وسط ما مرت به الدعوة السلفية من توترات وأزمات نتيجة الخوف من تغير منهجها، وما تركته خلف جدرانها من خفايا وأسرار لا يعلمها غير من اكتوى بنار«الدعوة»، تسلط "التحرير" الضوء على كيفية إدارة الدعوة السلفية من الداخل وتعاملها مع أبنائها، لاسيما أن بعضهم قرر إما ترك العمل داخلها والرحيل في صمت، أو التفرغ للهجوم على من حصلوا على صك التحكم في مسار الدعوة. لا يختلف الحال كثيرا عند ذراعها السياسي (حزب النور)، الذي تخلص من أصحاب فكرة تأسيسه دون أية مراعاة لما قدموه من أجل بناء قواعد الحزب السلفي وتحويله إلى مظلة لكل السلفيين في المرحلة الأولى من تكوينه. تأثرت الدعوة السلفية بشكل واضح بعد قرار مجلس إدارة الدعوة السلفية بتأسيس حزب يمثل الذراع السياسية لها، لم تلتفت الدعوة حينها إلى الرسالة التي قدمها الشيخ أحمد النقيب أحد أهم الرموز السلفية، عندما طالب السلفيين بعدم الانخراط في الحياة السياسية، وهو ما عرضه إلى هجوم حاد من بعض مؤسسي الدعوة السلفية، معتبرين أنه غير صائب ولا يدرك أن إنشاء الأحزاب الإسلامية بعد25 يناير يعد بمثابة انتصار للإسلاميين، لأنه يمنحهم حق الدفاع عن حقوقهم ويعد النقيب أول من دعا السلفيين، الذي دعا إلى عدم الاقتراب من السياسة و عدم هجر البيئة التي تربوا عليها، وعندما علم أنه تم الاتفاق على إنشاء حزب النور تساءل "لمن نترك الدعوة ومن يعلم الناس أمور الدين"، وبدأت الخلافات تعصف بالحزب عندما انقسم إلى جبهتين الأولى كان يرأسها عبد الغفور والثانية كان يقودها أشرف ثابت، وظهرت الأزمة تزامنا مع إجراء الانتخابات الداخلية للحزب واختلفت الجبهتين في فهم بعض بنود اللائحة الداخلية والعدد القانوني لأعضاء الهيئة العليا، وكان هناك تخوفات من حدوث تزوير في الانتخابات الداخلية لوقف نفوذ عبد الغفور ورفاقه، وأن يمتلك جبهة أشرف ثابت زمام الأمور. عماد عبد الغفور.. المؤسس الذي قُتل غدرا زكته الدعوة السلفية لرئاسة حزب النور، نظرا لأنه صاحب فكرة تأسيس حزب يكون بمثابة الذراع السياسية للدعوة، كان حريصا على تجميع كافة السلفيات داخل بوتقة حزب النور، وهو ما أزعج مشايخ الدعوة بمرور الوقت، وبدأت المحاولات للتخلص منه، بعدما سيطر عدد من أعضاء الحزب على أمانات بعض المحافظات وهم ليسوا من تلاميذ مدرسة الإسكندرية. تمكًن من اقناع الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية بإنشاء حزب سياسي، بعد ذلك تواصل برهامي مع الدكتور هشام أبو النصر، والذي كان يفكر في إنشاء حزب سلفي يمثل سلفية القاهرة، واقنعه بالجلوس مع عبد الغفور لإنشاء حزب سلفي يضم كافة السلفيات. ترأس عبد الغفور حزب النور، وعمل جاهدا على إرساء مبدأ المساواة بين ابنائه، وعندما استشعر بعض مشايخ الدعوة الخطر، بدأت خطة الإنقلاب على عبد الغفور بالدعوة إلى انتخابات داخلية رغم أنف رئيس الحزب، ورغم تدخل بعض العقلاء في الأزمة، انتهت الأمور بانسحاب عبد الغفور من الحزب، والدعوة إلى جمعية عمومبة وانتخاب الدكتور يونس مخيون رئيسا للحزب بالتزكية. هشام أبو النصر.. أول من اقترح إنشاء حزب سلفي قرر الدكتور هشام أبو النصر، الذي استقال من منصب أمين عام حزب النور بالجيزة، الإنعزال التام عن المشهد الدعوى والسياسي، رغم أنه أول من اقترح فكرة تأسيس حزب سلفي، واجبر برهامي على التواصل معه للمشاركة في تأسيس النور هشام أبو النصر تحدث مرة واحدة عن رحلته قبل انعزاله عن المشهد، وقال ل «التحرير»، قمت بالتواصل مع العديد من القيادات في محافظات مختلفة من أجل الاتفاق على انشاء حزب يكون مظلة نستقي منها شرعيتنا ونحافظ فيها على شبابنا خوفا من عودة أمن الدولة إلى سابق عهده فاتفقنا على انشاء الحزب وأوضح، أنه تزامنا مع طرحنا لهذه الفكرة كانت الدعوة السلفية بالإسكندرية تستعد لتأسيس حزب سياسي أخر، وبعد التواصل مع الدكتور ياسر برهامي المرجعية الشرعية لحزب النور علمت منه أن هذا الملف بحوذة الدكتور عماد الدين عبد الغفور فقمت بمقابلته واتفقنا على أن يكون ملف واحد، وركزت جهودي على محافظة الجيزة بينما كان عبد الغفور بمثابة المهندس لهذه العملية وتحولت الجيزة إلى قرية صغيرة حيث التف الشباب السلفي جميعا تحت لواء حزب النور و تحول الحزب من مرحلة القزومة إلى مرحلة العملقة وقال نصا: "اكتشفت بعد العمل السياسي أن التيارات الإسلامية كانت ساترًا وحصنًا منيع لعدم تحقيق مطالب الشباب الثائر، وكان يجب على جميع رجال الدعوة والرموز الدعوية التعلم من الرموز الإسلامية البارزة في أزهى عصورالإسلام الذين لا يمكن أن يدخلوا معهم في مقارنة". وأوضح، أنه على الرغم من حكمتهم غير أنهم لم يتجهوا الى العمل السياسي، لافتا إلى أنه قرر العودة إلى المسجد، وأن التيار السلفي تعرض لنوعان من التحول الأول كان العمل الدعوى إلى السياسي وجاء بناء على ما تقتضيه الظروف والإحساس بالمسؤولية تجاه سد الثغر حيث كنا نعتقد أن دخول السلفيين للسياسة سيؤدي إلى التزام الجميع بثوابت شرعية والاحتفاظ بصحة وسلامة المنهج وكان هدفنا تطبيق الشريعة. وتابع: بعد اقتحامي لمجال السياسة وجدت السياسة تعتمد على الميكيافلية والمراوغة والمداهنة وأحيانا على الكذب وخرجت بنتيجة أن السلفيين كان ينبغي ألا يتجهوا إلى العمل السياسي أبو النصر أكد، أنه ترتب على دخولهم عالم السياسة فقدان بعض المشايخ جزء من هيبتهم وحشمتهم وتجرأ بعض السلفيين على المشايخ و قد تعرضت شخصيا لهذا الامر حيث أدت المشاركة في العمل السياسي مع عدم اكتمال النضج السياسي لدى السلفيين إلى بعض الخلافات التي لم تكن لتنشأ أبدا بين السلفيين. وأشار إلى أن السلفيين لا يمتلكون علم ثقافة الحوار ومعطياته وادبياته وبناء عليه كان قراري الانسحاب من العمل السياسي تماما والعودة الى مجال الدعوة. شهادة أبو النصر جاءت بعد أشهر قليلة من العمل السياسي قبل أن يبتعد سريعا عنه، رغم أنه كان أكثر المشايخ تحسما للدخول في معترك السياسة، لكنه كان من أول الهاربين من جحيم حزب النور. محمود عباس.. صاحب اسم النور على الرغم من أن الشيخ محمود عباس هو صاحب اسم حزب النور إلا أن مصيره لم يختلف عن عبد الغفور وأبو النصر، وابتعد هو الأخر عن الحزب السلفي. كان المقترح الأول لأسم الحزب «قوى السلام المصرى »، واختصاره قسم، ولكن كان كثير من المؤسسين يرفضون هذا الاسم لثقله على اللسان بالإضافة لعدم الربط بينه وبين ( صواريخ قسّام لحماس )، وهو ما دفع عباس إلى إبلاغ الدكتور عماد عبد الغفور رئيس الحزب في ذلك التوقيت، واقترح عمل شورى لاختيار اسم الحزب و تم اقتراح عدد من الأسماء واقترح عباس اسم ( حزب النور ) لعدة أسباب منها، لأنه مكون من اسم واحد ( النور )، ولأنه سهل الحفظ و النطق حتى باللغة الإنجليزية، ولأنه يمكن تصور شعار له سهل، ولأنه يضم تحته المسلم و المسيحى بدون أى تمييز، و لذلك نال أعلى الأصوات. التحق بهذه الأسماء عدد كبير من شخصيات بارزة كان لهم دور كبير في حصول النور على شهرته. الدعوة السلفية تقصي مؤسسيها الدعوة السلفية أصابها نفس الداء، حيث استغنت عن أحد مؤسسيها، وهو الشيخ سعيد عبد العظيم، والذي كان موكلا من قبل الدعوة السلفية بمهمة التأليف بين التيار السلفي ومشايخ السلفيين في كل مكان في مصر حتى يحدث نوعا من التقارب، ورأت الدعوة فيه شخصية تحب هذا الملف لكنه تزامنا مع الأزمة التي وقعت داخل حزب النور وإنقلاب بعض قيادات الحزب على الدكتور عماد الدين عبد الغفور، اشتدت خلافاته مع مشايخ الدعوة ثم بعد ذلك إنضم إلى تأييد مرسى وإعلان موقفه المخالف للتوجه الرسمى للدعوة السلفية. قرر مجلس ادارة الدعوة السلفية انهاء عضويته في الجمعية العمومية للدعوة السلفية، نظرا لأنه لم يعد مؤيدا لقرارات الرسمية للدعوة السلفية. لم يكن هو الوحيد بين مؤسسي الدعوة الذي قرر الابتعاد عنها، إنما التزم الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم أول من فكر في تأسيس الدعوة السلفية منزله، ولم يشارك في مؤتمرات أو اجتماعات للدعوة السلفية، حيث رأى أنه من الأفضل أن ينسحب من المشهد لأنه يعتبر أن ما حدث في 30 يونيو فتنة. وانعزل أيضا عن المشهد الشيخ أحمد حطيبة أحد الستة المؤسسين للدعوة السلفية عن المشهد، وقرر التزام بيته والاقتصار على إلقاء الدروس الدعوية فقط.