مشكلة الإخوان الأزلية مزدوجة: سوء فى التقدير، وسوء فى التوقيت، فى كل مرحلة تاريخية ستجد نماذج وفيرة للحالتين، المشكلة الآن أنهم يتصدرون المشهد مع التابعين لهم، مرشحهم الاحتياطى يقود سيارة البلد، ينحرف يمينا ويسارا فتكاد السيارة تنقلب، يوافق على طرد بعض الركاب تحت شعار «موتوا بغيظكم»، بصريح العبارة، لن يدفع الإخوان وأتباعهم الفاتورة وحدهم، سندفعها معهم جميعا. ننتقد الإخوان دفاعا عن الوطن كله، أخطاؤهم ليست مجرد أخطاء فصيل سياسى استمرأ لعبة الدين والسياسة، فلا أفاد الدين، ولا أنقذ السياسة، ولكن هذه السقطات ستحدد مصير أهم دولة فى الشرق الأوسط، ربما لسنوات طويلة قادمة، نحن ركّاب سفينتهم المهددة بالغرق فى أى وقت. أول أخطاء الإخوان اعتقادهم أنهم يستطيعون إدارة المرحلة بأكملها، قال الأستاذ هيكل إنهم لا يمتلكون كوادر لهذه المهمة، ونسى ما هو أخطر، وهو أنهم لا يمتلكون أصلا برامج حقيقية لمواجهة المشكلات المزمنة والخطيرة، مجرد عناوين وعبارات إنشائية غير مترابطة، فإذا أضفت إلى ذلك الانقسام الوطنى الحاد الذى عبّر عن نفسه بعد إعلانات مرسى غير الدستورية، فإنك تتحدث تقريبا عن دولة عرجاء، تجعل الجماعة/ الجماعات، بديلاً عن الآخرين، كيف يمكن لدولة تريد أن تحل مشكلاتها الكارثية أن تسير على عكاز؟ هل قامت الثورة لكى تتحول دولة العواجيز إلى دولة العكاكيز؟ ثانى أخطاء الإخوان الفادحة أنهم تعاملوا مع لعبة تمرير دستور الثورة كأنها عملية تمرير قانون فى مجلس الشعب، وتعاملوا مع وضع الدستور باعتباره مهمة وعقبة لا بد من القفز فوقها، وليس كأساس دون تماسكه لا يمكن أن تبنى طوبة دون أن تخشى انهيار البناء كله، ثم تعاملوا مع الاستفتاء باعتباره معركة انتخابية على مقعد برلمانى ينتهى بفائز ومهزوم، لم يفهموا أن الدساتير التى لا تعبر عن حد أدنى من التوافق المجتمعى، لا تساوى الحبر الذى كتبت به، لا تلغى احتقانا ولا تحل مشكلة، وقد تضيف مزيدا من النار والغضب، دول كثيرة واجهت اضطرابات بل حروبا أهلية رغم وجود دساتير مكتوبة انفصلت عن واقعها، وكرّست الانقسام. يُخطئ الإخوان ثالثا بالرهان على التحالف مع شركائهم المتأسلمين، الكل يتحدث عن المشروع الإسلامى، ويرفع شعار الدفاع عن الشريعة، يحشر الحديث عنها فى كل مناسبة حتى أننى لن أندهش لو نظّم تحالفهم مليونية تحت عنوان: عودة الدورى وتطبيق الشريعة، استخدم الإخوان السلفيين وكل المتأسلمين فى الحشد والمواجهة بل وفى التخويف، الطرف الآخر من لاعبى الدين والسياسة سيطلب من الإخوان دفع الفاتورة، هم يريدون أيضا تمكينا، حسب وزنهم، شيّلنى واشيّلك، البضاعة واحدة، والشعارات متقاربة، والمباراة ستنتهى حتما إلى دولة دينية واضحة المعالم، تحت غطاء وقشرة مدنية. يُخطئ الإخوان رابعا بتوهم أنهم يستطيعون استعادة ثقة الآخرين بمجرد تعيينات أو تغييرات شكلية، فى حين يعصفون بالثقة عصفا فى الموضوعات الأساسية كالدستور، الثقة لا تهبط من السماء، وانقلابات مرسى فى شهور قليلة لا تجعله أهلا لأى مشاركة مطمئنة، فى لحظة واحدة يمكن أن يعصف بمن يعترض طريقه، من المحتمل أن يخرق أى دستور أو قانون كما فعل بإعلاناته غير الشرعية، إذا اعتقد الإخوان أن كل شىء سيرجع «زى زمان» بكلام عن الحب والأحضان، فهم واهمون، على الأقل فى السنوات العجاف التى سيدير فيها مرسى الأمور. الخطأ الخامس هو الإلحاح على نظرية المؤامرة حتى فقدت تأثيرها، بل إنها تركت تأثيرا ساخرا يقلل من قيمة الإخوان، الكائنات العلوية والسفلية التى تتآمر على الإخوان وصلت بهم إلى درجة الإسراف والابتذال، الخيال السقيم انتهى إلى اختطاف الرئيس من قصره، ونقله إلى الإمارات، زادت الجرعة وأُفسد التأليفُ حتى أُحْمدَ الصمَمُ، الكل متآمر عندهم حتى أولئك الذين أعطوا أصواتهم لمرسى، اجتمعوا معه ووعدهم، ثم أخلف وعوده، لا يفرز الإخوان الناس، ولا يفهمون أن المؤامرات إذا زادت عن حدّها تحولت إلى مساخر. يخطئ الإخوان بشدة إذا اعتقدوا، وقد اعتقدوا، أن الجيش أو الشرطة يمكن أن يكونا سلاحا احتياطيا فى معاركهم الصغيرة فى لعبة التمكين، وما قد يستتبعه ذلك من مطاردة المعارضين وقمعهم إذا لزم الأمر، كل من الجيش والشرطة أعلنا أنهما ملك الشعب، لا ملك فصيل سياسى أو جماعة محددة، الشرطة ما زالت تتذكر درس يناير 2011، والجيش لم يقمع المصريين دفاعا عن مبارك، سيصبح أمرا عجيبا أن يفعل ذلك دفاعا عن مرسى، كان لافتا ومزعجا للإخوان أن المتظاهرين وصلوا إلى أبواب قصر الاتحادية بسهولة مذهلة، هل استوعب الإخوان الدرس وفهموا الرسالة؟ يخطئ الإخوان سابعا إذا اعتقدوا أن الدعم أمريكى لهم مثل شيك على بياض، إنه دعم مشروط، وشروطه واضحة، أمريكا على استعداد أن يلعب الإخوان بشرط أن لا يهددوا إسرائيل، وأن لا تتهدد قناة السويس، وبشرط أن لا تكون هناك خروقات واضحة ومحرجة لحقوق الإنسان، أو حقوق ما يطلقون عليه الأقليات، وبشرط أن لا يؤدى سوء إدارة الإخوان المشهودة إلى اضطرابات واسعة ومستمرة لفترة طويلة، إذا انهار شرط من هذه الشروط، سيلقى الأمريكان الإخوان فى أقرب سلة قمامة، مثلما فعلوا بالضبط مع مبارك، التذاكى الإخوانى مع الأمريكان سيكون مكلفا، خصوصا فى ما يتعلق بالملف الإسرائيلى. لم يضف وصول الإخوان إلى السلطة إلا مزيدا من الاحتقان، مشكلة دولة العكاكيز الإخوانية أنها ستكون معرّضة فى كل لحظة للسقوط، لن ينفع وقتها دستور مكتوب، ولن يستطيعوا استدعاء العوّا، سنكون ساعتها ضحية «مباركيزم» جديدة حتى بعد سقوط مبارك، وربما لن نجد حتى من نستغيث به صارخين: «المركب بتغرق يا قبطان».