في مارس الماضي، كان أردوغان يعاني الأمرين بعدما فقد حزبه "العدالة والتنمية" الأغلبية البرلمانية، للمرة الأولى منذ منذ 2002، وبالأمس عادت الفرحة مرة أخرى للعثمانيين الجدد، بعد حصول الحزب على أغلبية مريحة في الانتخابات، تضمن له الاستمرار في الحكم أربع سنوات أخرى. ولكن ما الذي حدث في تركيا بين شهري مارس وأكتوبر، لكي تتغير مفاهيم اللعبة بهذه الطريقة؟ الحرب على الأكراد "يمكن قيادة الشعب نحو اتجاهات القادة، هذا سهل جدًا، كل ما عليك فعله هو أن تقول لهم إنهم يتعرضون للهجوم، وتتهم معارضيك بضعف الوطنية وتعريض البلاد للخطر، تعمل نفس الطريقة في كل بلد"، هذا ماقاله الأب الروحي للجستابو النازي "البوليس السري"، هيرمان جورينج، وهو ببساطة ما فعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من أجل الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان، في الانتخابات المبكرة، التي جرت، أمس، عندما أعلن الحرب على حزب العمال الكردستاني، المصنف داخل تركيا على إنه تنظيم إرهابي. فأطلق العنان للجيش للقيام بضرب معاقل الحزب في الجبال وفى كردستان العراق، ردا على مهاجمة الشرطة التركية من جانب الأكراد، وبهذا سقطت الهدنة بين الحزب والحكومة التركية التي تم التوصل إليها بداية العام، وأصبحت الحرب على الأكراد خير وسيلة يجمع بها أردوغان أصوات الناخبين في الانتخابات المبكرة. ورغم إعلان عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال مبادرة "ترك السلاح"، بعد وقت قليل، من انتخابات مارس الماضي، التي تراجع فيها حزب العدالة والتنمية، إلا إن هذه المبادرة لم تدم في ظل الحسابات الانتخابية، وهو ما ضمن للعدالة والتنمية أصوات القوميين الأتراك. مراهقة المعارضة حاول أحمد داوود أوغلو رئيس حزب العدالة والتنمية، تشكيل الحكومة عقب انتخابات مارس الماضي، لكن أحزاب المعارضة رفضت الموافقة على تشكيل حكومة ائتلافية، فحزب الشعب الجمهوري، الحزب الكمالي ذات الميول اليسارية، رفض الحكومة بسبب السياسات الخارجية وقضايا الفساد وزيادة سلطات أردوغان، وتغوله على الدستور حسب رأي الحزب. أما حزب الحركة القومية، اليميني المتطرف، رفض المشاركة في الحكومة بسبب موقف "العدالة والتنمية" من المصالحة مع الأكراد وسلطات أردوغان. وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، كان خارج الحسبة، ولكن شارك في الحكومة المؤقتة، قبل أن ينسحب منها. الوضع الاقتصادي أدى تردي الوضع الاقتصادي في تركيا، عقب انتخابات مارس، وهبوط سعر صرف الليرة لأرقام قياسية أمام الدولار، بالإضافة إلى تذبذب معاملات البورصة، وتراجع الصادرات، بسبب عدم تشكيل الحكومة، وحال السيولة السياسية التي عانت منها تركيا للخلاف حول تشكيل حكومة ائتلافية، غضب المواطن البسيط. وهو ما ظهر جليا بعد يوم واحد من فوز العدالة والتنمية بالأغلبية، حيث ارتفع سعر صرف الليرة، وزادت مكاسب البورصة. الاستقرار من الطبيعي أن يصوت الناخب التركي، لصاحب أكبر حزب حاصل على عدد مقاعد في البرلمان، حتى يحدث نوعا من الاستقرار السياسي في البلاد، وتكون هناك حكومة منسجمة تسير نحو أهداف متحدة، بعيدا عن السجلات الحزبية، وفي هذه الحالة الحزب هو "العدالة والتنمية". النعرات القومية حاول أردوغان وحزبه استخدام الشعارات القومية والدينية خلال الدعاية الانتخابية، من قبيل أن حزب الشعوب الديمقراطي هو النظير السياسي لحزب العمال الكردستاني، الذي يحارب الجيش والشرطة، وأن شقيق زعيم حزب الشعوب لصلاح ديمرطاش هو قيادي في حزب العمال، هذا من النزعة القومية ليضمن ولاء الأتراك، ومن الناحية الدينية يحاول تصوير حزب الشعب الجمهوري، على إنه حزب الملاحدة وأعداء الدين حتى يكسب أصوات الإسلاميين. الحرب على داعش أعلنت الحكومة التركية الشهر الماضي، الدخول ضمن التحالف الدولي الذي يحارب داعش في سوريا وبدأت قصف مواقع التنظيم في الرقة والحسكة ودير الزور، وهذا ما يجعله يكسب أصوات بعض القوميين الذين يرون أن الحزب يهاجم الإسلاميين في سوريا. الحكومات الائتلافية المتتبع لتاريخ الحكومات الائتلافية في تركيا، يري أنه في سبعينيات القرن الماضي عرفت تركيا حكومات ائتلافية عديدة٬ لكنها غالبا ما كانت تنتهي بتدخل الجيش٬ وسيطرته على مقاليد الحكم. وكان من أشهر تلك الحالات الانقلاب العسكري الذي وقع في 12 سبتمبر ٬1980 بقيادة كنعان إيفريل٬ وأنهى الحكومة الائتلافية٬ برئاسة سليمان ديميرل٬ في ذلك الوقت. وبعد انتخابات ٬1995 تشكل ائتلاف حكومي بين حزب "الرفاه"٬ بزعامة نجم الدين أربكان٬ وحزب الطريق القويم٬ بزعامة تانسو تشيلر٬ لكنه لم يستمر طويلا٬ حيث أنهي التحالف بانقلاب عسكري "ناعم" في 28 فبراير ٬1997 ثم شكل حزب اليسار الديمقراطي بزعامة بولنت أجاويد حكومة ائتلافية مع حزب العمل القومي وحزب الوطن الأم. وخلال تاريخ تركيا الحديث؛ لم تستمر الحكومة الانتقالية التي شكلها رئيس الوز ارء السابق مسعود يلماز أكثر من 6 أشهر٬ واستمرت حكومة رئيس الوز ارء السابق بولنت أحمد 5 أشهر فقط٬ في حين شكل رئيسا الوز ارء السابقان٬ بولنت أجاويد٬ وكذلك تانسو تشيلر٬ ثلاث حكومات خلال عامين اثنين؛ منها حكومتان تم تشكيلهما خلال شهر واحد هو أكتوبر 1995. الحزب القوي من الطبيعي أن يفوز "العدالة والتنمية" بالانتخابات، لأنه الحزب الأكبر في البلاد، والأكثر استعداد لخوض الانتخابات المبكرة التي جرت بعد 5 أشهر فقط من انتخابات مارس، التي فقد فيها الحزب الأغلبية، كما يبدو أن استراتيجية الحزب منذ مارس كانت تتجهه نحو انتخابات مبكرة وهو ما عمل عليه مبكرا. عقاب المعارضة عاقب الناخب التركي، حزب الحركة القومية، الذي مارس طفولة سياسية؛ برفضه تشكيل حكومة مع العدالة والتنمية أو مع المعارضة "الشعوب الديمقراطي" بالأخص، ورفض كل السيناريوهات المطروحة بعناد أغضب ناخبه الذي عاقبه بحرمانه من نصف أصواته. وأيضا عاقب الناخب التركي اليساري حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، بسبب موقفه الرمادي من حزب العمال الكردستاني -المصنف إرهابيا- ودعوته للحكم الذاتي في جنوبتركيا، فتركه لأصوات بني جلدته الأكراد فقط، وكل هذه الأصوات العقابية ذهبت نحو العدالة والتنمية، لآن حزب الشعب الجمهوري حافظ على كتلته التصويتية.