عام مضى على دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى للمؤسسات الدينية الكبرى فى مصر «مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف»، بتجديد الخطاب الدينى، عندما صعد الرئيس على منصة الاحتفال بليلة القدر العام الماضى، ليحمّل أصحاب العمامة والجبة والقفطان مسؤولية الانتقال من الحفظ والاستظهار إلى التطبيق العملى لروح الإسلام، مؤكدا أن «هناك من يقتلنا من حفظة القرآن الكريم». خرج السيسى وقتها ليقول للعلماء «إن الأمر أمانة فى أعناقهم فليحملوها». خرج السيسى منذ عام ولم يعلم أن العام الذى يليه، سيقف على نفس المنصة وحال الخطاب الدينى كما هو، بسبب الصراعات التى احتدمت بين المشيخة والوزارة والدعاة. النتيجة كما يؤكد واقع الحال «صفر» كبير. فلم تتجاوز نشاطات الأزهر مؤتمر فى بداية العام، وجه فيه الشيخ الطيب الدعوة لأكثر من 120 عالمًا من 99 دولة -بما فيها الحضور الشيعى والدرزى والبهرى، والإباضى- ليتحدثوا جميعا عن الإرهاب وخطورته وضرورة تجديد الخطاب الدينى، دون نتيجة ظاهرة ثم غابت المشيخة عن مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فى فبراير الماضى بعد خلاف الطيب ومختار جمعة، بسبب رغبة الأزهر فى السيطرة على الأوقاف، وفقا لما أعلنه الوزير. وبدلا من أن ينتظر الرئيس ملفًا بنتائج المؤتمرات والقوافل الدعوية التى تسيرها «الأوقاف» لكل المحافظات، لم يصله سوى أزمات ومشكلات وخلافات، حاول رئيس وزرائه إبراهيم محلب احتواءها. لم يصله أيضا سوى شكاوى ومطالب بوقف برامج بعض الإعلاميين مثل إسلام بحيرى ويوسف الحسينى بحجة الهجوم على الإسلام والرموز الدينية. «التحرير» حاورت 4 من الشخصيات ذوى الانتماءات المختلفة، ممن حضروا جلسات الشيخ الطيب، لإطلاق وثيقة تجديد الخطاب الديني. عباس شومان: سنسمع الجميع.. ونصحح الكلام المنفلت ■ هل ستستمر دعوات الأزهر لتجديد الخطاب الدينى؟ - مسؤولية تجديد الخطاب الدينى ليست للأزهر فقط لكن للمجتمع ككل، أفرادًا ومؤسسات، ومن الطبيعى أن توجه الدعوة لقطاع كبير من المثقفين والمفكرين للإدلاء بآرائهم فى هذه الجلسة، ثم إننا لم نبدأ منذ اليوم عملية تجديد الخطاب الدينى، كما أن الشريعة الإسلامية بها آليات لتجديد الخطاب الدينى، فالنبى فى وقته رفض أحكامًا، ثم فرضها بعد ذلك، وكذلك الصحابة رفضوا جمع السنة ثم بعد ذلك قاموا بجمعها، فالمتغيرات الزمنية تفرض عليك أمورا جديدة، وغياب التطوير فى الدين والتجديد يعنى ضياعه. ■ الرئيس دعا إلى تجديد الخطاب الدينى منذ عام.. لماذا لم تتم الدعوة إلا فى الفترة الحالية؟ - تجديد الخطاب الدينى لا يتم بقرار، أو بحذف المناهج ومصادرة الكتب، فالأزهر منذ فترة كبيرة وتحديدا فى 4 سبتمبر 2013، ونحن نعمل على تجديد الخطاب الدينى. بدأنا بالمحور الأول وهو المناهج الدراسية، وقمنا بتشكيل لجنة من 100 خبير فى التعليم لتنقية وتنقيح مناهج الأزهر فى مختلف القطاعات التعليمية انتهت بالفعل من تعديل المناهج، وستكون مع الطلاب بداية من العام الجديد، كما أن العديد من علماء الأزهر حاولوا تطوير وتنقية المناهج الجامعية، بالإضافة إلى التعاون مع التربية والتعليم لتطوير المناهج الدينية وتنقيتها. أما المحور الثانى فهو التجديد فى طريقة الخطاب والوسائل المناسبة له، وهذا يتم بالتنسيق بين مؤسسات الأزهر ووزارات التعليم والأوقاف والشباب والرياضة والثقافة والإعلام، وهناك بروتوكولات تعاون بين كل هذه الأطراف للوصول إلى نتائج. ■ ولماذا تأخرت إذن دعوة المثقفين للحوار مع الأزهر؟ - غير صحيح، لأننا نعمل وفق آليات عمل محددة، الآن دور لقاء الإعلاميين والمثقفين والمفكرين والفنانين والأدباء ومن لهم ملاحظات على أداء الأزهر، خلال الفترة الماضية. فالمشيخة تريد أن تسمع منهم ملاحظاتهم وتناقشهم فيها. البعض يطالب بنسيان الماضى وإهمال السُّنة، وهذا غير مقبول، ولن نقبل به، لكننا سوف نسمع ونعرض رأينا، وإذا كان هناك كلام غير منضبط سنعمل على تصحيحه. سكينة فؤاد: أؤيد توجيه الدعوة للسلفيين ■ هل كان هناك تواصل مع الدكتور أحمد الطيب قبل بدء الجلسة الأولى من المؤتمر؟ - منذ أن كنا فى الرئاسة وهناك تواصل مستمر مع الدكتور أحمد الطيب وحتى وقت قريب، وهناك مناقشة مستمرة لمسألة تجديد الخطاب الدينى، التى شغلت حيزًا كبيرًا جدا من الجدل الفترة الماضية، كما سبق ودعا الرئيس عبد الفتاح السيسى الأزهر والأوقاف. ما أقصده أن التواصل مع المؤسسات الدينية سواء بشكل رسمى أو غير رسمى لم يتوقف للحظة، وهناك مؤشرات إيجابية كثيرة من الجلسة الأولى. ■ كيف ترين دعوة الدكتور الطيب للمثقفين لمناقشة مسألة تجديد الخطاب؟ - الأزهر بيت الجميع ودعوته للمثقفين بمثابة اعتراف منه بأن قضية تجديد الخطاب الدينى لا يمكن أن تتم بمعزل عن المجتمع لكن يجب إشراك الجميع فيها. ■ هناك حساسية شديدة لدى البعض من فكرة تجديد الخطاب سواء كانوا أزهريين أو مثقفين؟ - الحوار وحده قادر على إذابة أى خلافات. فالدعوة أتت من الأزهر وعلينا أن نتشاور جميعا ونتحاور، كما أن الأزهر يريد تجديدا لا يتناقض مع الدين وثوابته، ونحن أيضا نريد تجديدا ينصف الإنسان وروحه. هناك عبارات قالها الطيب بعنوان: الإسلام والتجديد متلازمان وعملة واحدة، ولا بد من حوار عصرى وإزالة ما يناقض العقل، كما أنه لا يوجد تناقض بين العقل والدين ومن يريد أن يعيدنا لنعيش ل1400 سنة سابقة، فهذا صعب لأن الوضع اختلف. ■ هل يحتاج تجديد الخطاب الدينى إلى وثيقة؟ - الوثيقة هى رؤية عامة وحاكمة للجميع للقضاء على الفوضى فى الحديث حول الموضوع، وأيضا من أجل إعداد الدعاة والأئمة والتواصل مع الواقع، فالقضية ليست صناعة وثيقة، ولكن تحقيق الرسالة المجتمعية وتوصيلها إلى الأئمة والدعاة والمواطنين، وتأكيد مصلحة الإنسان، والأزهر برسائله القوية يريد تحقيق سلام إنسانى بين الجميع وأيضا الوثيقة تعنى أن كتب التراث ليست مقدسة وآراء العلماء كذلك، والباب مفتوح أمام الجميع للعمل والاجتهاد، لكن وفقا لأسس حاكمة. ■ هل أنتِ مع دعوة السلفيين لجلسة تجديد الخطاب الدينى؟ - أنا مع الحوار مع كل الأطياف لنعرف من معنا ومن علينا، وأويد دعوة السلفيين لنعرف تفكيرهم، وهل هم معنا أم لا، حتى لا نكرر خطأ الإخوان، لا بد أن نعرف رأى وفكر كل واحد، وهل مناسب لنا ومناسب لديننا أم لا، حتى لا تتكرر مأساة الإخوان وما نذوقه من عنف وإرهاب، والحوار خير كاشف للوجه الحقيقى للسلفيين وأشجع الأزهر على دعوة السلفيين للحوار بالتأكيد. ناجح إبراهيم: اللقاءات ستذيب الفوارق بين الأزهروالمثقفين ■ كيف ترى دعوة الدكتور أحمد الطيب المثقفين والمفكرين للحوار لتجديد الخطاب الدينى؟ - خطوة هامة تأخرت قليلا لكن الأهم أنها أتت وعلينا أن نعمل بشكل متكامل دون إقصاء، والأزهر معروف أنه يفتح بابه للجميع. لكن علينا أن نفرق بين رغبة الأزهر الجادة فى الحوار، وبين مشكلات وخلافات المثقفين الذين رفضوا دعوات الحضور لمجرد خلافهم مع المشيخة. ■ هل طرح الطيب رؤية خاصة بالمشيخة للخطاب الدينى على الحضور؟ - اللقاء كان تشاوريا ولم يجهز أحد أى رؤية باستثناء بحث لى طبعته وقدمته للجميع فيه رأيى فى المسألة، مستوضحا دور الأزهر فى مرحلة المراجعات الفكرية التى قمنا بها نهاية القرن الماضى. الطيب أراد أن يستمع إلى الجميع. ■ فى نظرك هل يحتاج الخطاب الدينى إلى وثيقة؟ - الوثيقة التى من المفترض إطلاقها هى استرشادية لكل من يريد التجديد فى الدين، وترفض التطرف بشقيه العلمانى الذى يطالب بتعميم الزنا ويهاجم ثوابت الدين وينتقد الأئمة دون علم، وشقه التكفيرى، لذلك فالأمر يحتاج إلى دراسات كبيرة ومراكز بحثية، وعلى الأزهر أن يتبنى هذه المراكز ويفتح الباب لكل المشاركات، فالوثيقة أشبه بمبادئ عامة حول أصول تجديد الخطاب الدينى، والذى يعتبر أشمل وأعم من مجرد الخروج فى 4 صفحات بعد جلسات حوارية. ■ هل هناك رؤية محددة لتطوير الخطاب الدينى من الأزهر؟ - لم يعرض شيخ الأزهر أى شىء. هو أكد رغبة المشيخة فى التواصل مع الجميع وعرض نشاطات الأزهر. ثم ترك المجال مفتوحًا للجميع من أجل الحوار. الأزهر حتى الآن لا يملك رؤية واضحة، لكنه يصر على عدم المساس بالثوابت، ويريد فتح الباب للتطوير على أسس علمية صحيحة. ■ هل لقاءات الأزهر مجدية؟ - بالتأكيد لأنها تذيب الفوارق والحواجز التى يضعها البعض بين الأزهر والمثقفين، وخصوصا بعد موجة الهجوم القاسية التى وجهها بعض منتسبى الثقافة إلى الأزهر. التيار العلمانى كانت يتحامى فى الأزهر وقت وجود الإخوان فى السلطة، وكانوا يذهبون إلى شيخ الأزهر يوميًّا للتودد إليه، لكن حين سقط الإخوان أرادوا إسقاط السلفيين، وبعدها يحاولون إسقاط الأزهر. ■ كيف ترى عدم دعوة الأزهر للسلفيين فى اللقاء؟ - خطأ إدارى سيتم تداركه، وعلى الأزهر أن يدعو السلفيين؛ فهم أكثر من دافعوا عنه خلال الفترة الماضية. ■ ما الذى نحتاج إليه لتجديد الخطاب الدينى؟ - نحتاج إلى بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية جيدة، ولا بد من توافر تعليم جيد لشبابنا الذى يتخرج الكثير منهم دون أن يعرف القراءة ولا الكتابة. يوسف القعيد: دعوة الطيب للمثقفين «شو إعلامى» ■ كيف تقيِّم دعوة مشيخة الأزهر للمثقفين للحوار معهم؟ - الدين الإسلامى لا يعرف الكهنوت، ومن حقنا وحق كل مسلم وغير مسلم الحوار فى الدين، وعرض وجهة نظره لكى نصل فى النهاية إلى نتيجة جيدة. ■ هل هناك ضغوط مورست على الأزهر لعقد الاجتماع؟ - لولا توصيات ودعوة الرئيس السيسى للدكتور الطيب لعقد جلسات استماع وفتح الباب للجميع لطرح رؤيته لما كان لهذا الاجتماع أن يعقد من الأساس. ■ حديثك يعنى أنك لست متحمسًا للدعوة؟ - بالعكس أنا متحمس لكن لا بد من التأكد من سلامة النية، ما رأيته فى اللقاء الأول أن الأمر فوضوى جدا لا رؤية لدى الأزهر، كنت مترددًا فى الذهاب، لكننى أخيرا قررت حين أخبرنى مسؤول الأزهر حضور الدكتور جابر عصفور. ■ حدثنا عن ملاحظاتك حول الاجتماع وغياب وزارة الأوقاف عنه. - غياب الأوقاف، لا أجد حتى الآن سببًا أو تفسيرًا واحدًا لغياب وزارة الأوقاف أو أى من ممثليها فى مؤتمر الأزهر، كيف سيجدد الأزهر الخطاب الدينى؟ بالتأكيد عن طريق الأوقاف ومساجدها، وماذا لو لم تكن الأوقاف من الأساس مدعوة فى الاجتماع؟! الأغرب أيضا غياب الأزهر عن مؤتمر الأوقاف لتجديد الخطاب الدينى قبل جلسة الأزهر، هذا تفسيره الوحيد أن الطرفين متصارعان وهناك خلافات بين الأزهر والأوقاف، فمن أين نأتى بتجديد الخطاب الدينى ورجال الدين يفعلون هذا؟!كما أنى أتساءل لماذا لم تتم دعوة الكنيسة، وقد قلنا سابقا الدين للجميع؟! علينا جميعا أن نشارك لا إقصاء، وكان على الأزهر دعوة الكنيسة. ■ هل هناك صراع بين الأوقاف والأزهر؟ - هناك صراع بين الاثنين وكشف الحساب اقترب، وكل طرف يحاول أن يقول للرئيس أنا هنا، وأنا فعلت وعقدت مؤتمرات وندوات وغير ذلك، والنهاية المحصلة صفر، خلاف بين الطرفين، فشل فى تجديد الخطاب الدينى، فشل فى الرؤية، ولا جديد يقدم للأزمة هنا، هل الرئاسة على علم بما يحدث من الطرفين؟ هل تعرف هذا التلاعب بمصير وطن وشباب وخطر يواجهنا من كل مكان؟ وهل يجدد الخطاب الدينى بالمؤتمرات والندوات والجلسات؟ وهل يكفى لتجديد الخطاب الدينى وثيقة تحمل مبادئ وأفكارًا فقط؟ الغريب أن الطيب ليس واضحا معنا، ففى اليوم التالى للقاء ذهب إلى الرئيس ليقول فعلنا وعقدنا، رغم أنه لم يخبرنا بزيارته للسيسى من الأساس ثم نأتى لنتحدث عن تجديد خطاب دينى؟! ■ هل يحتاج الخطاب الدينى إلى وثيقة؟ - نحتاج إلى تجديد دينى وسياسى واقتصادى واجتماعى فى مجتمع ملىء بالفقر والجهل سنخرج لهم وثيقة ليقرأها هل هذا تجديد خطاب دينى أم ضحك على الشعب؟! نحتاج إلى تجديد فى كل شىء، صراحة الجلسة التى عقدت للشو الإعلامى فقط، لكن لا توجد لا رؤية ولا رغبة حقيقية فى إصلاح أى شىء وأداء المؤسسات الدينية ضعيف وليس على مستوى الأزمة التى نمر بها وعلى الأزهر والدولة مراجعة نفسها وإدراك الأمور قبل تفاقمها.