قبل نحو عام من الآن، وقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وسط حشد من رجاله، مطالبًا بتخفيض مُدة مشروع قناة السويس الجديدة إلى عام واحد فقط من تقديرات مبدئية تشير إلى احتياجه نحو ثلاثة أعوام على الأقل. ومنذ ذلك الحين، عمِل عشرات الآلاف من العمال بالإضافة إلى عشرات الحفارات العملاقة على مدار اليوم دون توقف ليتحقق الإنجاز، إلا أن العبور الجديد للقناة تزامن مع مبالغات في الاحتفال وتقديرات العائد المرجو منها جعل الأمر أشبه بما حدث في مارس الماضي، حينما عقدت مصر مؤتمرًا اقتصاديًا، قدّرت إحدى وسائل الإعلام عوائده بنحو 100 مليار دولار، لم يتحقق منها على أرض الواقع سوى القليل. وإيمانًا من "التحرير" في حق القارئ لمعرفة الأمور دون تضخيم أو تهويل، عمِدت الجريدة إلى أخذ آراء محايدة لعدد من الخبراء الأجانب العالمين بكبريات شركات الأبحاث البحرية العالمية، للوقوف على حقيقة ما تم إنجازه. وقد أجمع جميع من استطلعت التحرير آرائهم على ضخامة العمل الذي تم إنجازه، ولكنهم أكدوا أيضًا على مبالغات جمّة فيما يتعلق بالعوائد المنتظر تحقيقها من القناة الجديدة في ظل ارتباط وثيق الصلة بين عوائد القناة ونمو الاقتصاد وحركة التجارة العالمية. يقول فريد هاونغ، محلّل الاقتصادات الناشئة لمنطقة الشرق الأوسط لدى دويتشه بنك، للتحرير، "ما تم إنجازه عمل ضخم ولكنه لا يمكن أن ينفصل عن توقعات نمو الاقتصاد العالمي التي لا تؤثر بالإيجاب أو بالسلب على حركة التجارة العالمية وبالتالي على المرور بالقناة". ويتابع هونغ، "صندوق النقد قلّل من توقعاته لنوم الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة نحو مرتين من مستويات بلغت نحو 4 بالمائة إلى مستوى يبلغ نحو 3.5 بالمائة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، سينعكس هذا بكل تأكيد على حركة التجارة العالمية". ويضيف محلّل الاقتصادات الناشئة لمنطقة الشرق الأوسط، "ولكن الصورة ليست سلبية لأبعد الحدود، نتحدث في المجمل عن أداء قوي للاقتصاد الأمريكي من المُمكن أن يحيد أثار التراجعات الأخرى لكبرى الاقتصادات العالمية على غرار الصين التي ينتظر أن تحقق أقل معدل نمو لها ب25 عامًا خلال العام الجاري". ويختتم، "دعنا ننظر على المدى الطويل، ما سيحدث مع التعافي الكامل للاقتصاد العالمي من الأزمة التي ألمّت به في العام 2008، هو زيادة حركة التجارة العالمية وبالتالي زيادة عدد السفن المارة بالقناة التي ستجلب المزيد من العملة الصعبة.. سيكون الأمر حينها مختلفًا تمامًا فيما يتعلق بالعوائد المستهدفة". وبالنسبة، إلى ويليام جاكسون، مُحلّل أول لمنطقة الشرق الأوسط لدى كابيتال إيكونوميكس لندن، فإن الإيرادات المتوقعة تحقيقها للقناة الجديدة وثيق الصلة بالمشاريع التنموية التي ستعكف الحكومة على تنفيذها بمنطقة القناة. يقول جاكسون للتحرير، "بالتأكيد إن حركة التجارة العالمية عامل هام في تحديد الإيرادات التي يمكن تحقيقها من القناة الجديدة، ولكن المشاريع التنموية من وجهة نظري هي العامل الأساسي في ظل ضعف حركة التجارة العالمية بالتزامن مع حالة من الركود في الاقتصاد العالمي". ويضيف ويليام،"من وجهة نظري أن المشاريع المتعلقة بالقناة من خدمات لوجيستية للسفن وغيرها من المشاريع كثيفة العمالة هي العنصر الأساسي إذا ما أرادت مصر تحقيق الاستفادة القصوى من ذلك الممر الحيوي... حتى وإن تباطأت حركة السفن بالقناة سيكون هناك طرق أخرى للحصول على الأموال بعيدا عن رفع تعريفة المرور". ويتابع مُحلّل أول منطقة الشرق الأوسط "الحديث عن رغبة رفع عدد السفن المارة إلى 97 سفينة في ذلك التوقيت الصعب الذي يمر به الاقتصاد العالمي يبدو أمرا بالغ الصعوبة، وهو ما يجعل من المشاريع المرتبطة بالقناة الوسيلة البديلة للحصول على الإيرادات". فيما يقول جيمس ماك كورماك، كبير الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط لدى مؤسسة فيتش للتحرير، "المعطيات الحالية للاقتصاد العالمي تؤشر على وجود أزمة من نوعًا ما ستنعكس بكل تأكيد على حركة التجارة العالمية التي نمت بمعدلات متواضعة لا تتخطى 5 بالمائة العام المنصرم وهو ما سينعكس بكل تأكيد على عدد السفن العابرة بالقناة". ويتابع كورماك، "أزمات مختلفة بمنطقة اليورو والصين من شأنها أن تؤثر سلبا على نمو الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة ما سيؤثر بكل تأكيد على حجم التجارة العالمية". ويضيف، "انظر إلى حجم السفن المارة بالقناة حينما كان الاقتصاد العالمي بكامل طاقته قبل الأزمة المالية العالمية وإلى المعدلات الحالية ستعرف أن التعافي الكامل لم يعرف طريقه للاقتصاد الدولي بعد". ويختتم، "على المدى الطويل وإذا ما تم تنفيذ مشروعات محور القناة، فإن المستهدف تحقيقه قد يكون أقل مما قد يتم انجازه.. ولكن الأمر مرهون في نهاية الأمر بحركة التجارة العالمية". وعلى نفس الخطى، يقول أرغون شيكولا، محلل الاقتصادات الناشئة لدى ماكسويل ستامب للتحرير،"هناك نوعًا من المبالغة في الإيرادات المنتظر تحقيقها على الأقل بالوقت الحالي.. فبينما نتحدث الآن يعتصر سوق الأسهم الصينية أزمة حادة بالإضافة إلى أزمة أخرى باليونان تهدد بانفراط عقد منطقة اليورو". ويتابع شيكولا، "دعنا ننظر إلى الجانب الإيجابي وهو المتعلق بالمشروعات المزمع تنفيذها على جانبي القناة، ستخلق تلك المشروعات فرص عمل جديدة وخصوا وإنها ستكون مشروعات كثيفة العمالة ستلعب دورا هاما في دفع مؤشرات الاقتصاد الكلي نحو الأمام". ويضيف، "يتعلق الأمر هنا باجتذاب استثمارات أجنبية جديدة أيضا في قطاعات مختلفة كقطاع بناء السفن والخدمات اللوجيستية المقدمة إليها، فيما يتعلق بعوائد تلك المشروعات على الاقتصاد الكلي فإن الأمر سيكون مبهر بكل تأكيد". وإلى محلل اقتصادي أجنبي آخر وهو ناثان أبوفان محلل العملات لدى "ستاندرد تشارتر" للخدمات المصرفية والمالية في لندن، فأوضح أن القناة الجديدة ستلعب دورًا هامًا على المدى القصير، فيما يتعلق بتوفير العملة الصعبة التي يفتقد إليها الاقتصاد المصري بشدّة في الوقت الحالي، ما سيسهم في استقرار العملة المحلية ويعزز من جاذبية مصر كبيئة مناسبة للاستثمار. ويقول ناثان للتحرير، "بغض النظر عن وجود بعض المبالغة في تقديرات العائد، فإن الأمر الأكيد هنا هو زيادة في موارد الدخل للقناة حتى وإن زاد عدد السفن العابرة بنسبة قبيلة لويس كما هو مستهدف في وقت يفتقر فيه الاقتصاد المصري بشدة للعملة الصعبة وخصوصا الدولار". ويتابع ناثان، "الجدوى الاقتصادية على المدى القصير ستكون جيدة للاقتصاد المصري فيما يتعلق برفد موارد البلاد من العملة الأجنبية". ويضيف أبوفان، "توافر العملة الصعبة سيعطي خيارات متعددة للبنك المركزي للدفاع عن العملة المحلية كما انه سيلعب عنصرا هاما في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد والتي تفتقر مصر إليها بشدة في الوقت الحالي على الأقل". ويختتم، "ما تم انجازه بكل تأكيد هو بارقة أمل لاقتصاد أنهكته الأزمات، الزمن والجودة التي تم تنفيذ المشروع بها مؤشران هامان على قدرة مصر لتنفيذ مشروعات عملاقة يمكنها أن تلعب دورًا رئيسيًا في دفع عجلة النمو الاقتصادي إلى الأمام، من وجهة نظري أن هناك أهداف يمكن تحقيقها بسهولة على المدى القريب وأخرى على المديين المتوسط والبعيد تتعلق بتعظيم عوائد الإيرادات من خلال المشروعات التنموية المزمع تنفيذها حول القناة والتي ستلعب في وقت ما العنصر الهام في تقليل معدلات البطالات وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حينها من الممكن أن نسمع عن معدلات نمو للاقتصاد المصري في خانة العشرات وهو امرا إن حدث سيكون الاقتصاد المصري في مراتب متقدمة فيما يتعلق بالاقتصاديات الناشئة حول العالم ".