بائعو المنتجات الفاسدة يعودون لممارسة نشاطهم ويكسرون «التشميع» ب50 جنيهًا محامٍ: القانون لا يميز بين دواء مريض و«كيس صلصة» قصاصات شعر مقززة في علبة لبن، مأكولات من مكونات فاسدة تقدم بمطاعم يفترض أنها ذات سمعة حسنة، أدوية منتهية الصلاحية في مركز طبي، أخبار متكررة لكنها لا تنقطع على مدار الساعة، بما يجعل المواطن يشعر بالنفور من شراء ما قد يلزمه ليسد رمقه، علاوة على تدهور الحالة الصحية لكثيرون بآلية غير منطقية ومفهومة للأطباء أنفسهم، بينما السبب في الدواء منتهي الصلاحية أو المغشوش. ومع كثرة تلك الأخبار، التي ترسلها وزارة الداخلية ذاتها في بيانات حملاتها التفتيشية، يبدو أن أصحاب النفوس الضعيفة لا يرتدعون عن "تجارة الموت"، بما يوجب اتخاذ إجراءات أشد قسوة تجاههم. بلّغ عن المخالف القانون ليس لرجال القضاء والمحامون فقط، ولكنه للمجتمع كله، وهنا يطالعنا قانون حماية المستهلك رقم 67 لسنة 200، والذي ينص في الفقرة "ب" من المادة الثانية منه على حق المواطن في الحصول على المعلومات والبيانات الصحيحة عن المنتجات التي يشتريها أو يستخدمها أو تقدم إليه. فيما تنص الفقرة "ز" من نفس المادة على الحق في رفع دعاوى قضائية على من شأنه الإخلال بحقوق المستهلك والإضرار بها، وذلك بإجراءات سريعة وميسرة دون تكلفة. وللمواطن حق اللجوء إلى جهاز حماية المستهلك، دون البوح ببياناته أو دخوله في خصومة شخصية مع المخالفين وأصحاب المنتجات الفاسدة، حيث تحظر المادة 18 من قانون جهاز حماية المستهلك على العاملين بالجهاز إفصاح أو إفشاء المعلومات والبيانات ومصادرها المتعلقة بالحالت الخاصة بتطبيق أحكام هذا القانون، والتي تم تقديمها أو تداولها أثناء فحص هذه الحالت واتخاذ اإلجراءات وإصدار القرارات الخاصة بها، ولا يجوز استخدام هذه المعلومات والبيانات ومصادرها لغير الأغراض التي قدمت من أجلها. كما يحظر على العاملين بالجهاز القيام بأي عمل لمدة عامين من تاريخ تركهم للخدمة، لدى الأشخاص الذين خضعوا للفحص أو الخاضعين له في هذا التاريخ. كيف يحاسب القانون المتلاعبين بحياة المواطنين؟ يتكفل القانون رقم 48 لسنة 1941 والمعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 والمسمى بقانون قمع الغش والتدليس، معاقبة تجار الفساد والموت، بعقوبات تبدأ من الحبس سنة حتى مدة لا تجاوز 7 سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز أربعين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر إذا كانت الأغذية أو العقاقير أو النباتات الطبية أو الأدوية أو الحاصلات أو المنتجات المغشوشة أو الفاسدة أو التي انتهى تاريخ صلاحيتها أو كانت المواد التي تستعمل في الغش ضارة بصحة الإنسان أو الحيوان. واعتبر ياسر سيد أحمد المحامي، تلك المواد القانونية رادعة للجناة حال تطبيقها، مشيراً إلى وجود خلل في المنظومة القانونية بشكل عام، تفتح العديد من طرق التحايل، التي تتيح لبائعي المتجات الفاسدة، فرصة العودة إلى أنشتطهم مرة أخرى، مقابل مبلغ من 50 إلى 200 جنيه فقط وكأن شيئاً لم يكن. وطالب المحامي بالفصل بين الغش في الأدوية والمنتجات الأخرى؛ حيث أن القانون لم يفرق في العقوبة بين الأدوية الطبية، وبين المنتجات الغذائية الأخرى ك"كيس صلصة" على سبيل المثال، من منطلق أن المنتج الفاسد قد يسبب التسمم والأضرار ذاتها إن كان طبياً أم لا، في حين أن غش الأدوية يتسبب في تدهور الصحة العامة ومشكلات أخطر ليست فردية. عقوبة الغش التجاري أكد المحامي أن أغلب الأحكام القضائية لا تفّعل العقوبة المشددة بالقانون، علاوة على إتاحة درجات الاستئناف فرص تخفيض العقوبة "للغشاشين"، وعادة ما تقضي أحكام الاستئناف بإلغاء "الحبس"، وتكتفي بالغرامة، وأحياناً غلق النشاط التجاري وتشميع المكان في حالة تكرار الجريمة، وهو ما اعتبره المحامي أمراً هيناً لأنه ما أحب على التاجر أن يدفع غرامة، ولذلك فهم يسددون الغرامة ولا يتورعون عن العودة إلى الفساد مرة أخرى. وكشف المحامي عن ثغرة يعتاد بائعو الفساد استخدامها للعودة إلى نشاطهم التجاري من جديد، وهي "غرامة مخالفة قرار تشميع المحال التجارية"، والتي تتراوح من 50 إلى 200 جنيه فقط، وهنا عادة ما يكون التاجر نفذ عقوبة الغرامة، ومن ثم لا ضرر جنائي عليه، ولا شيء يمنعه من معاودة العمل مقابل 50 جنيهًا فقط، غرامة فك "التشميع"، وهي ذات القيمة التي تتساوى مع غرامة فتح محل تجاري دون ترخيص. وأشار ياسر سيد أحمد، إلى أن الأزمة ليست في منظومة القانون وحدها، لكن تكمن كذلك في الفساد الإداري، وتغاضي مسؤلين عن التفتيش على السلع الغذائية عن مهام عملهم، وانتدابهم للعمل لفترات طويلة من ستة أشهر إلى عام مع احتمال مد الفترة، في مكان واحد، بما يخلق نوعًا من الود بين الطرفين، مطالبًا بالرقابة على المختصين للتأكد من تطبيقهم للقانون.