في الوقت الذى استجابت فيه الحكومة لمطالب الصحفيين فى حذف عقوبة الحبس سنتين لنشر الأخبار المخالفة للبيانات الرسمية من مسودة قانون مكافحة الإرهاب، جاء القانون الجديد متضمنا عقوبتين تزيد وطأتهما على الحبس وتقييد الحرية، وتتمثلان فى غرامة تتراوح ما بين 200 ألف و500 ألف جنيه، إلى جانب عقوبة الحرمان من مزاولة المهنة، وهو ما أثار حفيظة الصحفيين، الذين اعتبروا أن المادة 35 ستكون سببا فى الطعن بعدم دستورية القانون، وأنها مخالفة لنصوص الدستور وقانون الصحافة. المستشار محمد عطية، وزير شؤون مجلسى الشعب والشورى الأسبق ورئيس الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع الأسبق، قال ل«التحرير» إن المادة 35 من القانون اشترطت وجود قصد جنائى بتوافر الركن المادى والمعنوى للصحفى، وتعمده نشر بيانات مخالفة للحقيقة، ومن ثم فالمادة لا تنفذ على الأخبار التى ينشرها الصحفى قبل إصدار وزارة الدفاع بياناتها الرسمية عن الواقعة. عطية أشار إلى أن المادة 35 من القانون تنص على أن «يعاقب بغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تجاوز 500 ألف جنيه كل من تعمد بأية وسيلة، نشر أو إذاعة أو عرض أو ترويج أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية وقعت داخل البلاد، أو عن العمليات المرتبطة بمكافحتها بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع»، مفسرا أن المحكمة المختصة فى الفصل فى جرائم الإرهاب فى ما يتعلق بجريمة نشر البيانات غير الحقيقية عن الأعمال الإرهابية سيكون أمامها أن تقضى بعقوبة أصلية تتمثل فى الغرامة المالية، إلى جانب عقوبة تبعية تتمثل فى منع الصحفى من مزاولة المهنة مدة لا تزيد على سنة، كما فى الجزء الأخير من نفس المادة الذى ينص على أنه «فى جميع الأحوال، للمحكمة أن تقضى بمنع المحكوم عليه من مزاولة المهنة لمدة لا تزيد على سنة ، إذا وقعت الجريمة إخلالا بأصول مهنته». وأضاف عطية أن المحكمة قد تصدر حكما بتغريم صحفى ما مبلغا لا يزيد على 500 ألف جنيه، إلى جانب حرمانه من عمله لمدة تبدأ من شهر وحتى 12 شهرا، موضحا أن نقابة الصحفيين ستكون هى الجهة المعنية بتنفيذ أحكام القضاء فى هذا الصدد، خصوصا أنها المسؤولة عن الترخيص بمزاولة مهنة الصحافة أو الحرمان منها كذلك. من جهته، قال الكاتب الصحفى جمال فهمى أمين عام لجنة التشريعات الصحفية، إن المادة 35 من قانون مكافحة الإرهاب ستتسبب فى إحالة القانون برمته إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل فى مدى مطابقته للدستور فى أقرب فرصة ممكنة، لافتا إلى أن القائمين على إعداد القانون حرصوا على تضمين القانون تلك المادة المعيبة، رغم أن القوانين الحالية فيها كثير من المواد التى تعالج نشر الأخبار الكاذبة. وأوضح فهمى أن النص على غرامة بمبلغ ضخم يوازى عقوبة السجن فى تخويف الصحفيين، إلا أن خطورة النص تكمن فى تضمنه عقوبة أصلية تتمثل فى الغرامة، إلى جانب عقوبة تبعية أكثر فداحة تتمثل فى الحرمان من العمل، مضيفا أن تلك المادة تحتوى على عيب خطير فى الصياغة، خصوصا أنها تضمنت عقوبة تبعية تتفوق على العقوبة الأصلية، وهو ما يعزز شبهات عدم الدستورية فى القانون. فهمى شدد على أن قانون نقابة الصحفيين رقم 36 لسنة 1970 يمنع النقابة من تنفيذ أحكام القضاء المنصوص عليها فى قانون الإرهاب بحرمان الصحفيين المخالفين من مزاولة المهنة، لأن القانون حدد على سبيل الحصر حالات منع الصحفى عن العمل وقصر إصداره على مجلس التأديب بالنقابة، معتبرا أن قانون مكافحة الإرهاب فى ما تضمنه من تمكين المحاكم الابتدائية من الحكم بحرمان الصحفيين من مزاولة المهنة، يعد اغتصابا لحق دستورى لنقابة الصحفيين فى الترخيص أو منع مزاولة المهنة، قائلا: «إن قانون مكافحة الإرهاب سيعرض على المحكمة الدستورية العليا بسبب المادة 35 مع أول اتهام، يوجه لصحفى بنشر بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية».