصحفية، خاصة العاملين فى هذه المؤسسات، بتقديم تفسير وتبرير لهذا الغموض، وإبراء ذمتهم من أى إهمال أو تقصير؟ وكيف لم تنتبه جهة ما فى الدولة إلى كل هذا؟ لا يمكن افتراض أن أعضاء المجلس بخبراتهم وعلمهم لم يدركوا ولم يتوقعوا المأزق الذى وصلنا إليه على أيديهم، فهل هو سهو أم تعمد تخريب؟ وما هو منطق المشرع الذى أصرَّ على عدم منح هذا المجلس حق اتخاذ قرارات التعيين إلا مرة واحدة؟ هذه، وغيرها أسئلة كثيرة، أمور على درجة عالية من الأهمية ينبغى أن يكون هناك من يلتزم بإجلاء حقيقتها للرأى العام وللجماعة الصحفية وللعاملين فى هذه المؤسسات خاصة المتضررين من استمرار الأوضاع على ما هى عليه. مع وجوب تقديم جدول زمنى لعلاج هذا الخلل الحادث. لقد كانت هذه بالضبط واحدة من الأزمات المستفزة لعصر مبارك، عندما كان يتغافل عامداً متعمداً عن هذه المشكلة وكأنها غير موجودة، فى احتقار لاهتمام الرأى العام ولحق الجماعة الصحفية، وإهمالاً لمصالح العاملين فى هذه المؤسسات، بل كانت حركة التغييرات لا تذكر، فى بعض الأحيان، كلمة واحدة عن بعض القيادات، المعروف عنهم أنهم يحظون بالرضا السامى من مبارك أو حرمه أو نجله، بما يعنى بقاءهم فى مناصبهم، برغم أنهم لم يعودوا متوافقين مع شروط الاستمرار فى العمل! وكل هذا دون أى إشارة صريحة لاستمرارهم أو للنية مستقبلاً فى تغييرهم! أما الآن، فى هذه المرحلة الدقيقة التى يُفتَرَض أنها تعالج أخطاء الماضى، فلقد صار التباطؤ سمة خطيرة فى إيقاع العمل العام، مما بات له أثر سلبى كبير على حماس الجماهير، وهو ما تجلى فى أكثر من قضية مهمة خلال العام الماضى وحده، مثلما حدث فى تجربة مجلس النواب، عندما طالت بأكثر مما ينبغى فترة الإعداد لقانون الانتخابات، ثم امتداد الجدول الزمنى للتصويت ولإعلان النتائج، ثم انتظاراً لقرار رئيس الجمهورية باختيار الأعضاء المعينين، ثم قراره بتحديد موعد انعقاد البرلمان..إلخ ومع كل هذه المرونة والهدوء فيما يجب أن يحسم أمره بأسرع الوسائل، إذا بتقييدات أخرى غير مفهومة، وليس حرمان المجلس الأعلى للصحافة من إمكانية التجديد للقيادات الصحفية سوى مجرد حالة واحدة، وإنما هناك أيضاً إلزام مجلس النواب الجديد بوجوب حسم أمر كل التشريعات التى صدرت مؤقتاً فى غياب البرلمان فيما لا يتجاوز 15 يوماً!