يرى البعض أن الأزمة التى نعيشها الآن سببها النخبة، وأنهم من قاموا بالترويج للإخوان والدفاع عنهم، بل وعند انتخابات الإعادة وقفوا جميعا فى خندق وصف د. مرسى، ثم اكتشفوا الحقائق بعد ذلك، وأصبحوا يطالبون بعزله ورحيله وإسقاط نظامه، ولا شك أن ما يقال لحد كبير صحيح، وقد تكون النخبة شاركت سواء بأفعالها أو أقوالها أو سلوكها فى ما حدث، لكن المؤكد أن الوقت قد فات للبكاء على اللبن المسكوب والسعى لجلد الذات، فلم تعد اتهامات متبادلة أو افتراءات متزايدة تجدى، وعلى النخبة أن تصحح أخطاءها من خلال وضع أسس لمواجهة المأزق الحالى، ويخطئ من يظن أن الحل السحرى فى يد الجيش أو أن هناك من سيقوم بخلع د.مرسى لكى يهدى لغيره الحكم أو السلطة.. إذا كنا جادين فى الحديث عن ثورة شعب ورغبة فى حرية وعدالة اجتماعية علينا أن ندرك أن ذلك لا يأتى إلا بالكفاح والنضال ومن خلال أسلوب سلمى وطريق محدد.. المشكلة الحقيقية ليست فى انحياز النخبة إلى الدكتور مرسى فى انتخابات الإعادة أو مساندتها للإخوان من قبل، ولكن الكارثة حاليا أن النخبة غير محددة الأهداف ولا تعرف طريق الخلاص.. علينا أن نعرف أن العمل الثورى حاليا ليس فى إلقاء الطوب أو قذف المولوتوف أو تبادل الضرب، وإنما بوضع خطوات محسوبة ومدروسة وأسس داخلية وخارجية فى تحركات شعبية ومظاهرات سلمية.. لا يمكن أن تتحرك النخبة من خلال اجتماعات غرف مغلقة ومؤتمرات صحفية، بل ينبغى أن تكون هناك رؤية واضحة لما يريده الشعب، وأول تحديد الأهداف أن نعرف هل نحن نريد مواجهة سياسية مع النظام القائم أم أننا رافضون له ونسعى لإسقاطه، وبالتأكيد شتان بين الأمرين، فإذا كنا مستعدين للتحاور والجلوس مع النظام الحالى علينا أن نعلن ذلك، ونحدد على أى أسس سيتم التحاور.. أما إذا كانت الرغبة فى إسقاط النظام لشعور عدد كبير بأن أيدى النظام ملوثة بدماء الشهداء، وأنه نظام قائم على الاستبداد والفاشية، فأعتقد أن أسلوب المواجهة يختلف تماما، ويحتاج إلى توحد كل الأحزاب والتيارات والنقابات وإعادة الثورة إلى الميادين، وهو الطريق القصير ومن دونه تهدر الوقت والجهد.. إرادة الشعب تصنع المعجزات وتحقق المستحيل، المهم أن تحدد الأهداف لكى يتحرك الشعب على أساسها. لا يمكن أن تستمر الأمور بخروج مسيرات تنتهى بضرب وسحل واعتقالات، علينا أن نوقف ذلك من خلال البدء فى الدعوة للمظاهرات فى ميدان التحرير من جديد.. ليس صحيحا أن وجود مظاهرات مليونية بميدان التحرير إضاعة للوقت والجهد، بل على العكس سيكون ردود فعله ضخمة وكبيرة، خصوصا إذا عادت الملايين للاحتشاد مرة أخرى فى التحرير كرمز للثورة المصرية. للأسف الشديد النخبة المصرية تسببت فى إبعاد الشعب المصرى الحقيقى عن ثورته وأهدافها الحقيقية وسلميتها، بعد أن انحرفت بمسار الثورة لتدخل فى مواجهات مع نظام فاشى يسعى للعنف، وأؤكد أن مواجهة مثل هذه الأنظمة لا يأتى إلا بالوسائل السلمية ومن خلال مسيرات ترفع شعار «عيش.. حرية.. كرامة إنسانية».. تلك هى المبادئ التى اهتز لها وجدان العالم وجعل الدول من الشرق إلى الغرب تنبهر بما فعله المصريون.. نحن نسىء لأنفسنا إذا خرجنا عن أهداف ثورتنا.. لا تجعلوا الإخوان يجرونكم إلى معارك فرعية ويدفعون بكم إلى أمور سطحية.. إقالة النائب العام أو الخاص وتغيير الحكومة ومحاكمة وزير داخلية كل ذلك فرعيات.. البداية أن نستعيد روح الثورة التى أظن أن النخبة شاركت فى إغماضها بتحركات خاطئة وأسلوب للأسف أصاب الكل بالإحباط.. لن نفتح فى جرح غائر، ولكن علينا أن نعترف أن الكل أخطأ فى حق هذا الشعب الذى صنع بإرادته المستحيل، وإذا كنا جادين فى مواجهة جماعة منظمة تملك حاليا السلطة والمال وكل أساليب المواجهة فلتكن خطواتنا الأولى عودة للميادين المزدحمة بأبناء الشعب المصرى.. هذه هى خطواتنا نحو النصر..