في شارع المذبح.. زيادة الأسعار بنسبة 40% و"البتلو" أصابها الجنون و"الحلويات" البديل الأخير أمام المواطنين كانت "سيدة أربعينية" تطيل النظر في فخذة اللحمة الحمراء المعلقة بشارع سوق المذبح بالسيدة زينب، في حي مصر القديمة وتقترب أكثر منها وولدها الرضيع الذي تحمله على كتفها ويصرخ بشدة، فتحاول إسكاته، ثم تسترق السمع إلى الصوت الصادر من مكبر الصوت "المايك" عبر أحد الجزارين وهو ينادي على ذبيحته: "قرب قرب عندنا اللحمة البتلو اللي مفيهاش عضم"، "هنا تباع لحمة الأضاحي"، "لحمة الأهل والحبايب"، فتسأله سيدة أخرى خمسينية: "بكام الكيلو يا حاج"، فيرد: "ب 85 ياست الكل"، فتنصرف السيدة الأولى بخطوات متسارعة إلى بائع آخر. وعلي بعد خطوات من "جزارة البتلو" اقتربت من بائع آخر ل"الكوارع والفشة والممبار" أو ما يعرف ب"فواكه اللحوم" فأخبرها أن الكيلو ب5 جنيهات فقط، فاكتفت منه برجل واحدة، وقبل أن تنصرف وتختفي عن الأنظار وضع أحد المواطنين بعض الجنيهات في جيب صغيرها وهي تنظر إليه في حسرة ممزوجة بالشكر. في العيد الكبير لا صوت يعلو فوق صوت اللحمة.. فهذا عيد اللحمة والأضاحي وروائح الخراف والمواشي تفوح من كل شارع في بر مصر وشرقها وغربها، الكل يسعى نحو نيل رضا ربه وتقديم الأضحية في عيد الأضحي للفقراء والأهل والأصدقاء، فيقيم الشوادر بجوار بيته ويشتري الأضحية واللحمة التي تكفيه وذويه طوال موسم العيد من المجمعات الاستهلاكية ومنافذ بيع اللحوم ومن عند الجزارين. عدد من تلك الشوادر منتشرة في شوارع وميادين القاهرة بالأحياء الراقية والشعبية على حد سواء، رغم قرار محافظ القاهرة بعدم منح تراخيص لإقامة شوادر للحوم لبيعها في الأسواق، مشددًا على رؤساء الأحياء بضرورة منع هذه الشوادر نهائيًا في ظل إقبال الأهالي على شراء اللحوم بدعوى الحفاظ على صحة المواطنين. "الحلويات" البديل الأخير أمام المواطنين في شارع سوق المذبح بمنطقة السيدة زينب الدماء تغرق الطرقات واللحوم معلقة في كل مكان، هنا وهناك، بينما يقوم أحد الجزارين بتشفية "فخذة بتلو" لإحدى الزبائن، يحمل آخر فخذة ثانية ليضعها فوق عربة "سوزوكي" متنقلة لتوصيلها لأحد المستهلكين، ويحاسب صاحب الجزارة بعض الزبائن، ووسط كل ذلك ينادي كل بائع على بضاعته بصوت عال في ظل قلة حركة البيع في يوم وقفة العيد، التي من المفترض أنها تكون الأكثر إقبالًا من قبل المواطنين، ولكن ارتفاع الأسعار بنسبة 40% عن الموسم الماضي، جعلهم يتراجعون عن الشراء. وكما قال أحدهم ويدعى سيد هريدي "الحالة السنة دي زفت ومفيش بيع ولا شراء"، ثم يصمت ويقول: الناس تعبانة، خاصة بعد أن وصل كيلو اللحمة الضاني والكندوز داخل المدبح إلى 85 جنيهًا لتصل إلى المستهلك العادي ب100 جنيهًا، مقارنة ب60 جنيهًا خلال العام الماضي، بينما ارتفع سعر كيلو البتلو إلى 100 جنيه هو الآخر وكذلك الحال بالنسبة لأحشاء الحيوانات أو الحلويات أو ما يعرف باسم "فواكه اللحوم" التي أصابها جنون الأسعار بعد أن كانت البديل أمام الفقراء خلال المواسم والأعياد ارتفعت أسعارها بنسبة 30% وإلى نحو 25 جنيهًا لكيلو الكرشة والفشة وكذلك العكاوي التي ارتفعت إلى 60 جنيهًا والكوارع وصل سعرها إلى 35 جنيهًا ولحمة الرأس تجاوزت ال40 جنيهًا. كما أن معظم اللحوم المتواجدة بسوق المذبح "بتلو" و"مدبوحة براني" أي خارج السلخانة، كما يقول هريدي في ظل غياب رقابة الأطباء البيطريين "اللي الجزارين عاملين لهم شهرية" بحسب تعبيره، ولا يقومون بدورهم كما ينبغي أن يكون، مضيفًا أن ارتفاع أسعار اللحوم يؤثر بصورة كبيرة على الفقراء ممن يفرق معهم الجنيه، ولكن الأغنياء لن يفرق معهم زيادة (15-20) جنيهًا على الكيلو والاثنين. قرار وزاري يحظر ذبح "البتلو" واتفق سيد عبود، صاحب جزارة مع ما ذكره هريدي في أن غالبية اللحوم المتواجدة في الأسواق الشعبية "بتلو" من إناث الماشية، أساس الثروة الحيوانية في مصر والتي يتم ذبحها بتلك الصورة دون أدنى تدخل من الحكومة للحفاظ على تلك الثروة القومية، ومن ثم فإن زيادة الأسعار مرتبطة في الأساس بقلة إنتاجنا لها، مطالبا بفتح الأبواب أمام استيراد اللحوم من دول حوض النيل لرخص أسعارها من ناحية وجودتها من ناحية أخرى، مع إعفاءها من الجمارك والضرائب، بقوله "الرخص حلو" ولكن مع طرح هذه اللحوم في الأسواق حية وعدم ذبح الماشية المستوردة على الحدود لأن المستهلك يفقد الثقة فيها بعد ذلك نتيجة رخص أسعارها. فساد لحوم الأضاحي أحد كبار الأطباء البيطرين الذين التقيناهم في المدبح، متحفظًا على ذكر اسمه لم ينكر وجود لحوم مذبوحة خارج المجاذر، ويتم تزييف الختم الخاص بها وهؤلاء يتركزون في الأحياء الشعبية وينتشرون في المحافظات مما يتسبب في فساد تلك اللحوم التي يتم ذبحها بعيدًا عن رقابة وإشراف وزارة الصحة، مضيفًا أنه لابد من تكثيف الإدارة المركزية للصحة العامة للرقابة المشددة على المجاذر ومحلات الجزارة وأسواق بيع اللحوم بمختلف المحافظات لضمان سلامة ما يبيعونه من لحوم للمستهلك. أم محمد أقدم جزاري المدبح "في ناس ما بتشوفش اللحمة دي إلا في العيد".. هكذا ترى أم محمد، تلك السيدة الستينية التي تعمل في المذبح منذ أكثر من 40 عامًا ويعتبرها جزارين المدبح ست ب100 راجل، كانت تجلس على "طشت" ملئ بالكبدة والقلوب لتسترزق منها ولكن ارتفاع الأسعار أثر على "أكل عيشها" هي الأخرى فقالت في أسي: "والله أنا باعذر الناس وسط الغلاء اللي إحنا عايشينه كل يوم ده وهو الواحد مرتبه كام علشان يشتري اللحمة.. النهاردة الغلابة بتعدي عليها وبس ولو اشترت بتدور على الحلويات والحاجات الرخيصة زي الكوارع والرأس والكرشة والفشة والممبار، وفي الأعياد بيعتمدوا على الهدايا من اللحوم عبر الأهل والأقارب والجيران وبتوع الانتخابات"، بحسب تعبيرها. كسر موجة الغلاء وفي محاولة لكسر موجة الغلاء الفاحشة في أسعار اللحوم أقامت وزارة الزراعة منفذًا أمام الباب الرئيسي لكلية الزراعة بجامعة عين شمس لبيع اللحوم البلدي الطازجة بأسعار مناسبة ومدعمة، حيث يباع كيلو اللحم الكندوز ب50 جنيهًا وكيلو البتلو ب56 جنيهًا، بالإضافة إلى كافة منتجات اللحوم الأخرى، والتي تباع أيضًا بأسعار مخفضة، ولذلك يتزايد إقبال المواطنين عليها بشكل كبير عن المجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين والمنتشرة في مختلف ميادين القاهرة والتي لا تختلف كثيرا عن أسعار الجزارين والمحلات الكبرى لبيع منتجات اللحوم البلدي والمستوردة، وإن كان بعض المواطنين في الأحياء الراقية يلجأون إليها في أحيان كثيرة، تضامنا مع حملة "بلاها لحمة" لمقاطعة الجزارين في ظل انتشار المعارض التابعة لوزارة التموين وشوادر اللحوم خلال الشهور الماضية بعد الارتفاع الجنوني الصارخ للأسعار. وفي تلك المجمعات تبدأ أسعار اللحوم من 40 جنيهًا للحوم السودانية وتصل إلى 57 جنيها للحوم من أرجواى وأستراليا". * * * * * * * * * * *