إعداد: صلاح لبن وصابر العربى وأحمد سعيد حسانين والسيد سليمان فى الوقت الذى يستعد فيه المصريون لاستقبال عيد الفطر المبارك، فإن الحكومة أرادت أن تقدم «عيدية» مختلفة لأهالى الجيزة، فلا يزال الآلآف من سكان محافظة الجيزة خصوصًا فى مناطق «فيصل والهرم وصفط اللبن»، يبحثون عن نقطة مياه ليستكملوا مسيرتهم فى الحياة. مأساة حقيقية يعيشها سكان هذه المناطق بسبب انقطاع المياه المستمر عن منازلهم، وبعد أن طرق الأهالى أبواب جميع المسؤولين لم يجدوا سبيلًا للخروج من أزمتهم سوى الوقفات الاحتجاجية وقطع الطرق. «التحرير» التقت أهالى تلك المناطق لتنقل المأساة إلى المسؤولين الذين اكتفوا بالتصريحات الوردية.. محمد أبو السعد، شاب ثلاثينى، أحد سكان شارع العروبة المتفرع من المريوطية، قال: «أنا متزوج منذ عامين، وبسبب انقطاع المياه المستمر تركت شقتى، وذهبت للعيش مع أهلى منذ 5 أشهر، فالمأساة تتفاقم منذ فترة ولا حى شغال ولا محافظ شغالة ولا أى حد عايز يحلل الفلوس اللى بياخدها، حتى محافظ الجيزة نايم ولا يشعر بشىء». أبو السعود أكد أن ما يحدث أشبه بالمؤامرة، موضحا أن الأمر تفاقم وتخطى كل الحدود، قائلًا: «اللى يغيظ أنك تلاقى الميه مقطوعة فى شارع والشارع التانى اللى جنبه لا»، مضيفا أنه يجب أن تكون هناك حلول أكثر جدية من الدولة، لأن أهالى المنطقة ضاق بهم الوضع ولا يستطيعون أن يتحملوا أكثر من ذلك». وتساءل أبو السعود: «هل يعقل بعد ثورتين أن نعانى من نفس الأزمة؟». بنبرة يملؤها التهكم يقول محمود حسين، أحد سكان منطقة صفط اللبن: «الحكومة تفعل ما بوسعها ولا توجد أى أزمة، لا يوجد انقطاع متكرر للكهرباء، والمياه موجودة باستمرار، والحياة حلوة»، وبنبرة أكثر جدية وغضبا يواصل محمود حديثه قائلًا: «بالكاد نحصل على الكهرباء والماء فى نفس الوقت، حينما تأتى الكهرباء تنقطع المياه والعكس، والمسؤولون يواجهون الأزمة كل مرة بتصريحات لأن الغلابة مش فى الحسبان على الإطلاق». أما الحاج حسين السيد، 75 عاما، فقال متهكمًا: «من وفرة المياه لدينا سنصدرها فى وقت لاحق إلى المناطق المحيطة بنا، أستحم فى اليوم خمس مرات وكل شىء على ما يرام، هذا ما يريد أى مسؤول فى مصر أن يسمعه باستمرار»، يختتم عم حسين حديثه الساخر قائلًا: «لا أحد يشعر بنا، بالتأكيد لا يعايش أى مسؤول فى بلدنا التجارب المريرة التى نمر بها.. لا ماء وانقطاع متكرر للكهرباء». وفى أثناء جولة ل«التحرير» فى منطقة صفط اللبن، توقفنا أمام مشهد أحد الرجال يقف غاضبا، ويهتف بصوت مرتفع «دى عيشة تقصر العمر». الحاجة شوقية ناصف، 65 عاما، كانت تحمل على رأسها دلوا كبيرا مملوءا عن آخره بالمياه، حصلت عليه من إحدى الطلمبات الحبشية فى المنطقة من أجل تلبية احتياجاتها من الماء الذى لم يعرف طريقًا إلى منزلها منذ نحو ثلاثة أيام. وتقول الحاجة شوقية ل«التحرير»: «منذ ثلاثة أيام وأنا أنزل بصورة يومية إلى الشارع نحو أربع مرات على الأقل من أجل التزود بالمياه اللازمة للطبخ والاستحمام، علمًا بأنى أسكن فى الدور الخامس، وأواجه صعوبات كبيرة فى الصعود والنزول مع خروج معظم أفراد الأسرة إلى العمل منذ الصباح الباكر وعودتهم فى ساعة متأخرة من الليل». وتوجهت السيدة بحديثها إلى الحكومة قائلة: «بدأ صبرنا ينفد لا ماء ولا كهرباء وأسعار مرتفعة، العيشة أصبحت أصعب من ذى قبل». وفى أحد محلات الحلاقة بالمنطقة الشعبية، لم يفتقر المشهد أيضا إلى الكوميديا السوداء، حيث كان هناك شخص واحد داخل المحل لم يستطع أن يكمل حلاقته نتيجة لعدم توافر المياه، بينما ذهب صاحب المحل إلى مكان ما من أجل إحضار المياه اللازمة للانتهاء من زبونه. يقول محمد على (الزبون) وهو شاب فى العقد الثانى من العمر،: «أنا فى انتظار صاحب المحل منذ ما يقرب من ربع ساعة من أجل إحضار بعض المياه لأنتهى من حلاقتى». وبعد 10 دقائق من الحديث مع الزبون حضر صاحب المحل أشرف القاضى، 35 عاما، وقال: «نواجه هذا الأمر منذ أكثر من أسبوع على الرغم من أننا فى الأدوار الأرضية، فإن المياه مقطوعة باستمرار، مما يؤثر على حركة الزبائن فى المحل بدرجة كبيرة، فالمياه ليست موجودة هنا ولا حتى فى منزل الزبون من أجل الاستحمام». بينما قال دسوقى عوضين، أحد سكان حى فيصل، إن انقطاع المياه أصبح بمثابة أمر اعتيادى يومى، قائلًا: «المية بتيجى من 9.30 إلى 10.30 مساء، ثم تنقطع وتعود مرة أخرى من الساعة 3 فجرا حتى الساعة 7.30 صباحًا»، مشيرا إلى أن ما يحدث غير معقول ولا يمكن أن يتحمله بشر على الإطلاق، مستطردا: «مصالحنا توقفت، وبندعى ربنا أنه يخلصنا من رئيس الحى والمحافظ اللى ماعندهمش ضمير». «حرام عليكوووو، والله حرام أنا عندى أطفال، وعلى طول محتاجين ميه، أعمل إيه بس؟ ربنا ينتقم من الظالم والمفترى»، كلمات يملؤها الحزن الممتزج بالغضب قالها محمد يوسف، أحد المواطنين القاطنين بحى الطوابق بفيصل، موضحا أن الوضع ازداد سوءا وتدهورا أكثر مما سبق قائلًا: «استنجدنا كثيرا بالمسؤولين ورؤساء الأحياء والجميع خذلنا، ولم نجد أمامنا سوى الوقفات الاحتجاجية والصراخ بصوت عالٍ لعل أحد يسمعنا». ويضيف يوسف: «ما يحدث يزيد الأمور كارثية»، قائلا «إحنا انتخبنا السيسى علشان يحل مشاكلنا، مش علشان نلاقى أزمة انقطاع مية لسه مستمرة، وكأننا فى القرن الخامس، اللى بيحصل ده حرام، إحنا عايشين على المياه المخزنة والجراكن وده شىء مش طبيعى». ويكمل: «حاولت ألجأ إلى الرئاسة بعد استشارة أحد الأصدقاء، وسؤال الحى أكثر من مرة، وسجلت شكوى على البريد الرئاسى، وقالولى هنتصرف، ورغم ذلك لم يحدث شىء، طب نروح لمين علشان يحل لنا الأزمة؟». الأمر لم يختلف كثيرًا مع الحاج محمد فتح الله، البالغ من العمر 60 عامًا، والذى قابلنا بوجه غاضب، يكاد ينفجر من شدة الغضب جراء انقطاع المياه عن المنطقة، أنه وأبناءه الأربعة باتوا يوزعون الأيام فى ما بينهم من أجل الحصول وتخزين أغراضهم من المياه، قائلا: «بنعمل ورديات ليلية أنا وعيالى علشان نملأ المياه». فتح الله تساءل عن سبب انقطاع المياه عن منازلهم طوال اليوم باستثناء ساعات منتصف الليل وساعات الصباح الأولى، منوها إلى أن هذا الأمر يوضح أن هناك وصلات خاصة بالمياه لمنازلهم، وانقطاع المياه يرجع إلى فشل شركة المياه فى توفير المياه طوال اليوم، مشددا على أنهم ليسوا سكان مناطق عشوائية كما يتم ترويجه من خلال المسؤولين بالدولة وشركة المياه من أجل التنصل من المسؤولية، قائلا: «لو إحنا سكان عشوائيات، وصلات المياه الرئيسية وصلت لحد بيوتنا إزاى؟». مأساة جديدة تعيشها السيدة راضية محمد عبد الله، التى أكدت أنها أرسلت عديدًا من الشكاوى إلى المسؤولين لبحث أسباب الأزمة المستمرة، إلا أن كل هذا لا يوجد له أى إجابة تذكر»، مشيرة إلى أنها فى إحدى المرات القليلة اشتدت فى الحديث بينها وبين أحد العمال المسؤولين عن الرد على شكاوى المواطنين من انقطاع المياه، حينما حاولت الاستفسار عن الشكوى، فرد عليها الموظف: «اعمل إيه يا حاجة ما باليد حيلة وأنا حاسس بيكى، أنا ببعت الشكوى كل يوم وهم المفروض يتحركوا». «وكأننا لسنا فى الحسبان، والغلبان لن يشعر به أحد»، كلمات مقتضبة قالها كمال الوكيل، الشاب الأربعينى، ل«التحرير» وهو يحمل جركن مياه حصل عليه من إحدى الطلمبات بصعوبة، واستطرد كمال: «الدولة تعيش فى وادٍ والغلابة فى وادٍ آخر»، مشيرا إلى أن المسؤولين بالدولة لا يفكرون إلا فى أنفسهم فقط ولا يعنيهم البسطاء. لا أحد من المسؤولين فى منطقة الهرم لديه تصور واضح لحل أزمة انقطاع المياه. «التحرير» نقلت المأساة إلى اللواء إسماعيل عبد الواحد، رئيس حى الهرم، ربما نجد لديه حلًا أو بشرى، وللتعرف على أسباب الأزمة من الأساس فإلى نص الحوار: ■ ما الأسباب الحقيقية وراء انقطاع المياه بصورة مبالغ فيها فى منطقة الهرم؟ - يجب الاعتراف بأن سلوكنا يعد السبب الرئيسى فى أزمة المياه، إذ إن المشكلة تتفاقم وتزداد بمرور الوقت، خصوصا مع ازدياد المخالفات والبناء العشوائى، والأزمة ليست فقط فى المياه وإنما فى الصرف أيضًا، حيث يقوم عدد كبير من المواطنين بالبناء المخالف، وسرقة المياه والانتهاء من الصرف من تلقاء نفسه بطرق غير مطابقة لأى شروط أو مواصفات، وبالتالى فإن هذه المخالفات تنعكس وتتسبب فى تلك الأزمات، وتؤدى إلى مشكلات فى المياه والصرف، علاوة على مَن يقوم برش المياه فى الشارع وغسل السيارات، فسلوكنا له دور رئيسى فى هذه الأزمة، فإذا نظرنا إلى منطقتى الطوابق والمريوطية وهذا المربع من المناطق العشوائية تكتشف أن المياه لا يمكن أن تتوفر لأكثر من 100 ألف مواطن، وهو العدد الذى لم يرتكب مخالفات فى عملية البناء، لكن عدد سكان هذا المربع العشوائى أصبح 500 ألف مواطن، وبالتالى كمية المياه التى كانت متوافرة ل100 ألف مواطن لا يمكن أن تكون متاحة الآن ل500 ألف، وبالتالى فإن هذه المناطق تعانى هذه الفترة. ■ لماذا تفاقمت المشكلة فى هذا التوقيت على وجه الخصوص؟ - كل ما يمكن تأكيده أن الأزمة ستنتهى أواخر شهر أغسطس عندما يتم الانتهاء من محطة أكتوبر واستغلال وصلة ال1000 ميللى، وهو ما سيزيد من كمية المياه فى الهرم 60% وسيمثل فارقا كبيرا، وعندما تصل إلينا هذه الوصلة سيختلف الأمر بشكل كبير. ■ أليست هناك أى حلول سريعة حتى لا يتم استغلال هذه الأزمة؟ - ما حدث من تظاهر ووقفات احتجاجية هو استغلال للأزمة، هم ينفخون فى النار «علشان تولع»، ويوجد مَن يستغل المشكلة من أجل تصعيدها ومطالبة الناس بمشاركتهم فى الوقفات الاحتجاجية. وقطع الطريق الدائرى سلوك مرفوض تماما، لأن مكاتب المسؤولين مفتوحة ويسهل على المواطن العادى مقابلتهم بداية من المحافظ مرورًا بالوزير حتى رئيس الوزراء. ■ كيف تعاملتم مع الأزمة لاحتوائها؟ - تواصلنا مع المسؤولين عن قطاع المياه، من أجل التعامل بشكل فنى مع الأزمة وحل المشكلة بشكل سريع، وعندما وقعت مشكلة وكانت هناك احتجاجات من بعض المواطنين توجه نائب المحافظ إليهم وتحدث معهم عن أن المواطن له دور فى هذه المشكلة، حيث إنه لا بد أن يعلم المواطن أنه مسؤول أيضا، وأنه يجب ترشيد استهلاكهم من المياه، خصوصًا أننا فى وقت بحاجة إلى أن يتحمل الكل فيه المسؤولية. ■ هل يوجد حل بديل للأزمة هذه الفترة؟ - سيارات المياه الآن تصل إلى جميع المناطق ضمن خطة تم وضعها لحل المشكلة، لكن يبدو أن استهلاك المياه فى رمضان بنسب كبيرة تسبب فى تفاقم الأزمة، خصوصا أن ما حدث فى شهر رمضان كان أزمة مفاجئة وعندما تحدثت مع المسؤولين أخبرونى بعدم وجود أى تغييرات أو شىء جديد يتسبب فى أزمة المياه أو تقصير فى كميات المياه. ■ ما الرسالة التى توجهها إلى المواطنين؟ - لا أستطيع أن أقول لشخص يعيش دون مياه «استحمل» فأنا شخصيا مستعد أجلس من غير كهرباء، لكن لست مستعدا للجلوس فى بيتى دون مياه، «وممكن أستحمل حد يقطع الكهرباء لعدة أيام، لكن مش هقدر أستحمل قطع المياه لأنها الحياة». لكن لا بد أن يكون لنا دور فى توفير كميات المياه حتى إذا كان هناك نظام نوبات يتم إعلانها للمواطنين ويتم الالتزام بها، وأن يتم إخبار الناس أن المياه سيتم توفيرها 3 ساعات محددة فى اليوم، وهو ما اتفقنا عليه مع المسؤولين، وتم وضع جدول زمنى محدد سنخطر به الأهالى لتعريفهم بعدد الساعات المحددة لتوفير المياه إلى منازلهم، لكن دعنا نقول إن بعض الناس تستخدم المواتير رغم أن هذه المواتير تستخدم كميات مياه زيادة عن احتياجات المواطن، ويكون سحب المياه أكبر، بالإضافة إلى أن جميع الأبراج المخالفة تستخدم المواتير، وكل هذه الأشياء تجعلنى لا أستطيع القول إن التقصير من قِبل الحكومة فقط، لكن المواطن أيضا له دور فى المشكلة.