زينات علوي.. «الرقص أدب».. وأنيس منصور كتب: كيف لا نحترمها.. نعمت المختار: غنت من ألحان بليغ.. ورقصت علي نغم «الموجي» كتب- هيثم عبدالشافي: قد تكون البداية تقاسيم من «نياتي» محترف يؤلمك قليلا، أو دقات رق هادئة تداعب البهجة بداخلك، مع شئ من الاستمتاع بعد أن تتذوق حلاوة المطلع الأول بصوت مطرب شعبي قديم يجيد مد الآهات لحظة دخول راقصة تثق في قدراتها وهي توزع ضحكاتها على الحضور قبل أن تلقي بشالها الشفاف لجوار أحدهما.. هكذا أعتاد المصريون رؤية راقصات أفلام الأبيض والأسود منذ منتصف الأربعينات وحتي اللحظة دون الإلتفات إلى حكايتهن، وهنا لا أقصد اسماء بعينها حضرت الآن ببالك مثل تحية كاريوكا، سامية جمال، نجوي فؤاد أو حتي نعيمة عاكف.. الموضوع أكبر بكثير، والحالة لا تكتمل إلا بالمطرب الشعبي القديم، فالأخير لابد أن يكون حاضرا في الصورة، فبدونه لا تتمايل الراقصة حبا إذا غني للجميل الذي غاب 7 ليالي كاملة، أو تزداد سحرا وتألقا كلما وصف حلاوة الغرام والهوى مثلا. كيتي.. «مالي بيه» كان حظها ناعما بين راقصات جيلها بشكل غريب، كيتي فوتساتى التي لا يليق بها إلا كلمات تدور حول خفة الظل كفتاة إعلانات رشيقة تجذب المشاهد بابتسامتها الساحرة، غنا خلفها أشهر مطربي الأغنية الشعبية في مصر، مثل شفيق جلال، محمد الكحلاوي، محمد قنديل. البداية كانت من عند شفيق جلال، الأخير كان في عامه ال 23 تقريبا لما غنا في حضورها رائعته «آهين وآه» في فيلم «أموال اليتامي» عام1952. الأغنية التي لم تتعد ال 5 دقائق كانت حكاية كاملة بين عاشق يقف بين 6 راقصات وكأنه يبحث عن حبيبته إلي أن تطل «كيتي» وثغرها يبتسم كعادته، هنا مد «شفيق» آهاته وتغزل في رقتها: «آهين وآه آهين/ يا أبو ورد أحمر ع الخدين»، وكلما اقتربت منه كان يذوب ويسألها: «مستهترة بالقلوب ولا الجمال غرك/ ولا انتِ خايفة الغرام يرسا علي برك»..؟!. أما محمد قنديل كان له هو الأخر حكاية مختلفة مع صاحبة الجمال اليوناني في فيلم « ابن ذوات» الذي أخرجه حسن الصيفي عام 1953. أغنية قنديل مشهورة لحد كبير، اسمها «مالي بيه» كتبها الشاعر عبدالوهاب يوسف ولحنها الموسيقار علي فراج، والذي اعتمد بشكل كبير علي آلات الإيقاع إذ يسهل عليك تمييز صوت الرق و«الصاجات» طوال 3 دقائق ونصف هي مدة الأغنية، فالرجل كان يعرف جيدا طبقات صوت «قنديل»، وكذا لم ينس أن «كيتي» تحتاج إلي «مزيكا» تهز روحها أولا. ورغم العتاب الذي لف أغنية «مالي بيه»، إلا أنها جاءت مفعمة بخفة الروح واستقبلت وجع «قنديل» بحركات يغلب عليها «الدلع»، فكان إذ غني «مالي بيه/ الواد الخاين/ مالي بيه» تذهب لجواره وترمي بشالها وكأنه تصل الغرام مجددا فيرد عليها: «روحي قالت لي ده بس كلام والروح يعني هتكدب ليه/ والعين قالت أعيش في ضلام لو حرموني ضي عنيه». الراقصة صاحبة الابتسامة الشهيرة، اسمها كيتي فوتساتى مولودة في 21 أبريل 1927، في الإسكندرية من عائلة يونانية الأصل، وقيل إنها ظلت علي الديانة اليهودية، عاشت وترعرعت في الشوارع المصرية، واكتسبت منها خفة ظل المصريين، وتعلمت الرقص الشرقي وبرعت فيه. كيتي ظهرت في العديد من أفلام الأبيض والأسود، أشهرها كانت أفلامها مع نجم الكوميديا الراحل إسماعيل ياسين، وعلى الرغم من ظهورها في حقبة سيطر عليها عمالقة الرقص الشرقي، إلا أنها نجحت في تطويره، وجعلته فناً عشقه الكثير من محبيها ومتابعيها في السينما، كما تميزت بابتسامتها وضحكتها الساحرة، وتميزت برشاقتها، وقوامها الجميل التي حافظت عليه حتى تركها الفن. فجأة وبعد ما حققته من شهرة ونجاح كممثلة وراقصة في السينما المصرية، هاجرت كيتي مصر، وانقطعت أخبارها، وحينها تردد أنها على علاقة بالموساد الإسرائيلي، وأنها كانت عضوه في شبكة تجسس تعمل لصالح الموساد الإسرائيلي، وعندما تم الكشف عن نشاطها، هربت قبل أن يتم القبض عليها. ما قيل حينها هو أنها هاجرت مصر، بعد أن علمت بالقبض على الفنان السوري إلياس مؤدب، الذي تم التحقيق معه في قضية اتهمته بالانتماء لشبكة تجسس ضد مصر، ومن ثم تم إخلاء سبيله، فترك القاهرة عائداً إلى سوريا بلده الأصلي. رواية أخرى قالت إن الراقصة التي تزوجت من المخرج المصري الراحل حسن الصيفي كانت على علاقة عاطفية بأشهر جواسيس مصر «رفعت الجمال» الشهير ب«رأفت الهجان»، إذ يُقال إنها كانت أول حب في حياة الرجل الذي هز العالم باختراقه لجهاز الموساد الإسرائيلي. هذه الرواية اعتمدت على مذكرات الجاسوس الراحل، والتي كتب فيها أن أول حب في حياته كان لفتاه وصفها بأنها راقصة شابة، مراهقة وطائشة، وتكبره بعام واحد، اسمها «بيتي»، إلا أن بعض الآراء تعتقد أن المقصود هنا هو الراقصة كيتي اليهودية الشابة. الهجان لم يرتبط بالراقصة عاطفياً فقط، وإنما جنسياً أيضاً، إذ أنه قال في مذكراته إنه انتقل للعيش معها، مما أثار غضب شقيقه «لبيب»، وتسبَّب له في مشكلات عائلية عديدة، جعلته يتخلَّى في النهاية عن حبه ل«بيتي»، وعن عمله في السينما بعد أن كان قد قدم ثلاث أفلام سينمائية مع المخرج «بشارة واكيم». نهاية كيتي اختلفت عليها الروايات أيضاً، ففي الوقت الذي أشار البعض إلى أنها رحلت بعد إشاعة اتهامها في شبكة تجسس إلى إسرائيل، وتوفت هناك، أكد البعض أن ما دفعها للهجرة هو قرار وزير القوى العاملة حينها بطرد الراقصات الأجنبيات وإفساح المجال أمام المصريات، الأمر الذي أدى إلى هجرة عشرات الروسيات والعربيات والتركيات من مصر، وكانت من بينهم الراقصة كيتي، بينما كان للفنانة الراحلة مريم فخري الدين رواية أخرى تؤكد أن كل الروايات التى نسجت حول علاقة كيتى بالمخابرات الاسرائيلية مجرد «فبركة» بغرض التشويه لأنها تفردت في لونها ودمجت الرقص الشرقى بالغربي، وأنه لم يحدث أن تعاونت كيتي مع الموساد الإسرائيلي. أما الراقصة نجوى فؤاد قالت في تصريحات لها: « عملت مع كيتى في حفلين أو ثلاثة، كنت صغيرة في الرابعة عشر من عمري وهي كانت في قمة نجوميتها، وما يتردد حول عملها لصالح إسرائيل كذب، فما أعرفه جيدآ أنها أصيبت بمرض السرطان وهي في مصر، وكان على اتصال بها "عرابى" مدير أعمالى وقتها الذي قال لي أنها فضلت أن تموت و تدفن في اليونان مع أهلها وبعد سفرها لم نعلم عنها أي شىء» آخر أفلام كيتي كان «العقل والمال» عام 1965، وشاركها بطولته حسن فايق، توفيق الدقن، مديحه كامل، وغيرهم، وقيل إنها توفت في ثمانينات القرن الماضي. نعمت المختار.. «ست الحلوين» بعيدا عن موهبتها وما قالته عنها أم كلثوم لما وصفتها في أحدى المناسبات ب«سيمفونية الرقص الشرقي»، كانت نعمت المختار تمتلك صوتا مميزا لم يلتفت له إلا الموسيقار الرائع بليغ حمدي، وقتها حضر لحنا شجيا يناسب صوتها، وطلب من الشاعر الكبير عبدالسلام أمين أن يكتب لنعمت كلاما مختلف مفعما ب «الدلال»، وبعد محاولات عدة للاختيار بين أكثر من أغنية وقع اختيار بليغ علي أغنية «من عينيا»، الأخيرة حققت نجاحا باهرا وقتها خاصة أن الكثير من جمهور نعمت لم يكن يعرف حكاية صوتها قبل تجربتها مع بليغ وعبدالسلام أمين. لم يكن لنعمة تجارب أخرى في الغناء إلا استعراض راقص قدمته في فيلم «المشاغب» الذي شاركت فريد شوقي بطولته عام 1965 وأخرجه العبقري نيازي مصطفي، الأغنية اسمها «حب ودوب» كتبها الشاعر الكبير فتحي قورة ولحنها الموسيقار محمود الشريف. البداية الحقيقة ل نعمت المختارة كانت من خلال فيلم «السيرك» عام 1951، إلا أن نجاحها الفني تحقق بشكل كبير بعد مشاركتها في فيلم «حسن ونعيمة» عام 1959. وفي حضور السندريلا سعاد حسني، رقصت نعمت لجوار المطرب الكبير محرم فؤاد، وأضافت روحا يغلب عليها الفلكلور الشعبي طوال أشهر أغاني الفيلم «الحلوة داير شباكها»، «رمش عينه»، والتي كتبها الشاعر مرسي جميل عزيز، ولحنها الموسيقار محمد الموجي. بعد مشاركتها في أول عمل سينمائي مع نعيمة عاكف في «فتاة السيرك»، اثبتت نعمت مختار أنها فنانة متعددة المواهب، فهي راقصة ومطربة وممثلة ومنتجة، عملت في بداية حياتها راقصة، ثم انتقلت إلى السينما، إذ استطاعت أن تنحي الرقص جانبا وتتفرغ للتمثيل، وجسدت بعض الأدوار الصغيرة إلى أن انتجت فيلم "المرأة التي غلبت الشيطان" وشاركت في بطولته، ورغم نجاح وتميز التجربة قررت اعتزال الفن والتفرغ لحياتها الخاصة ولابنها الوحيد محمد. كما كان لها أدوار لا تنسى مثل دور «زنوبة» في "بين القصرين" عام 1962، واستمرت نعمت في التنقل من دور لأخر، إلى أن جاء المخرج حسين كمال ومنحها دور «سنية» في «ثرثرة فوق النيل» سنة 1971، وهو الدور الذي قالت فيه جملتها الشهيرة «رجب حوش صاحبك عني». أما عن زيجات نعمت مختار فقد تزوجت ثلاث مرات، الأولى من المخرج نيازي مصطفى ولم يستمر الزواج أكثر من شهر واحد إذ أحبها المخرج كبير بشدة حتى أنه كان يبكي كطفل أمامها ويقول لها: «أنا خايف يا نعمت تضيعي مني»، ولم يستمر زواجهما أكثر من شهر لأنه مبني على خطأ منذ البداية لأن نيازي كان يكبرها كثيرا وهي كانت صغيرة مبهورة به كمخرج مشهور لكنها لم تتزوجه كنوع من المصلحة لأنها كانت تعامل الناس دون تفكير أو بدون غرض. والزواج الثاني من الفنان محمود المليجي حيث شاركته بطولة فيلم "رجال في العاصفة" إخراج حسام الدين مصطفى، إلا أن الزواج أيضا لم يدم طويلا بسبب جبروت علوية جميل زوجته الأولي التي عرفت بخبر الزواج فأجبرته على طلاقها مثلما فعلت مع سميحة توفيق التي تزوجت المليجي وتم تطليقها منه على يد علوية أيضا، وكان الزواج الأخير من لواء شرطة أحبها كممثلة وأنجبت منه ابنها الوحيد محمد الذي تخرج في كلية السياسة والاقتصاد. وفي 9 نوفمبر 1989 تموت الفنانة نعمت مختار، بعدما غابت عن جمهورها لما يقرب من 15 عام، رحلت وحصيلتها الفنية حوالي 46 فيلم وأربع مسلسلات. زينات علوي.. «الرقص أدب» يكفيها ما كتبه عنها أنيس منصور، الأخير كتب تحت عنوان من « من الذي لا يحترم كاريوكا وزينات؟»: لماذا هذه النظرة إلى الراقصات؟ لأنهن يتعرين ويتثنين ويتكسرن، صورة جنسية لها ذراعان وساقان ونهدان وردفان، ولأنها تكشف ما كان من الواجب تغطيته، ولما حاولت الراقصة سامية جمال أن تدخل تعديلا على الرقص الشرقي لم تعجبنا، فقد كانت ترقص وتجري كالمهرة من أول صالة الكباريه لآخره، وليس هذا هو الرقص الشرقي الذي نعرفه، ولما رأيت في زيورخ العام الماضي فرقة باليه، الفتى الأول إنجليزي والفتاة يابانية، ثم أن هذه الفتاة تتعرى؟! وتعانق الفتى الأول وتقبله؟! وتظهر الابتسامة على وجهها؟ وكل ذلك تعديل وتبديل وتشويه للرقص التقليدي. فلم يعجبني.. ولكن عرفت من الراقصات من أحببت وأعجبت: راقصات الباليه الروسي ابتداء من تمارا تومانوف.. وأوليانوف.. وراتنشكايا.. فقد كان مديرو الأوبرا ووكلاؤهما أصدقائي. وكانت لقاءات حول الهرم وفي ليالي الفيشاوي وفي عشاء خاص.. وكان كلام وسلام وموعد ولقاء في القاهرة وفي موسكو وفي باريس، وحكايات! ولكن عرفت من الراقصات المصريات تحية كاريوكا وزينات علوي. وكاريوكا شخصية انسانية شجاعة.. فقد كانت تساعد الفنانين والفقراء والمرضى. اذكر أنني رافقتها الى قصر العيني حيث أجريت عملية لفنانة متواضعة مريضة، ولم تذهب كاريوكا إلى الكباريه حيث ترقص في تلك الليلة فقد تملكها البكاء، ولم تعد قادرة على أن تمثل الفرفشة! وكان الشيوعيون قد ضحكوا عليها كما فعلوا بسعاد حسني، وكلتاهما لا تعرفان القراءة والكتابة إلا في سن متأخرة، وكانت كاريوكا تتحدث عن جوركي ودستويفسكي وتقارن وتفاضل بين أعمالهما كذا وكذا ولا تحب، وتضايقت منها، وأقنعتها أن تحترم نفسها وتسكت! أما زينات علوي وهي أحسن راقصة مصرية بعد كاريوكا، لأن أداءها سهل وجميل ولا تتبذل في حركاتها، الأهم من كل ذلك موقفها النبيل من عدد من الصحافيين والكتاب الذين فصلهم الرئيس عبد الناصر أنا مثلا رأيتها تزور الشاعر كامل الشناوي، فلما وجدته نائما ظلت جالسة حتى نهض من فراشه، وكان يسهر الليل وينام النهار. وهددت بأن تلقي بنفسها من النافذة إن لم يأخذ هذا المبلغ من المال، وكان بضعة آلاف، واعتذر كامل الشناوي وفوجئنا بأنها فعلا تريد أن ترمي نفسها من الشباك، ثم قبلتنا والدموع في عينيها. وبعد وفاتها، الله يرحمها، جاءتني إحدى قريباتها ومعها خطاب وفي الخطاب فلوس مساعدة منها لفنانة «غلبانة» لا يعرفها أحد، فكيف لا نحترم هذا الطراز من الفنانات؟!