عندما اقترب الربيع العربى من الديكتاتور الليبى العقيد معمر القذافى، حذر من أن سقوطه سُيدخل شمال إفريقيا فى فوضى وحرب دينية، ويبدو أنه كان محقا. أزمة الرهائن فى الجزائر، والمعركة الدائرة الآن فى مالى، وقبل هذا وذاك، قتل السفير الأمريكى فى بنغازى أيضا على أيدى الجهاديين هناك، كلها عواقب لسقوط القذافى فى 2011. ويبدو أن القذافى ونظامه كانا مثل أى زعيم قوى فى المنطقة، مسيطرا على الفصائل القبلية والعرقية المختلفة فى بلاده، سواء بالقمع الوحشى أو بالتعاون معهم للمحاربة من أجل نظامه وضمان تأمين ظهره من عدم وجود أى تنظيمات جهادية فى الصحراء الشاسعة المترامية الأطراف. بعد سقوط الزعيم الليبى المقتول، تدفق محاربو الطوارق، البدو المنحدرون من أصول عربية والمسلحين جيدا، والذين طالما استخدمهم القذافى كمرتزقة بصورة روتينية، عبر الحدود الجنوبية الليبية مع مالى، وانضموا إلى عشيرتهم هناك، التى كانت تحارب من أجل دول منفصلة هى أزواد، شمال مالى. الطوارق جلبوا معهم الأسلحة الثقيلة وعزم جديد على الإطاحة بالحكومة المالية، وعاجلا أصبحت منطقة شمال مالى خارج سيطرة الحكومة، وفرت الوحدات المالية المدربة على أيدى الأمريكيين من هناك. بعدها أسس الإسلاميون المتشددون الوطنيون دولة وحشية تعتمد على الشريعة الإسلامية. ومنذ ذلك الحين، انتشر بتر الأطراف، والجلد، والرجم حتى الموت للزناة، ومضايقة النساء أو عقابهن على عدم تلبيتهن المبادئ الإسلامية المتشددة. بعد أن استقر المتمردون فى منطقة الشمال، التى تبلغ مساحتها مساحة فرنسا تقريبا، تحرك هؤلاء الإسلاميون بشكل غير متوقع لتوسيع نطاق سيطرتهم الأسبوع الماضى، واستولوا على إقليم كونا. وحيث تفتقر القيادة المالية إلى جيش ذى كفاءة، وخشية من أن يصل المتمردون إلى الجنوب ويهددون العاصمة باماكو، تدخل الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند بقوة جوية وسرية عسكرية صغيرة، بهدف إسقاط المحاربين الإسلاميين التابعين للقاعدة. تدخلت فرنسا فى إفريقيا نحو 50 مرة منذ 1960، ومن غير المحتمل أن تنتهى أزمة مالى قريبا، بعكس ما يتوقعه المتمردون حيث يتوقعون أن تغادر فرنسا قريبا، إن لم يكن فى أسابيع، ففى أشهر على الأكثر، ويأملون فى استدراج القوات الفرنسية إلى المناطق الشاسعة النائية الملائمة للحروب غير النظامية. أزمة مالى ستكون اختبارا للحكومات الهشة الجديدة فى ليبيا والدول المجاورة لها، تلك المنطقة التى يثير فيها أى تدخل عسكرى غربى ذكريات استعمارية. الحرب القائمة فى مالى سلطت أيضا الأضواء على الانقسامات بين البيت الأبيض والبنتاجون، حيث يختلف المسؤولون فيهما على درجة الخطورة التى يشكلها المحاربون الإسلاميون على الولاياتالمتحدة. حيث حذر بعض المسؤولين العسكريين فى البنتاجون من أنه دون إجراء أمريكى أكثر عدوانية، ستصبح مالى ملاذا للمتطرفين، بما يشبه أفغانستان قبيل هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. بينما يخشى مستشارو الرئيس الأمريكى باراك أوباما من الانحدار فى فوضى وصراع طويل المدى ضد عدو مراوغ فى مالى. تلك الأحداث الأخيرة أسهمت فى خلق شعور بأن منطقة شمال إفريقيا التى طالما كانت منطقة خاملة بالنسبة للقاعدة، تحولت إلى منطقة أخرى من عدم الاستقرار الخطير، والحرب الأهلية الدموية. ويرى روبرت مالى، مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى مجموعة الأزمات الدولية، أن تفشى الجهاديين أحد الجوانب المظلمة لثورات الربيع العربى. ويضيف أن الطبيعة السلمية لهذه الثورات ربما تكون قد ألحقت الضرر بالقاعدة أيديولوجيا، لكن لوجيستيا فى ما يتعلق بالاختراقات الجديدة للحدود، وزيادة المناطق غير المحكومة، والانتشار السريع للأسلحة، واختلال أجهزة الشرطة والخدمات الأمنية فى هذه الدول، كل هذا كان بمثابة نعمة وهدية للجهاديين.