بطل الرواية حمل اسم مؤلفها فتحى غانم الذى كان يعمل أيضًا مفتشًا للتحقيقات تظل سيرة وكتابة وحياة الكاتب الراحل الكبير فتحى غانم مثيرة للجدل، وكأنه إحدى شخصيات رواياته التى أمتعت الجماهير على مدى أربعة عقود كاملة، منذ أن أصدر روايته الأولى «الجبل» عام 1959. هذه الرواية التى تعتبر حلقة كاشفة لجزء من حياة فتحى غانم نفسه، فالشخصية الروائية فى الرواية، اختار لها اسم «فتحى غانم» نفسه، وهو فى الوقت نفسه يعمل مفتشا للتحقيقات، وذهب إلى أقصى الجنوب، أى مدينة الأقصر، لكى يحقق فى المشروع الذى يعمل على تنفيذه أحد المهندسين المعماريين الكبار، لكن الأهالى القاطنين هناك، يرفضون بقوة، ويقاومون المشروع بضراوة، ومن ثم كانت مهمة المحقق صعبة وشاقة، بين المهندس الغريب، وأهل المنطقة الذين يرون أن التحديث مرفوض تماما، لأنه يقف حائلا بينهم وبين ما احترفوه من التجارة فى الآثار. لم تكن الرواية التى نشرت مسلسلة فى مجلة «روزاليوسف»، هى وحدها المثيرة، بل كانت كتابات غانم الفنية والأدبية والسياسية والفكرية مختلفة عن معظم ما كان يكتب، فهو كان جريئا فى ما يكتب ويقول وينشر، وخاض سلسلة معارك أدبية وفكرية مع عمالقة العصر آنذاك، مثل الدكتور طه حسين، والفنان محمد عبد الوهاب، والناقد محمود أمين العالم، والمبدع عبد الرحمن الخميسى، وهاجمه الخميسى وقال عنه: «إنه ابن ذوات ولا يستطيع أن يفهم ما نكتبه، ولا يقدر أن يدرك ما نشعر به، نحن الذين ندافع عن الطبقات الشعبية الكادحة». وكان من الممكن أن يؤثر فتحى غانم السلامة، ويتجنب تلك الخلافات التى تفقده قدرا كبيرا من الاستقرار، لكنه كان يكتب ما يريد أن يكتبه، لدرجة أنه هاجم إحسان عبد القدوس، وهو يعمل فى المجلة التى يملكها ويرأس تحريرها، لكن فتحى غانم لا يقيم أى حسابات للخارج، عندما يتعارض مع الداخل، ومع أفكاره، وأقصى ما كان يفعله، هو التحايل فى الأسلوب فقط، ويعمل على تخفيف اللهجة. وإذا عجزت الكتابة النثرية عن استيعاب ما يمور ويهدر فى وجدانه، فإن القضايا كانت تتفجر بشكل واسع فى الروايات، هكذا جاءت رواياته «تلك الأيام والأفيال والرجل الذى فقد ظله وبنت من شبرا وأحمد وداود وحكاية تو»، وغيرها من روايات، ولكن تلك الروايات تعرضت لأذى شديد فى حين صدورها فى كتب، وهذا ما حدث للروايات الثلاث الأولى «الجبل والرجل الذى فقد ظله وتلك الأيام»، كما أن روايته «حكاية تو»، التى نشرت مسلسلة فى مجلة «صباح الخير» عام 1974، لم تنشر فى كتاب خاص، إلا سنة 1987، وهذا لأنها تعرضت لملف الحريات فى عصر جمال عبد الناصر، وتناولت قضية التعذيب الشهيرة، والتى انتهت باستشهاد شهدى عطية الشافعى على أيدى حرّاس معتقل أبو زعبل فى 15 يونيو عام 1960. أما رواية «الرجل الذى فقد ظله»، التى يعدها النقاد من أبدع وأهم روايات الأصوات فى مصر، أى الرواية التى تحكى الحدث الواحد من وجهة نظر شخصيات عديدة، وفى «الرجل الذى فقد ظله» هناك أربع شخصيات، منهم شخصية محمد ناجى، وشخصية يوسف عبد الحميد السويفى، وكان غانم ينشر الرواية مسلسلة فى مجلة «صباح الخير»، ولكنه بدأ نشر الحلقات الأخطر فى الرواية، وهى التى تخص شخصية الصحفى يوسف عبد الحميد السويفى، وبدأ نشر ما يخص شخصية يوسف فى 17 أغسطس سنة 1961. ورغم أن فتحى غانم نفى تماما أن تكون تلك الشخصية شبيهة بالكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، فإن حسنين هيكل كان ماثلا أمامه، وهو يكتب الرواية، وعندما كانت الرواية تنشر، ويقرؤها الناس، انتشرت شائعة أن شخصية يوسف الانتهازى والمتسلق، تشبه بشكل أو بآخر شخصية محمد حسنين هيكل، ولكى ينفى غانم تلك الشائعة، قام بزيارة خاصة لهيكل. ويعتبر غانم من أبرع الشخصيات التى تناولت الوسط الصحفى، والشخصيات الصحفية فى أعماله الروائية بشكل عام، وفى «الرجل الذى فقط ظله» و«وزينب والعرش» بشكل خاص، وكانت شخصية يوسف السويفى التى بدأت العمل منذ الأربعينيات فى صحف ومجلات ذلك الزمان، واستطاعت هذه الشخصية أن تتسلق كل الأكتاف التى صادفت رحلتها، وبعد ذلك من الممكن أن يركل تلك الأكتاف ويتنكر لها. ومن بين الشخصيات التى أثارت قدرا من الجدل فى الرواية، شخصية «محمد ناجى»، والتى أشيع أنها شخصية محمد التابعى، الأستاذ المباشر لمحمد حسنين هيكل، وفى الرواية تعلم يوسف السويسى كثيرا من أستاذه محمد ناجى، وتعلم على يديه كل شىء، بداية من كتابة الخبر الصحفى، ثم التحقيق وكتابة المقال، ولم يكتف الأمر بممارسة العمل الصحفى فقط، بل تجاوزه إلى الحياة الاجتماعية والسياسية، ولكن السويفى تجاوز أستاذه، لأنه استطاع أن يتفاعل مع كل السلطات المتنوعة التى عمل معها. وعندما نشرت الرواية تم اختصارها بشكل مخل، وحذف منها نحو مئتين وخمسين صفحة كاملة، وذلك فى النسخة العربية والإنجليزية على السواء، وهذا حدث مع رواية «تلك الأيام» كذلك، التى حذف منها 137 صفحة، أى حدثت مجزرة بالفعل للروايتين، والمدهش أن الحذف تم تحت شعار الظروف الاقتصادية، والأكثر إدهاشا أن الذى حذف من رواية «تلك الأيام» هو الكاتب الراحل إلهامى سيف النصر، والذى كان مديرا لتحرير سلسلة «الكتاب الذهبى» التى صدرت عنه الرواية، والأكثر غرابة أن الأستاذ إلهامى كان من الذين أعتقلوا فى عام 1959 عندما كان منخرطا فى صفوف المطالبين بالحريات. وهكذا الأيام دواليك، وقد أعيد نشر الروايتين كاملتين فى السبعينيات من القرن الماضى.