بفارق اربعة اصوات فقط وبعد ثماني سنوات من توليه منصب الامانة العامة للحزب الحاكم في الجزائر، خسر عبد العزيز بلخادم الذي يعتبر من الجناح المحافظ في جبهة التحرير الوطني الخميس منصبه اثر تصويت على الثقة في اللجنة المركزية في ذروة صراع مستمر منذ اشهر مع تيار يعتبر اصلاحيا. وايد 160 عضوا في اللجنة المركزية لجبهة التحرير، وهي اعلى سلطة في الحزب، سحب الثقة من بلخادم في حين صوت 156 لصالح تجديد الثقة به امينا عاما للحزب. وسجلت سبع بطاقات ملغاة. واقر عبد العزيز بلخادم (67 عاما) على الفور بهزيمته. وقال في تصريحات بعيد اعلان النتائج «انتصرت لان حزبي انتصر»، مضيفا «اخرج مرفوع الرأس واتمنى ان يقوم من يخلفني بعمل افضل». وقبل عملية التصويت على الثقة في فندق بغرب العاصمة احيط باجراءات امنية مشددة، حشد بلخادم انصاره وكذلك فعل خصومه في ما يعرف بتيار «الاصالة والتقويم» لحسم المعركة. وتوج سحب الثقة في بلخادم اليوم ازمة مفتوحة في مستوى قيادة الحزب الحاكم في الجزائر منذ عدة اشهر واظهرت نتيجة التصويت عمق الانقسام داخله من خلال تقارب عدد معارضي بلخادم ومؤيديه. ومن المقرر بحسب جدول الاعمال، بعد سحب الثقة، اعلان شغور منصب الامين العام وفتح باب الترشح للمنصب ليتم انتخاب امين عام جديد يتولى اقتراح التصرف في اعمال الدورة «بالمواصلة او التاجيل». وتم رفع الجلسة التي استمرت اربع ساعات نحو الساعة 16,30 (15,30 ت غ) مع بقاء اجتماع الدورة السادسة العادية للجنة المركزية مفتوحا. وبحسب مصادر قريبة من الاجتماع، يتوقع ان يتم في جلسة مسائية تعيين هيئة وقتية لادارة باقي اجتماعات الدورة في انتظار انتخاب امين عام جديد. وبالاضافة الى التصويت على الثقة، يشمل جدول الاعمال الاصلي للاجتماع تقييم الانتخابات التشريعية والمحلية الاخيرة واقتراحات الحزب بشان تعديل الدستور اضافة الى مشروع ميزانية الجبهة لعام 2013. وتشهد جبهة التحرير التي تملك الاغلبية في المجلس الوطني الشعبي، منذ انتخابات 10 مايو 2012 ازمة مفتوحة داخل قيادتها. واتسعت دائرة الاحتجاج داخل الجبهة في الاونة الاخيرة خصوصا مع دعوة ثمانية وزراء منتمين للحزب الحاكم الى رحيل بلخادم. وطالب هؤلاء الوزراء في بيان في التاسع من يناير الحالي بلخادم ب«فسح المجال لامين عام جديد يحظى بالاجماع او التوافق او عن طريق الانتخاب خلال الدورة العادية المقبلة للجنة المركزية». ووقع البيان وزراء الصحة عبد العزيز زياري والعمل الطيب لوح والنقل عمار تو والتعليم العالي رشيد حرباوية والبريد موسى بن حمادي والزراعة رشيد بن عيسى والعلاقات مع البرلمان محمود خذري والوزير المنتدب للشؤون المغاربية والافريقية عبد القادر مساهل. واتهم الوزراء بلخادم ب«محاولة تسخير مؤسسات الدولة لخدمة طموحاته الشخصية» في تلميح الى انتخابات الرئاسة العام المقبل. لكن بلخادم قال مساء الثلاثاء في مقابلة مع قناة نسمة التونسية الخاصة ان «القصد من التهمة هو محاولة زرع الفتنة بيني وبين الرئيس، يريدون ان يقولوا له +احذر هذا يريد الترشح ضدك+ وهذا امر لا يمكن ان يخدع الرئيس ولا الراي العام»، مشيرا الى انه كان دائما مع بوتفليقة «لاني ارى فيه الرجل الذي يحصل حوله التوافق» على التنمية وحماية القرار السيادي للجزائر «وما زلت مقتنعا بهذا وانا جندي في فيلقه». ولم يعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة انحيازه لاي من الفريقين المتخاصمين في حزبه. وتعاني جبهة التحرير التي قادت الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962) منذ عدة اشهر من هذه الازمة العميقة التي لا سابق لها منذ 2003. وبحسب مراقبين، فان مدار الصراع بين بلخادم الذي ينعت ب«المحافظ» وخصومه الذين يوصفون ب«الاصلاحيين»، لم يكن في الواقع سوى السعي الى السيطرة على مقاليد الحزب الحاكم الذي يمثل القوة السياسية الاساسية في البلاد و«آلة» انتخابية فعالة، وذلك في افق الانتخابات الرئاسية لعام 2014. ومن المفارقات ان جبهة التحرير تمكنت تحت قيادة بلخادم الذي شغل منصب الامين العام منذ 2005، من الفوز بالانتخابات التشريعية التشريعية والمحلية لعام 2007 وكذلك انتخابات 2012. وكانت جبهة التحرير شهدت ازمة مماثلة في 2003 ادت الى استقالة امينها العام علي بن فليس. ومنحت الجبهة حينها صلاحيات واسعة لبن فليس اثناء مؤتمرها الثامن في مارس 2003 بينها خصوصا تعيين كوادر الحزب ثم دعمت ترشحه للانتخابات الرئاسية في 2004. لكن اعضاء في الحزب بينهم بلخادم، رفضوا هيمنة بن فليس وشجعوا بوتفليقة القيادي التاريخي في الجبهة، للترشح مجددا للانتخابات الرئاسية. وكان بن فليس لاربع سنوات رجل ثقة لدى بوتفليقة حيث كان مدير حملته الانتخابية في 1999 ثم مدير ديوانه ورئيسا للوزراء في آب/اغسطس 2000 قبل اقالته في مايو 2003.