الرسالة بدت واضحة مهما اختلفت التفسيرات والتبريرات حول ما قررته واشنطن بسحبها صواريخ «باتريوت» من تركيا. إذ ذُكر أن طبيعة المخاطر تغيرت. كما أشير إلى أن أولويات المواجهة تبدلت. وتم تأكيد أن سوريا لم تعد كما كانت (وكما يبدو) تمثل تهديدا لجارتها فى الشمال بصواريخها من طراز «سكود». وحسب ما قاله جيف ديفيس، متحدثا باسم البنتاجون، فإن «حسابات وتقديرات التهديدات السورية تغيرت إلى حد ما عما كانت عليه عام 2013» و«نحن نرى أن نظام الأسد يزداد ضعفا، وأنه قام بإطلاق أغلبية ما لديه من مخزون صاروخى على أهداف داخلية». ولم يكشف ديفيس فى تصريحاته للصحفيين تفاصيل ما تبقى من هذا المخزون الصاروخى واكتفى بالقول «رأينا انخفاضًا». وفى سياق متصل حرص جون كيرى المتحدث باسم الخارجية على نفى ما تردد من «غضب تركى» حول هذا الأمر. ودلل على ذلك بقوله: «إن الحوار الذى دار بين واشنطنوأنقرة كان (صريحا جدا) وإنهم (أى الأتراك) فهموا الأسباب التى كانت وراء القرار»، مضيفا فى ما بعد «لا شىء تغير بخصوص التزاماتنا تجاه أمن المنطقة». ما لفت بالطبع انتباه المراقبين هو توقيت هذا القرار، خصوصًا أن واشنطن كما قيل أرجأت الإعلان عن هذا التوجه إلى ما بعد التوصل إلى موافقة تركيا فى نهاية شهر يوليو الماضى على المشاركة فى مواجهة تنظيم الدولة داعش. وأيضًا بعد أن سمحت لواشنطن باستخدام مطار «إنجرليك» التركى فى توجيه حملاتها الجوية على «داعش». وقد بدأت الحملات بطائرات «درون» دون طيار ثم جاءت طلعات «إف 16» منذ يوم الأربعاء الماضى. توجد حاليا ست مقاتلات «إف 16» فى مطار «إنجرليك» الذى يقع على بعد 70 ميلا من الحدود السورية. ولا شك أن الظروف التى تغيرت فى سوريا هى التى دفعت إلى اتخاذ القرار الخاص ب«باتريوت». واشنطن ترى أن صواريخ مثل هذه لا يجب أن تكون فى تركيا فى الوقت الحالى. وكانت الولاياتالمتحدة ومعها شركاؤها فى الحلف الأطلسى ألمانيا وإسبانيا قد قاموا بإرسال «باتريوت» فى بداية عام 2013 بعد أن قامت القوات السورية بإسقاط طائرة مقاتلة تركية. وكما هو معروف لم يتم استخدام أى من صواريخ «باتريوت» الموجودة فى تركيا خلال الفترة الماضية. ويرى المراقبون أن ما تقرر بشأن «باتريوت» يأتى فى إطار تطور الشراكة الأمريكية التركية الأمنية العسكرية التى شهدت حراكا وتناميا فى الأسابيع الأخيرة بشكل ملحوظ يعكس كما يقال إدراك الطرفين لضرورة التعامل مع ما يحدث، وسوف يحدث فى سوريا خلال المرحلة المقبلة. إلا أن هذا التطور أو الحراك التركى (وبشكل ملحوظ) أثار بلا شك عديدًا من التساؤلات حول تداعياته وعواقبه.. وحول ما يمكن تسميته ب«حدود المواجهة التركية» ل«الإرهاب» سواء كان إرهابًا داعشيًّا أو كرديًّا (فى توصيف تركيا). وقد حرصت واشنطن فى الفترة الأخيرة على تأكيد القول بأنها تتفهم وتدرك حرص أنقرة على مواجهة الإرهاب والإرهابيبن إلا أنها قالت أيضًا إن لها تحفظات تجاه توسيع دائرة استهداف الأكراد بشكل عام. كما أن واشنطن فى تصريحاتها كررت القول بعدم المساس بوحدة أراضى سوريا. واشنطن بوجه عام ولفترة طال أمدها عندما تتحدث عن ضرورة إيجاد حل سياسى تقول أيضا إن المعادلة السورية فى المستقبل لا يجب أن تشمل بشار الأسد. ولم تفصح الخارجية الأمريكية فى الأيام الماضية -رغم تكرار السؤال بصياغات مختلفة- عما دار ويدور بين واشنطنوموسكو بشأن سوريا. ما يحدث من اتصالات ومشاورات حول احتمالات أو سيناريوهات إيجاد حل سياسى للأزمة السورية ما زال فى «طى الكتمان» وبالطبع فى «طور التكهنات». إلا أنه من المتوقع أن يتم الكشف عن المزيد من التفاصيل فى الأيام المقبلة فى إطار التقارب أو التودد الإيرانى الأمريكى، بالإضافة إلى دبلوماسية «لافروف - كيرى» الساعية إلى تخفيف التوتر بين موسكووواشنطن وإيجاد السبل للخروج من المأزق الحالى. لم تعد منطقة الشرق الأوسط كما كانت من قبل، وبالتالى يذكر البعض أن أى محاولة للرجوع إلى ما كان مهما كانت النيات والتصريحات أمر «غير منطقى» بل مستحيل تحقيقه فى المستقبل القريب أو حتى البعيد.