كان لافتاً للانتباه في التظاهرات العنيفة التي شهدتها مصر في الذكرى الثانية لثورة يناير، أن تظهر لأول مرة لافتات تندد بموقف الإدارة الأميركية الداعم لحكم الإخوان المسلمين، والذي يتغاضى عن كل الجرائم التي ترتكب في ظل رئاسة الدكتور مرسي وسيطرته مع جماعته على مؤسسات الدولة. لم يعد خافياً الآن الاتصالات القديمة بين الجانبين منذ ما قبل الثورة بسنوات. ولم يعد خافياً أن الإدارة الأميركية، بعد أن حصلت على الضمانات المطلوبة من الإخوان، هي التي شجعتهم على نقض تعهداتهم السابقة مع باقي القوى السياسية، وهي أوعزت لهم بالتقدم بمرشح للرئاسة بعد أن كانوا قد التزموا بأن يدعموا مرشحاً مستقلاً يلقى توافق باقي القوى السياسية. ولم يعد خافياً أن الإدارة الأميركية مارست كل الضغوط على المجلس العسكري ليمهد الطريق أمام وصول الإخوان للسلطة ووصول مرشحهم مرسي لمقعد الرئاسة. الرهان الأميركي على الإخوان لم يقتصر على الإدارة الأميركية وحدها. بل تعزز من خلال الكونغرس الذي يعرف الجميع أن مفاتيحه موجودة في تل أبيب أكثر من واشنطن ثم جاء العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي انتهى باتفاق وقف إطلاق النار برعاية الرئيس مرسي ليعزز الرهان الأميركي، ولتقول واشنطن إن مرسي قد تحول إلى "شريك استراتيجي" لها، وأنها ستساعده سياسياً واقتصادياً، وستدعم طلبه قرض صندوق النقد، وستجعل الحلفاء في تركيا وقطر يسندون، ليتبعهم الاتحاد الأوروبي إذا سارت الأمور كما ينبغي، وإذا ظلت حدود إسرائيل آمنة وظلت "حماس" تحت السيطرة!! لكن ما حدث بعد ذلك كان صادماً بالنسبة للقوى الوطنية في مصر. فقد استند مرسي وجماعته على هذا الموقف الأميركي، ليبدأ فرض هيمنة كاملة بالبطش والاستبداد، وصدر الإعلان غير الدستوري الذي منح فيه نفسه سلطات تجعل منه الحاكم بأمر الله، وتحصن قراراته من الطعن أمام القضاء، وتم حصار المحكمة الدستورية العليا حتى لا تحكم بحل مجلس الشورى كما سبق أن حلت مجلس الشعب، وحتى لا تقضي ببطلان اللجنة التي كانت تعد الدستور تحت سيطرة الإخوان وحلفائهم، وفي غياب باقي القوى الوطنية المصرية. في الذكرى الثانية للثورة احتفل مرسي وجماعته بإسقاط ستين ضحية جديدة وأكثر من ألف مصاب، وبلغ العنف غايته، ومع كل هذا العنف ومآس التعذيب والخطف والقتل، استمر الموقف الأميركي (العلني على الأقل) على تأييده للحكم الإخواني والحديث عن احترام الشرعية والدعوة للحوار، لكن مع وضوح أن الأمر لم يعد حوادث عرضية بل هي منهج حكم، ومع استمرار تساقط الضحايا وانكشاف جرائم التعذيب، ومع ظهور لافتات التنديد بالموقف الأميركي في التظاهرات الأخيرة، اضطرت الإدارة الأميركية لإرسال مساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان فرانك بوزنر إلى القاهرة ليجتمع بممثلي المنظمات المدنية ويتلقى وجهات نظر كانت واضحة في إدانة موقف واشنطن وفي التأكيد أن القوي الوطنية لا تطلب دعم أميركا أو غيرها، ولا تريد حتى موقفاً أميركياً مناهضاً للإخوان، فواشنطن حرة في اختيار مواقفها وتحمل تبعات هذه المواقف. ولكن غير المقبول مطلقاً أن يكون الدم المصري هو ثمن هذا المواقف، وأن تستمر واشنطن في تصريحاتها الداعمة لنظام يرتكب هذه الجرائم، لمجرد أنه يحقق مصالح واشنطن في المنطقة. فلتصمت الإدارة الأميركية إذا كانت لا تريد أن تكون شريكة فيما يحدث!! في نهاية زيارته للقاهرة أطلق المبعوث الأميركي تصريحات حول الاهتمام بحقوق الإنسان وسيادة القانون، داعياً للمشاركة في الانتخابات المقبلة، مؤكداً عدم انحياز أميركا لأحد، ومشيراً إلى استخدام الشرطة للعنف الزائد والتعذيب. ويبدو أن تقارير المبعوث الأميركي كانت قد سبقت إلى واشنطن مع غيرها من تقارير المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، ليفرض الوضع في مصر نفسه على الرئيس الأميركي أوباما في خطاب حالة الاتحاد، ليعلن موقفاً جديداً يؤكد فيه "إننا لا نستطيع الافتراض بأننا سنقوم بإملاء مسار التغيير في دول مثل مصر، لكن نستطيع وسوف نصر على احترام الحقوق الأساسية لكل الناس"، كلام محايد نوعاً ما لا يدخل في التفاصيل لأنه في خطاب موجه بالأساس للداخل، ومع هذا فهو يريد أن يبرئ ساحته من المسؤولية، لكن قد يكون الأهم بالنسبة للموقف الأميركي أن خطاب أوباما، ترافق مع تصريح مثير لسفيرته في القاهرة آن بارتسون التي تواجه في مصر اتهامات بضلوعها في محاولة نقل تجربة باكستان إلى مصر، وذلك بدعم الإخوان وبناء تحالف بينهم وبين الجيش. تقول السفيرة الأميركية في آخر تصريحاتها إن "صندوق الانتخابات ليس كل شيء" في إشارة إلى ما يردده الإخوان من أن نتائج صندوق الانتخابات أوصلت مرسي للرئاسة وتعطيه الحق أن يفعل أي شيء بما فيه "أخونة" مؤسسات الدولة، أو ممارسة العنف ضد المعارضة. ربما تدرك الإدارة الأميركية قبل فوات الأوان- أن مصر غير مستعدة لدفع المزيد من دماء شبابها ثمناً لتحالف أميركا مع الإخوان الذي لم ينتج حتى الآن إلا الفشل والدمار، والذي يضع مصر على أبواب انفجار عاصف لن تسلم من عواقبه أميركا نفسها. نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية