عقب ثورة يناير، وفى محاول لاحتواء الموقف، قالت الإدارة الأمريكية إنها تعترف بالخطأ الذى ارتكبته فى مصر والعالم العربى حين أعطت تأييدها لأنظمة استبدادية على حساب حرية الشعوب، وحين قبلت أن تطلق يد هذه الأنظمة لتفعل ما تشاء فى مواطنيها مقابل أن تضمن ولاء هذه الأنظمة وتبعيتها الكاملة ومقابل أن تكون إسرائيل آمنة والمصالح الأمريكية مضمونة. اعترفت أمريكا بالخطأ، وقالت إنها ستقف مع آمال الشعوب المتطلعة للحرية وللعدل الاجتماعى ولكرامة الإنسان فى وطنه، وبدأت الوعود بالمساعدة تتوالى من واشنطن ومن حلفائها فى كل مكان. بينما كانت المخططات الحقيقية يجرى تطبيقها، والسياسة المعتمدة تسير فى اتجاه آخر، والدبلوماسية التى تربت فى المخابرات الأمريكية وأشرفت على بناء نموذج الحكم فى باكستان تأتى سفيرة فى القاهرة، ومعها القرار الأمريكى بالدعم الكامل لجماعة الإخوان المسلمين. بعد عامين من الثورة يأتى وزير الخارجية الأمريكى كيرى للقاهرة فى ظرف بالغ الأهمية. الدعم الأمريكى لحكم الإخوان يتواصل رغم الفشل ورغم الجرائم البشعة التى يتم ارتكابها فى حق الشعب الثائر. قنابل الغاز الأمريكية تملأ سماء المدن المصرية، وكل ما تفعله واشنطن هو التأكيد أن الاستخدام الخاطئ لقنابلها ليس مسؤوليتها!! يتساقط عشرات الشهداء ويتم سحل المواطنين واختطافهم وتعذيبهم، وواشنطن تكتفى بنصح أوباما للأخ الرئيس مرسى بأن يكون رئيسا لكل المصريين.. فنفهم لماذا كان الأخ مرسى يكرر فى حديث الفجر إياه أنه «رئيس كل المصريين» بمعدل ثلاث مرات كل دقيقة، حتى يضمن أن واشنطن تسمع، حتى وإن كانت لا ترى جثث الشهداء ولا اختناق الأطفال المواليد فى «الحضانات» بسبب قنابل الغاز التى وصلت إلى المستشفيات!! ومع ذلك فسوف نقول إنه أمر طبيعى أن تختار واشنطن حلفاءها.. لكن عليها أن تدفع ثمن اختيارها!! من حق واشنطن أن تختار حلفاءها ومن الطبيعى أن تدعم من قدم لها الضمانات الكاملة بتنفيذ كل طلباتها.. بدءا من ضمان أمن إسرائيل، وحتى تنفيذ السياسات الاقتصادية التى تجعل مصر رهينة فى يد المانحين والمقرضين والمتربصين لشراء كل شىء.. من المصانع والمرافق، وحتى قناة السويس!! لكن الأمر يصل إلى حد الوقاحة، حين يستبق وزير الخارجية الأمريكى حضوره بموقف معلن بالضغط على «جبهة الإنقاذ» لكى تتراجع عن قرارها بعدم المشاركة فى الانتخابات البرلمانية القادمة!! هذا التدخل المرفوض فى شأن مصرى داخلى هو النتيجة الطبيعية لانبطاح الحكم أمام السياسة الأمريكية، ولاستعداده لتقديم أى شىء من أجل نيل الرضا الأمريكى، ولقرار واشنطن الأساسى بدعم الإخوان المسلمين ومساعدتهم فى سعيهم لإضفاء الشرعية على حكم يفوق فى استبداده النظام الذى سقط. سوف تواصل واشنطن سياستها الداعمة للإخوان، وسوف تواصل الضغوط على قوى المقاومة الوطنية، المعارضة للاستبداد الجديد، والأخطر أنها سوف تواصل المحاولة -التى لم تنجح حتى الآن- لإنتاج النموذج الباكستانى فى مصر، والذى يقوم على تحالف بين المتأسلمين والجيش الباكستانى!! سوف تواصل أمريكا المحاولة ما لم تواجه بالرفض الشعبى القاطع لهذه السياسة، وبالإدانة الكاملة لتدخلها فى الشأن المصرى، وبالتأكيد أن مصر لن تغفر هذه المرة ولن تتسامح مع كل من يقف مع الفاشيين الجدد ضد شعب مصر الذى يقدم أغلى التضحيات ويواجه المؤامرات من هؤلاء الذين يتشدقون بالحديث عن الديمقراطية ثم يدعمون أسوأ أنظمة الاستبداد.. وكأنهم لم يتعلموا الدرس، أو كأنهم يصرون على موقف قديم يعادى كل الأمانى الوطنية للمصريين، ويعتبر أن مصر المستقلة حقيقة، والمالكة لقرارها، والواقفة على أرض صلبة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا هى خطر حقيقى ينبغى مواجهته. كان هذا هو موقف أمريكا على الدوام. أن تبقى مصر تابعة ضعيفة، منكفئة على مشكلاتها الداخلية، لهذا يسعدهم أن تقع مصر تحت سطوة حكم فاشل وفاشى. لكن مصر الثورة قادرة على مواجهة التحدى، وعلى إسقاط الفاشية، وعلى بناء مصر التى نحلم بها، وليست مصر التى يتآمر الأمريكان مع الإخوان على إبقائها فى دائرة التبعية والفقر والاستبداد. فقط على أمريكا أن تدرك أن موقفها المعادى للشعب والداعم للاستبداد، لن يمر هذه المرة دون ثمن!!