والآن يا سادة... لا بد أن ننتبه إلى ما يحدث حولنا، ونستوعب ما يُحاكُ ضِدَّنا، وما يُدَبِّرُه لنا أعداؤنا الحقيقيون!! فليس المسيحيون المسالمون من أتباع الديانة المسيحية السمحة أعداءنا، ولكنهم أولئك الصليبيون المحاربون الذين رفعوا شعار الصليب فى حروبهم ضدنا؛ ليبرروا اعتداءاتهم علينا تبريرا دينيا مسيحيا! وما زالوا يفعلون حتى الآن! وليس اليهود من أتباع الديانة اليهودية السمحة أعداءنا، ولكنهم أولئك الصهاينة المعتدون المحتلون، الذين رفعوا شعار نجمة النبى داوود عليه السلام؛ ليبرروا اعتداءاتهم علينا تبريرا دينيا يهوديا! وما زالوا يفعلون حتى الآن! فى الوقت الذى يدَّعون فيه أنهم علمانيون ومدنيون، وليسوا دينيين!! ولم يكتفوا بذلك، بل وصنعوا لهم عملاء مأجورين زرعوهم داخل بلادنا لينادوا بنزع الهوية الإسلامية للدولة؛ لتكون مسخا لا هوية له! كما صنعوا عملاء آخرين، ألبسوهم ثياب الدين الإسلامى، ادّعاءً وزيفا وبهتانا، وزرعوهم بين أولئك الذين ينادون بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية! ولمّا لم يستطع هؤلاء المأجورون تحريف آيات القرآن والطعن فى الأحاديث النبوية التى تُقِرّ وتصون حقوق المواطَنة لأهل الكتاب من المسيحيين واليهود، حرَّفوا معانيها وزيَّفوا مرادها، ونزعوا عن أهل الكتاب هذه الصفة، وقالوا إنهم ليسوا هؤلاء الذين وصفهم القرآن بأهل الكتاب؛ ليبرروا هم أيضا اعتداءاتهم على الآمنين العُزَّل المسالمين من المسيحيين واليهود بغير وجه حق.. وكذبوا فى زعمهم! لأن هؤلاء أُنزِل عليهم الكتاب من عند الله عز وجل. ثم لو افترضنا مع زعمهم أنهم ليسوا بأهل الكتاب، فهذا أيضا ليس مدعاة للاعتداء عليهم، ما داموا كانوا مسالمين؛ لأن الآيات القرآنية أمرتنا بالمعاملة بالبر والعدل، لسائر الملل الأخرى سواء كانوا أهل كتاب، أم مشركين من عبّاد الأوثان، أم حتى ملحدين لا ملة لهم! وكل ما يريده أولئك الأعداء الحقيقيون هو إشعال نار الفتنة بين المسلمين وغير المسلمين؛ لتحقيق مخططهم الأصغر وهو «تشتيت الشمل الداخلى، وتقسيم الدولة الواحدة إلى دُوَيلاتٍ مفتتة»، فلن يكون هناك مبرر لتقسيم الدولة إلى دويلات، إذا عاش أهل الدولة الواحدة فى سلام، أما بإشعال الفتن بين أهل الدولة الواحدة المختلفين فى عقائدهم فلا مفر حينئذ من تقسيمها إلى دويلات متعددة بتعدد ملل أصحابها؛ حتى تهدأ هذه الفرق المتقاتلة، وتعيش كل منها فى أرض مستقلة عن الأخرى! تمهيدا لتحقيق مخططهم الأكبر، وهو: الانقضاض علينا من الخارج واحتلال أرضنا وسلب ثرواتنا، مثلما رأينا عبر التاريخ، ونرى فى واقعنا المعاصر! ووقتها لن يفرقوا بين من على دينهم ومن على غيره! مثلما لم يفرّق أسلافهم من الرومان المسيحيين فى اضطهادهم لأهل دينهم من الشعوب الأخرى التى احتلوها لمجرد أنهم يختلفون عنهم فى المذهب فقط، على الرغم من اتفاقهم معهم فى نفس الدين! واقرؤوا التاريخ يا سادة! اقرؤوه؛ لتعلموا وليعلم الجميع أن الإسلام الذى حمى المسيحيين من اضطهاد أعدائهم ممن كانوا على نفس دينهم فى العصور السابقة، هو الذى سيحميهم من أعدائهم الذين على نفس دينهم فى عصرنا الحالى، ممن يدَّعون محبة المسيحيين وحمايتهم من أعدائهم المسلمين الأشرار! بل ويعطونهم حق اللجوء إليهم؛ تشجيعا وتحفيزا لإخراجهم من وطنهم؛ لتفرقتهم وتشتيتهم! فوالله ليفعلنَّ بهم ما فعله أسلافُهم بأسلافِهم!! فلنكن جميعا مسلمين ومسيحيين أذكى من أولئك الفتّانين وعملائهم فى بلادنا، ولا ننفعل لأى حادثة يدبرونها؛ فننساق وراءها مشعلين بذلك فتنًا هم يريدونها ويديرونها! وأُذَكِّر هؤلاء الفتَّانين بأن هناك شروطا للسلام قد أُبرِمت فى عصر الخلفاء الراشدين، بين المسلمين وغير المسلمين؛ حتى يقوم السلام بينهما، وأقرَّها فقهاء المسلمين حتى عصرنا هذا. وبمخالفة هؤلاء المعتدين لهذه الشروط يتهاوى السلام الذى بينهم وبين المسلمين! وهذه الشروط، التى ذكرها لنا د.على الصَّلَّابى فى كتابه «عمر بن الخطاب.. شخصيته وعصره»، هى: أولا- أن لا يذكروا القرآن الكريم بِطَعْنٍ أو تحريف. ثانيا- أن لا يذكروا رسول الله بتكذيبٍ ولا افتراء. ثالثا- أن لا يذكروا دين الإسلام بِذَمّ. رابعا- أن لا يُصِيبُوا مُسْلِمَة بِزِنَى أو بِإثْم نِكاح. خامسا- أن لا يفتنوا مسلما عن دينه، ولا يتعرضوا لماله ولا لدينه. سادسا- أن لا يعاونوا أهل الحرب على المسلمين. فلا بد من تفعيل هذه الشروط وأمثالها من القوانين، وما يترتب من العقوبات، محليًّا ودوليًّا، على كل من يخالفها أو يعتدى على أىّ دين، أو أهله ومقدساته ورموزه؛ حتى لا يتجرأ أحد على التطاول على الأديان؛ بدعوى حرية الرأى والفكر والصحافة والإبداع والفن! فالكل أمام القانون سواء.. وأولهم كاتب هذه السطور إن خالف وتجاوز! فانتبهوا يا سادة! انتبهوا أيها المسلمون والأقباط! انتبهوا يا أصحاب الديانات جميعا! ولنُفَوِّت على أولئك الفتانين فرصتهم.. ولنتَّحد صفًّا واحدا على اختلاف مللنا وعقائدنا.. ولنقف فى وجه هذا المخطط الذى يريد أن يُوقِع بيننا العداوة والبغضاء؛ حتى يحفظ الله علينا وحدتنا وقوتنا وبلادنا! وليحتفظ وليعتزّ كل منا بدينه وهويته.. ولكن.. فى النهاية تجمعنا جميعا بلا خلاف هوية واحدة: آدم وحواء.