قال عنه عبدالرحمن الخميسي أنه يكتب قصصاً فاشلة نال غانم قدراً كبيراً من التهميش وشوهت أعماله هاجم غانم عبدالوهاب..واعتبر طه حسين عقبة في طريقة القصة ! صدر مؤخراً على هامش افتتاح ملتقى الرواية العربية الذي استضافته القاهرة منذ أيام، كتاب "وجوه أخرى لفتحي غانم"، جمع وإعداد وتقديم شعبان يوسف. أوضح يوسف في مقدمة الكتاب الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة ، أنه عندما صدر كتاب "مذكرات ثقافة تحتضر" للناقد غالي شكري عام 1970، كان يتضمن حواراً مثيراً مع الكاتب الروائي الصحفي فتحي غانم، وبدأ غالي وصفه لغالي كما يلي: "في مخيلتي كان له وجهان، أحدهما لتلكم الشخصية الهادئة التي تلوح لي كثيراً في أسلوبه وتعبيراته وموضوعاته التي تكاد في همسها إلى أن تصل إلى حدود المونولوج الداخلي، فلم أره يوماً في معركة حادة من معارك الفكر أو الأدب أو السياسة، حتى خلافاته مع الآخرين يكسوها هذا الهدوء الشفاف، لا تصل إلى مستوى "الحوار" إلا في القليل النادر، فمعظم صراعاته – إن وجدت – من طرف واحد لا يشتبك إلا مع كل ما هو عام ومجرد، اشتباكات أقرب ما تكون إلى لغة الاحتجاج المهذب، والتخفظ الوقور، وهي لغة تحيطه بسياج قوي سميك يحول بينه وبين التلاحم المباشر أو الاحتدام العنيف". ويعلق يوسف: لا أعرف ما الذي جعل غالي شكري يكتب ذلك عن فتحي غانم، الذي بدأ حياته بشكل أساسي على المعارك والاحتجاجات والصراعات الثقافية والأدبية العنيفة، ولقد نال قسطاً كبيراً من النقد والتقريع من كثيرين، ومنهم غالي شكري الذي أرسل إليه رسالة تأنيب وعتاب وتهكم، عام 1958 تعقيبا على مقال كتبه غانم عن سلامة موسى بعد رحيله، وفي هذا المقال كتب غانم ما لم يعجب شكري، وكان شكري آنذاك ما زال في بداية حياته الأدبية. معارك غانم العنيفة! يواصل شعبان تحت عنوان "فتحي غانم ذلك الكنز المجهول": وللأمانة أرفق شكري غالي رسالة من فتحي غانم بعد اطلاعه على الحوار، وجاءت الرسالة بتعقيبات كثيرة على بضعة آراء وردت لغالي شكري في الحوار، ومنها تعقيب على المفتتح الذي كتبه غالي، قال غانم فيه: "من المفيد أن أذكر لك بعض المعارك الحادة الأدبية التي خضتها منذ بدأت الكتابة في الصحف. عام 1952 في روز اليوسف في باب "أدب" هاجمت بفرادة الكاتب المبتدئ: أحمد الصاوي محمد، وعبدالرحمن الخميسي، وهاجمني الخميسي في المصري قائلاً: إني "ابن ذوات"! وأكتب قصصاً فاشلة. عام 1954، سلسلة مقالات في آخر ساعة بعنوان "طه حسين عقبة ضخمة في طريق القصة القصيرة"، وقد أدخلتني هذه المقالات في معمعة مع فرقة كبيرة من الكتاب. عام 1955، هاجمت أسلوب محمود أمين العالم في النقد، ورد محمود في روز اليوسف بمقال "فتحي غانم والنقد الأسود"، وكان ذلك في باب للنقد بآخر ساعة عنوانه "أدب وقلة أدب". عام 1955 – 1956، كتبت جملة مشتركة مع الدكتور رشاد رشدي عن كتاب "القصة القصيرة في آخر ساعة"، وكتب يوسف السباعي عني وعن رشاد رشدي أننا – رشدي وفتحي – ثنائي الأدب ، الراقصتان ليز وتين"! عام 1956، هاجمت قصص عبدالحليم عبدالله، الذي رد بمقال في آخر ساعة "فتحي غانم وفرقة ساعة لقلبك"، وفي نفس العام هاجمت أسلوب نعمان عاشور في القصة، كما هاجمت مضمونها، إنها سلسلة طويلة من المعارك التي خضتها أو تورطت فيها، واضح أنك لم تسمع عنها!. ويعلق شعبان يوسف: يبدو أن هذا التقريع الخفيف الذي قام به غانم تجاه غالي شكري، هو طريقته في المعارك دوماً، فهو لا يهتف ولا يصرخ ولا يصيح، ولم يحاول إثارة أي زوابع حوله، والمتابع لمسيرته، فهو لم يكن منتمياً إلى جماعة أو شلة أو تيار أو اتجاه أيديولوجي ينظر له، وكان المغني الأعظم خارج كل الأسراب السياسية والثقافية، رغم أنه كان يكتب بغزارة، وفي مجالات شتى، في الفن والسياسة والأدب والثقافة بشكل عام، ولأنه لم يكن منتمياً إلى جماعة سياسية، فقد حصل على قدر كبير من التهميش والعنت في التهميش. يغرد خارج السرب يوضح شعبان يوسف أن فتحي غانم نال قسطاً كبيراً من التهميش، ليس التهميش والتجاهل فحسب بل كذلك تغليظ التهميش الذي وصل إلى حالات الأذى، وهذه الضريبة يدفعها كل كاتب أو فنان أو أديب أراد أن يكون مستقلاً إلا عن قلمه، بل إنه كان يخوض معاركه في هدوء، وعندما هاجم إحدى روايات إحسان عبدالقدوس، منعه إحسان من الكتابة في روز اليوسف، وهنا تدخلت السيدة العظيمة فاطمة اليوسف، وأعادته كاتباً مرة أخرى في المجلة. ولم تكن معارك غانم على المستوى الأدبي والثقافي فقط، بل كانت على المستوى الفني، ففي باب "للفن فقط"، كتب عشرات المقالات في السينما والمسرح والفن الشعبي والرقص والباليه، وكتب عن الفنانين أنفسهم عبدالحليم حافظ، وفاتن حمامة، ومحمد الموجي وغيرهم، وهاجم كثيراً منهم، وعندما امتدح البعض دمج الفنون المصرية السورية في أشكال موحدة، تبعية للقرارات السياسية العلوية التي اتخذتها الدولة تجاه مسألة الوحدة السورية المصرية، دافع فتحي غانم عن استقلال الفنون واستقلال الثقافة عن القرارات السياسية. لكل هذا ولغيره كما يشير يوسف، كان فتحي غانم مستبعدا، ويعيش حالة أشبه بالنفي الأدبي والإبداعي، رغم أنه حاز كل المناصب القيادية في عالم الصحافة، بداية من كاتب صحفي صغير يكتب في موضوعات نسائية تخص جمال المرأة وزينتها والماكياج والموضة والطب والعلاج وحالات الحمل والولادة والرضاعة، وكان يضع توقيعاً مراوغاً "إخصائية جمال"، إلى كاتب صحفي في مجلات روز اليوسف وصباح الخير، ثم رئيساً لتحرير مجلة صباح الخير، وبعد ذلك عمل رئيس مجلس إدارة وكالة أنباء الشرق الأوسط، ورغم كل ذلك فإنه كان مستبعداً. ويشير يوسف إلى أن هناك وقائع عديدة وضخمة في حياته الأدبية والثقافية تشير لذلك، منها ما يتعلق بروايته "تلك الأيام"، التي نشرها مسلسلة في مجلة روز اليوسف اعتباراً من 15 إبريل 1963، ولم تصدر إلا في عام 1966 عن المؤسسة نفسها في سلسلة الكتاب الذهبي، وتم حذف ما يزيد عن مئة وثلاثين صفحة من الرواية، إنها واقعة مهولة، ولو حدثت في مثل هذه الأيام لقامت الدنيا كلها لتتهم وتشجب وتدين وتحتج، ولكن فتحي غانم لم يتكلم، إيماناً بأن الذي يريد أن يعود للنص الكامل فهو موجود في المجلة نفسها كاملاً، وبالفعل ظلت الرواية موجودة بهذه الصيغة لأكثر من ست سنوات، حتى نشرت مرة أخرى في سبتمبر عام 1972، دون الإشارة إلى ما حدث من قبل. وجدير بالذكر أن فتحي غانم نفسه لم يثر حكاية الرواية على هذا النحو إلا عندما جاءت مستعربة سويدية، وهي مارينا ستاج، وحصلت منه على حديث، أفصح فيه عن ما حدث للرواية، وكان مصراً على أن الرقابة هي المسئولة مسئولية كاملة عن هذا الحذف، وليس كما زعم إلهام سيف النصر – مدير التحرير آنذاك – أن الحذف بغرض اقتصادي محض، وهو الذي كان مسئولاً عن هذا الحذف بشكل شبه كامل، وبالتأكيد كما يؤكد صاحب المقدمة أن الكواليس كانت مليئة بقدر من العفن البولسي، والتآمر على فتحي غانم الذي لا ينافق ولا يمدح إلا ما يريد، وهو الذي كان يفضح كل أشكال العوار السياسي في كتاباته الأدبية الكثيرة، ومن يتابع هذه الكتابات سيدرك ذلك تماماً. هذا حدث أيضاً لوراية "الرجل الذي فقد ظله"، وهي نالت نفس المصير الذي لحق برواية "تلك الأيام"، وربما كان الأمر يتعلق بشخصية صحيفة كبيرة، أقصد شخصية محمد حسنين هيكل، والذي كان محل إشاعة أو حقيقىة قد راجت، وهي أن فتحي غانم كان يقصده، وهو يكتب ويرسم شخصية "يوسف عبد الحميد السويفي، ويصور مراحل صعوده الانتهازية، والتي سلك فيها كل الطرق التي تجعله في موقع الصدارة والسلطة والنفوذ. ويؤكد يوسف في ختام المقدمة أنه من المخجل حقاً أن فتحي غانم تعيش كتاباته كل هذا الاستبعاد والتجاهل والتهميش، وربما تكون بعض هذه المختارات المجهولة، بقعة ضوء صغيرة على جزء من عالمه الغائب. شذرات من السيرة الذاتية يورد الكتاب مقالات بقلم فتحي غانم، منها ما كتبه عن فاطمة اليوسف في 14 إبريل عام 1958 قائلاً: أنا عاجز تماماً عن كتابة رثاء، لأنه محاولة لإحياء شئ ميت، ومن تقاليد السيدة روز اليوسف التي هي تقاليد "روز اليوسف" المجلة، التعامل مع الحياة وخلق الآفاق الجديدة للحياة الجديدة، ما هذا الذي يقولون إذاً!، أكثر نساء الدنيا حيوية وأكثرهن قدرة على الخلق والابتكار، وأكثرهن اندفاعاً نحو المستقبل والآفاق الجديدة.. إن هذه الروعة الإنسانية العذبة قد ماتت، لا أصدقهم أين إحسان عبدالقدوس ليقول لي: لا تصدقهم!. إن الذين يقولون إن السيدة العظيمة ماتت، يقولون إن الحب مات والشجاعة مات والثورة على الظلم ماتت، والفن مات، إن في كل ورقة وفي كل سطر وفي كل كلمة وفي كل رسم في هذه المجلة، أثراً من عينيها وابتسامتها وصوتها وأناملها الرقيقة، إلى جانب أفكارها ومشاعرها. كلا لم تمت، ولن تموت ورغم ذلك خارج دار روز اليوسف الآن سرادق كبير. ومن بابه "للفن فقط" نقرأ دفاعه عن المؤلفين، منتقداً تقاضيهم أجوراً زهيدة مقارنة بالملحن والمطرب، قائلاً أن مؤلفي القصص السينمائية ومؤلفي المسرحيات لا تتناسب أجورهم مع ما يحصل عليه الممثلون والممثلات والمخرجون والمصورون. ويوضح قائلاً: مأمون الشناوي يتقاضى عشرة جنيهات على أغنية يكسب عبدالوهاب من تلحينها آلاف الجنيهات، وصلاح جاهين يمشي على قدميه في الشوارع، وليس معه أجر التاكسي، وبيرم التونسي أغانيه تنتشر في كل مكان، وما زال يسكن في حي البغالة ويقضي الصيف في القاهرة، والذين يحولون أشعاره إلى موسيقى وأصوات، يسكنون في الزمالك، لأن بيرم يبيع الأغنية بعشرة جنيهات. والعلاج الصحيح برأي غانم يتم عندما تعترف الدولة أولاً عن طريق أجهزتها التي تتعامل مع المؤلفين بأهمية المؤلف. عبدالحليم يجب أن يغني يقول غانم في مقاله: منذ أسابيع نقلنا إلى القراء مشكلة عبدالحليم التي أثارها عندما أراد أن يظهر في فيلم يمثل فيه دون أن يغني، وقد اختار عبدالحليم قصة "في بيتنا رجل" لإحسان عبدالقدوس وأراد أن يمثل فيها دور محيي الشاب الهادئ الذي يذاكر دروسه، ثم وجد نفسه يتعذب في السجن ويتورط في السياسة. لكن صلاح أبو سيف نصح عبدالحليم بالعدول عن فكرته، لأنه يخشى أن يخيب أمل المتفرجين إذا لم يغن، حتى لو أجاد تمثيل دوره. وسألنا القراء – يواصل غانم - أن يقدموا لنا رأيهم في المشكلة، وأجمعوا على أن عبدالحليم يجب أن يغني في أي فيلم يظهر فيه، وقد اطلع عبدالحليم حافظ على هذه الآراء كلها، وشعر ببعض التردد عندما وجد أن الأغلبية لا توافق على تمثيله بغير غناء!. أحسن الموجود هاجم غانم في مقالته تلك، الموسيقار محمد عبدالوهاب قائلاً أنه قد تربع على عرش الطرب – كما يجمع النقاد – لأنه "أحسن الموجود" فقط!. ويتابع مفنداً رأيه: هناك من يرى أن عبدالوهاب قد بلغ سن اليأس الفني، وأنه لا أمل في أن يخرج عن النطاق الذي رسمه لنفسه حتى الآن، وقد رسم عبدالوهاب خطة لنفسه سار عليها طوال تاريخه الفني، وهي خطة مراقبة الأفكار الموسيقية الجديدة التي تظهر، ثم يتولاها هو بالتحسين والتجميل والزخرفة ويعرضها في رشاقة وذوق. تدخل عبدالوهاب بأستاذيته في الصنعة، فأخرج عشرات الألحان، كلها تجويد وتجميل لما ألفه الطويل والموجي وغيرهما. وكسب عبدالوهاب من خطته هذا أنه أصبح عند جمهور المستمعين "أحسن الموجود"، وظهر أمام الناس وكأنه دائم التجدد والتطور. ولكن عبدالوهاب خسر في نفس الوقت شيئاً خطيراً، خسر فنه الحقيقي، خسر فنه الأصيل، فن عبدالوهاب النابع من قلبه هو، والذي شقي وتعب هو من أجل أن يخلقه. يواصل غانم: كان منطقياً مع خطة عبدالوهاب الفنية أن يلجأ أيضاً إلى أسلوب الاقتباس لا من معاصريه ومواطنيه الفنانين وحسب، بل من الموسيقى العالمية أيضاً. حتى أنني أجزم أنه بعد مائة عام مثلاً سيكتب نقاد الفن عن عبدالوهاب كناشر للموسيقى وكصاحب فضل في تقديم الألوان الموسيقية المختلفة، وتقريبها من ذوق الجماهير، أكثر مما سيكتبون عنه كفنان أصيل.