من المؤكد أن باراك أوباما لا يفرق مع أى معارض مصرى ولا تنتظر المعارضة موقف الرئيس الأمريكى ولا قراره إطلاقًا، وتقريبًا لا يشغل بال أحد إلا عندما تتحدث المعارضة عن صفقة الإخوان مع الأمريكان ومدى الدعم الأمريكى لمرسى مقابل رعاية وحماية إسرائيل. وقد أثبت الإخوان أنهم -حتى الآن على الأقل- أكثر حرصًا وأكثر فاعلية فى خدمة إسرائيل من مبارك، وهذا سر الغرام الأمريكى والهيام الإسرائيلى بمحمد مرسى، وهو غرام وهيام يذكِّرنا بالعشق الأمريكى لأسامة بن لادن والمجاهدين الأفغان والعرب، حين كانت أمريكا تدعمهم ضد الاتحاد السوفييتى ثم انقلب المجاهدون إلى إرهابيين، وتحوَّل بن لادن الحليف إلى العدو رقم واحد.
الذى يحرص على أمريكا ورضاها ليس الشعب المصرى، فعلاقته بأمريكا هى أفلامها ومسلسلاتها ووجباتها السريعة. وأتحدى إذا كان هناك مواطن مصرى فى أى قرية يعرف حجم المعونة الأمريكية وأين ذهبت ومتى يزور مرسى البيت الأبيض.
إذن، مَن الذى تسكُن أمريكا كل مواقفه وتعيش وتعشش فى صناعة قراراته؟
إنه الجيش.
والإخوان.
يرتبط الجيش المصرى بعلاقة وثيقة ومتينة مع الأمريكان، ويعتمد اعتمادًا شبه كامل على أسلحة الأمريكان وقِطع غيارها وصيانتها وتدريب ضباطنا، وليس غريبًا -والوضع كذلك- أن جميع قيادات الصف الأول فى الجيش المصرى فى الوقت الحالى ممن سافروا إلى أمريكا فى بعثات ودورات ولقاءات مع الجانب الأمريكى، بعضها استمر شهورًا وبعضها أسابيع.
إذن، قرار الجيش العسكرى والسياسى لا بد أن يضع فى حسابه رغبة وإرادة أمريكا.
وعندما نتأمل موقف الجيش من مبارك فى الثمانية عشر يومًا وموقفه من الإخوان وتمكينهم من مقاليد مصر، لا بد وأن نتأكد أن الأمريكان لعبوا دورًا مباشرًا وغير مباشر فى كل ما فعله الجيش، ويكفى أن نؤكد، على سبيل اليقين القاطع، أن الأمريكان كانوا مطَّلعين على قرار الإطاحة بطنطاوى وعنان، وكانوا يعرفون الاسم الذى سوف يعيِّنه مرسى قبل أن يعرف السيسى نفسه، وبالطبع قبل أن يفاجئ طنطاوى وعنان.
أما الإخوان، فإنهم لا يفعلون فعلًا ولا يقررون قرارًا إلا بعد ضمان رد فعل الأمريكان.
أولًا: الأمريكان يملكون علاقة وثيقة متينة مع الجيش، والجيش قادر على تعكير وإفشال تمكين الإخوان.
ثانيًا: الإخوان يحتاجون إلى رعاية دولية تُفسح لهم مساحة فى المنطقة العربية.
ثالثًا: «الإخوان» تخشى إسرائيل وتحركاتها، فلا بد من وجود المحلل لهذه الزيجة.
رابعًا: الإخوان يعتمدون بمنتهى الإخلاص والحماقة على النظام الرأسمالى المتوحش فى الاقتصاد، وهم كذلك فاشلون وعاجزون عن بناء اقتصاد مصرى حر ومستقل عن التبعية، ولهذا فإن البنك الدولى وصندوق النقد هما شريعة وشرع الإخوان الاقتصادى، ومن ثَم فإن موقف أمريكا، باعتبارها المالك المطلق لقرار هذه الهيئات المالية، مهم، بل وشريان حياة الإخوان.
على الناحية الأخرى، فالمعارضة المصرية فى معظمها ذات حس يسارى وناصرى ضد أمريكا، فضلًا عن جناحها الليبرالى، يتزعمه الدكتور البرادعى، وهو مكروه من السياسة الأمريكية، حيث عرفوا واختبروا استقلاله، كما أن معظم نشطاء المنظمات الحقوقية المناهضة للسياسة الإخوانية يرفضون التعامل تمامًا مع المعونة الأمريكية كطريقة لتمويل أنشطتهم. ثم إن علاقة هذه المنظمات بالمجتمع الأهلى الأمريكى والأوروبى أقوى كثيرًا من علاقتها بالحكومات، ويكفى أن نتذكَّر رفض الحقوقيين مقابلة كلينتون فى زيارتها الأخيرة إلى مصر، اعتراضًا على دعم أمريكا للإخوان.
أوباما لا يهم أحدًا فى مصر إلا الجيش ومرسى وجماعته.