دون مقدمات، فإن الوضع الإقليمى شديد التعقيد ولا يجاريه تحرُّك مصرى سريع وسلس. فلا توجد محددات أساسية واضحة للتحرُّك السياسى الخارجى المصرى اللهم إلا بعض الشعارات حول الأمن والسلام والدور الريادى. فبعد نجاح مجموعة ال5+1 فى عقد اتفاق مع إيران نجد أن أنفسنا أمام تطورات إقليمية متصاعدة لا تأثير حقيقيا لنا فيها حتى الآن، والمثل الأمريكى يقول إن لم تكن على الطاولة فأنت على قائمة الطعام، فأخشى ما أخشاه أن نصبح ملعوبًا به فى الواقع ولاعبًا فى الكتب المدرسية والمانشيتات الصحفية المحلية فقط.. الاتفاق يجعل من إيران ديناصورًا إقليميًّا يؤثر على الحركة الاقتصادية العالمية، وهو ما وصفه المحلل السياسى إيان بريمير، مؤلف كتاب الاختيارات الثلاثة لدور أمريكا فى العالم، بتحوُّل إيران إلى السعودية الجديدة بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة. فمن ضمن نتائج الاتفاق هو زيادة إنتاج البترول بمليون برميل يوميًّا، وهو ما سيضعف من الاقتصاد السعودى على المدى المتوسط، كما سيكون تأثيره شديد السلبية على روسيا التى يعتمد 50% من اقتصادها على المنتجات البترولية. من الواضح أن مصر بعيدة عن صراع الريادية فى المنطقة بين إيران والسعودية. فالعلاقة مع السعودية سوف تتأزَّم أكثر مع مرور الوقت لاختلاف المصالح الاستراتيجية بين مصر والسعودية، خصوصًا فى الملفَّين السورى والعراقى، بالإضافة إلى الموقف من تركيا وقطر. كما أن السعودية فى تناقض داخلى مع نفسها بشأن علاقتها ب«داعش»، حيث إن تلك الميليشيات الإرهابية تواجه المد الشيعى فى المنطقة، وهو ما تراه السعودية فى صالحها، ولكنها فى نفس الوقت تخشى من انتشار الإرهاب بسبب خطورته على استقرار الحكم فى المملكة. علاقتنا مع السعودية علاقة صداقة، بالإضافة إلى كونها شديدة الأهمية ويجب الحفاظ عليها، ولكن كيف نمزج بينها وبين التحرُّك السلس مع المستجدات الإقليمية؟ وهل نقوم حاليًّا بدراسة البدائل وبناء علاقات استراتيجية مع اللاعبين الآخرين؟ أما على الصعيد الإفريقى، فحدّث بلا حرج عن خسائرنا السياسية، فها هى مجلة الشؤون الدولية الأمريكية تنشر مقالة بعنوان «الهيمنة الإثيوبية القادمة»، تتحدَّث بانبهار عن النجاح الاقتصادى لإثيوبيا التى وصلت معدلات النمو فيها إلى 7% خلال الأعوام العشرة الماضية، مما انعكس إيجابيًّا على مساعيها للريادة الإفريقية. ورغم المساعى المصرية واتفاق المبادئ الذى وقّعناه منذ عدة أشهر، تبقى التحركات الإثيوبية جادة وناجحة فى إعلاء سيطرتها الإقليمية. فهى تسعى من سد النهضة أن تحل مشكلات دول الجوار بتصدير الكهرباء إليها، كما أنه من أهم الملفات التى تعمل عليها إثيوبيا حاليًّا هو ملف فضّ النزاعات فى المنطقة، ولها دور مؤثّر على مجريات الأمور فى جنوب السودان. فأولويات إثيوبيا هى احتياجات الدول الإفريقية. المنافسة مع إثيوبيا تصب فى صالحها حتى الآن، بسبب انحصار تحركاتنا على تقليل الضرر المتوقع من سد النهضة فقط من خلال وزارة الرى دون رؤية أشمل للصراع حول النفوذ السياسى والاقتصادى فى منطقة حوض النيل المرتبطة عضويًّا بالأمن القومى المصرى. مصر لا يمكن أن تنعزل داخل حدودها، ولذلك فالاشتباك بما يجرى سواء بمحيطها العربى أو الإفريقى ليس خيارًا مطروحًا. وعلى الحكومة أن تدعم إنشاء مراكز فكر لتسهم فى استعادة مصر لمكانتها الإقليمية.