تعتبر الأدوية المغشوشة خطرا حقيقيا يهدد حياة المرضى ومجالا إجراميا هائلا؛ فمافيا الأدوية تتاجر بطوق النجاة بالنسبة المرضى وجعلته وسيلة للاتجار الفاحش والإثراء غير المشروع. وكثيرا ما طالبت نقابة الصيادلة بتقديم مشروع قانون يشترط كتابة الأدوية باسمها العلمي، وعرضت رأيها مرارا بمجلس الشورى وغالبا ما تنال موافقة مبدئية عليه، لكن لماذا لم يحظ هذا الأمر باهتمام مجلس الشعب؟ إذن لا بد من فهم أبعاد القصة. تحرص شركات الأدوية دائما على بيع منتجاتها، ومعظم الشركات تقريبا تعلن عن منتجها لدى الفئة المستهلكة لهذه المنتجات، وهى المرضى. لكن المريض بطبيعة الحال غير قادر على التمييز بين المنتجات الدوائية وأيها أفضل وأكثر فعالية وسلامة. وغالبا ما تسوق الشركات أدويتها من خلال الأطباء، وهم الذين يفترض بهم أن يختاروا الأجود والأسلم لمرضاهم. لكن بعضهم لا يقوم بواجبه وما تقتضيه أخلاق المهنة في هذا الصدد، ويتجهون نحو وصف أدوية لمجرد الحصول على عمولتهم التي تتناسب مع كمية ما وصفوه من هذه المنتجات لمرضاهم. تجارة هائلة يقول السيد عبدالحميد أباظة، مساعد وزير الصحة، أن الأدوية المغشوشة تتداول في الظلام وخلف الأبواب المغلقة بأسعار مرتفعة جداً، تفوق أسعارها في دول غنية، محققة مكاسب تصل إلى 500%، وتصل أرباحهم السنوية إلى مليار و200مليون جنيه، خاصة أن التهريب والغش يكون في الأدوية ذات الأسعار المرتفعة والتي تتطلب التقنية العالية والمستخدمة في علاج الأورام والجلطات والمضادات الحيوية، وقد يكون الأثر الأول لهذا الدواء المغشوش على المريض هو ببساطة: الوفاة. وأوضح السيد أباظة أن تقارير منظمة الصحة العالمية أشارت إلى أن 10% من الأدوية المتداولة في الأسواق مغشوشة، وأن النسب تتفاوت بين الدول فنجد مثلا أن النسبة في أمريكا اللاتينية وجنوب ووسط أفريقيا 30% وفي شمال أفريقيا 10% وفي آسيا 20% من حجم الدواء المتداول. وأشار المسئول إلى وجود عصابات منظمة ومتخصصة في غش وترويج الدواء المغشوش عالميا، لأنه تجارة أكثر ربحا من تجارة المخدرات وتزييف العملة، مشيراً إلى أن العولمة وكثرة تداول البضائع بين الدول ووجود أنظمة وقوانين حاكمة ضعيفة لغش الدواء وتهريبه شجع هذه العصابات علي القيام بذلك. الأدوية البيطرية يشمل هذا الغش إقامة مصانع للأدوية البيطرية المغشوشة، والأمصال، واللقاحات، وهرمونات النمو، تستخدم مواد أولية مجهولة المصدر وغير مسجلة بداخل عمارات سكنية أو بيوت ريفية، وتستعين بمطابع غير مرخصة تتولى طبع بونات وبيانات الأدوية المغشوشة بأسماء ماركات وعلامات تجارية للأدوية مصرح باستخدامها مصريا وعالميا ويكتب على اغفلتها استيراد أمريكا وهولندا وشركات مسموح لها بالاتجار فى الأدوية البيطرية وتستخدم مندوبين للتوزيع على المحافظات والمزارع. ومن مظاهر غش هؤلاء يستخدمون السكر المطحون المخلوط بالجير الأبيض في صناعة المضادات الحيوية المغشوشة والحلبة المطحونة في صناعة الفيتامينات وإضافات الأعلاف بالإضافة إلى استخدام مصانع للأدوية منتهية الصلاحية مع تغيير بيانات الصلاحية الموجودة على العبوة. ومن أهم الأدوية التى اشتهر غشها وترويجها عقار "جنتاميسين" وهو مضاد حيوي، ودواء "أيفومكتين". وكثيرا ما نجد أن الدواء بعد حقنه لا يؤثر في الحيوان، مما يشير إلى أنه مغشوش، إضافة إلى جلب كميات كبيرة من أدوية الجرب والديدان من مصانع إسرائيلية. من ناحية أخرى، رصد "معهد بحوث صحة الحيوان" ما لا يقل عن 4 حالات (على الأقل) شهريا لغش الأدوية البيطرية. فالغش التجارى في الأدوية البيطرية بدأ مع صناعة الدواجن بمنتصف السبعينيات. وبحلول منتصف الثمانينيات، لم يعد يقتصر الأمر على استخدام الأدوية المغشوشة الذي يلحق أضراراً بالثروة الداجنة وبالإنسان، لكن استخدام المضادات الحيوية في العلف كمنشطات نمو يؤدى أيضا لإصابة "الإنسان بالأمراض"، لأنها مواد ممنوعة لكونها سامة أو مسرطنة. يفاقم مشكلة غش الدواء غياب الوعي الصحي لدى بعض المربين، وتدهور الحالة الاقتصادية في البلاد وغياب الرقابة على إنتاج وتسويق الأدوية البيطرية، وعدم وجود جهة رقابية رسمية مباشرة تشرف على التفتيش والرقابة والمحاسبة. ويضاف لهذا القصور خوف الشركات التى يتم غش منتجاتها من الإبلاغ عن المستحضرات المغشوشة خوفا من إحجام المستهلك عن شراء الأصلي منها، علاوة على ضعف العقوبة المنصوص عليها في القانون لجريمة غش الدواء، وهناك ضرورة لإيجاد رقابة صارمة على محلات الأدوية البيطرية من خلال الهيئة العامة للخدمات البيطرية. مافيا وبقايا النظام الفاسد أوضح د. حسن البرنس، وكيل لجنة الصحة بمجلس الشعب أن لجنة الصحة تتعامل مع المشكلات الصحية بطريقة موضوعية وحسب الأولويات، فكل يوم تتسلم اللجنة شكوى بنقص نوع من الأدوية أو ارتفاع أسعارها عشرات الأضعاف والتي كان أهمها النقص الحاد في عقار "بروتامين" اللازم لإجراء عمليات القلب المفتوح، لذلك أقول هذه مؤامرة يتعرض لها شعب مصر من مافيا الأدوية الذين هم بقايا النظام الفاسد، لذلك علينا جميعًا كمجلس وكشعب وكحكومة التصدي لهؤلاء. وأضاف في مكالمة هاتفية لإحدى البرنامج التلفزيونية أن هذا الدواء يساعد على سيولة الدم لفترة ثم يؤخذ دواء آخر لإعادة الدم إلى حالته الطبيعية، وفي حالة اختفاء أحد الدواءين فإن مريض القلب يستحيل دخوله حجرة العلميات، وأن عشرات المراكز الطبية التي يجرى بها علميات القلب المفتوح أو علميات ترقيع أو تغيير شرايين القلب تحتاج هذه الأدوية، ونقصها يعني إغلاق هذه المراكز بالكامل. وأوضح أن النظام السابق جعلنا عالة على الأمم، فهذه الأدوية الخطيرة جدًّا يمكن إنتاجها في مصر ومع ذلك لمصالح غير معلنة يتم استيرادها عن طريق مافيا الأدوية، فمصر بها ملايين المرضى فيروس الكبد (فيروس سي) ومع ذلك اعتمد النظام السابق ميزانية قيمتها مليار جنيه سنويًّا لاستيراد مادة الإنترفيرون التي أثبتت نجاحها في علاج كثير من الحالات، ألم يكن من الحكمة إقامة مصنع لإنتاج مثل هذه الأدوية محليًّا. فالنظام كان يهدر موارد البلد لصالح العنصر الأجنبي من خلال مافيا الدواء، ويظل المريض المصري أسير لشركات الأدوية الأجنبية بالإضافة إلى استيرادنا لأدوية غير مطابقة للمواصفات في حالات ضيق الوقت الذي لا يسمح بإدخالها للمعامل للكشف عليها، وبسبب عدم إخضاع هذه الأدوية للكشف حدثت كارثة في لقاحات إنفلونزا الطيور التي أمر مبارك بإدخالها من إحدى الدول دون أن تمر على الحجر الصحي، وكانت النتيجة أن اللقاح هو الذي تسبب في انتشار المرض، وأصبحت مصر أسوأ دولة في معالجة هذه الكارثة وأعلى دولة في معدل الإصابة به. وقال: لدينا إرث من الفساد انتشر في ظلِّ وجود النظام السابق حتى النخاع، لذلك نحن في البرلمان أعلناها واضحة المحاسبة بلا مواربة، وأي وزير لن يقوم بواجبه سيواجه بمنتهى الحزم، ولن يبقى في منصبه. ومن هنا أرجو أن أكون قد وفقت فى أن أصيب هدفى من هذا المقال وهو نشر الوعى لدى القارئ ووضع أيدينا على الخطر لكى نستطيع أن نتعامل معه أوعلى الأقل تأمين أنفسنا، وأخذ الحيطه ضد هذا الوباء لأن نصف حل أى مشكلة هو محالة رصد تلك المشكلة .