كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الفطر المبارك أعاده الله علينا وعليكم وعلى مصرنا الحبيبة بالخير والبركات ورأيت من واجبى بهذه المناسبة أن أتناول بعض المفاهيم الخاطئة التى ذاعت مؤخرا بربط صوم رمضان والاحتفال بعيد الفطر المبارك بالحضارة المصرية القديمة. فالصوم فى اللغة هو الإمساك عن الشىء، وكان موجودا قبل الإسلام فى الديانتين اليهودية والمسيحية، ولكن اختلف فى مفهومه وتطبيقه عن الإسلام، فصوم رمضان فريضة واجبة وركن من أركان الإسلام الخمسة تكون بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية. ولقد فرض صوم رمضان يوم الاثنين فى الليلة الثانية من شهر شعبان فى السنة الثانية من الهجرة، ولصوم رمضان ميقات محدد يكون إما برؤية الهلال ليلة 30 شعبان وإما بإكمال شعبان ثلاثين يوما إذا لم تتحقق رؤية الهلال، أما فى مصر القديمة فلقد آمن المصريون بوجود إله لهذا الكون تستقر روحه فى تمثاله بالمعبد وتستحضر من خلال الطقوس التى كان يؤديها الكهنة داخله. وكان المصريون يتقربون أحيانا إليه بالامتناع عن بعض مظاهر الحياة التى يختارونها بأنفسهم، وانقسم الامتناع فى مصر القديمة إلى قسمين، حيث كانت فروض الطهارة تتطلب من الكهنة خلال نوبة عملهم فى المعبد والتى تستغرق شهرين كاملين الامتناع عن تناول السمك والثوم والبصل ولحم الماعز وشرب الخمر وجماع النساء، فإذا ما أنهى الكاهن نوبته وعاد إلى حياته المدنية فى إجازة النوبة، والتى تستغرق شهرا كاملا فقد كان يتناول ما يشاء من المحرمات عليه داخل المعبد. أما عوام الناس فكانوا يمتنعون عن تناول بعض أطياب الطعام كاللحم والنبيذ تقربا للإله كنذر يقطعه الإنسان على نفسه لتحقيق طلب معين منه، فإذا ما تحقق طلبه كان يتناول ما يشاء من الطعام والشراب، ولم يكن الامتناع طقسا أو فريضة جمعية يقوم به الناس جميعا كما لم يرتبط بتوقيت أو فترة محددة، بل كان نوعا من التقوى التى يفرضها الإنسان على نفسه وقتما يشاء. كذلك وعلى الرغم من أن المصريين القدماء كانوا يحتفلون بالكثير من الأعياد على مدار العام ويصنعون فيها أطايب الكعك والحلوى التى يعدونها من دقيق القمح والسمن مع عسل النحل والتين والزبيب والبلح، فإن الكعك لم يرتبط بعيد معين فى مصر القديمة أو حتى بالحل من الامتناع، بل لقد ارتبط الكعك فى مصر بعيد الفطر المبارك منذ العصر الإخشيدى، حيث كان من عادة الأمراء والوزراء حشو الكعك بالفستق واللوز وكان الوزير أبو بكر المادرانى يحشو الكعك بالدنانير الذهبية، وأهدى الإمام الليث بن سعد إلى الإمام مالك بن أنس صينية من الكعك المصرى كان حشوها من الذهب، ومع العصر الفاطمى فقد خصص المصريون دارًا بالقرب من المشهد الحسينى عرفت بدار الفطرة لتصنع فيها مختلف أنواع الكعك التى يتم توزيعها على الناس فى العيد ومن يومها فقد ارتبطت صناعة الكعك بعيد الفطر وصارت رمزًا لمصر وتقاليدها عبر الزمان.