انتقلت سلطة التشريع إلى مجلس الشورى بموجب الدستور الجديد الباطل، يبدو الأمر كأنه فاصل مسرحية هزلية طالت وباخت. مجلس الشورى لم يشارك فى انتخابه إلا أقل من 10٪ من الناخبين، يعنى جاء نوابه بأصوات الأهل والمعارف والجيران! وكان الكل يتعامل معه باعتباره مجرد «مائدة دستورية» لا عمل لها ولا وظيفة حقيقية، أو باعتباره «سبوبة» تعطى الوجاهة والحصانة التى تنفع فى هذا اليوم الأسود والتى تفتح أبوابا كثيرة هى أحسن -على كل حال- من العمل البطّال وجميع الأشياء التى تغضب الله! لكن ها نحن نرى المجلس الكسيح يصبح هو المالك لسلطة التشريع! دون أن يقول لنا أحد كيف لمجلس يعرف أعضاؤه أنه «باطل» بالثلاثة، أن يكون هو مصدر الشرعية وصانع القوانين! «باطل» بالثلاثة، أو الأربعة، أو ما هو أكثر من ذلك، هذا المجلس الأعجوبة! «باطل» بحكم انتخابه بنفس القانون الذى جاء به مجلس الشعب وحكم القضاء بعدم دستوريته.. و«باطل» لأن رئيس الجمهورية أراد تحصينه ليظل على قيد الحياة رغم أنف القانون، فقام بإصدار الإعلان غير الدستورى الذى اعترف حتى من كانوا وراء إصداره بأنه لا علاقة له بالقانون أو الدستور! و«باطل» لأنه يأخذ سلطاته التشريعية الآن، وفقا لدستور صنعته لجنة تشكيلها باطل وقراراتها باطلة، ولم تكن تمثل إلا طائفة واحدة من المصريين كانت حريصة على اختطاف الدستور فى غيبة كل القوى الوطنية. والسؤال هنا: هل كل هذه السلسلة من «البطلان» تعطى أى شرعية لأى قوانين يصدرها مجلس الشورى؟! وهل يمكن فى ظل حالة الانقسام الحالية أن تكون سلطة التشريع فى يد مجلس تم انتخابه على أساس أن يكون مجرد «ديكور» أو «سبوبة» أو «زائدة دستورية» بلا دور وبلا قيمة حقيقية؟ وهل هناك شك فى أن القوانين سيتم تفصيلها فى هذا المجلس على مقاس من يسيطرون عليه، ولمصلحتهم الخاصة لا لمصلحة الوطن؟ ثم لماذا هذا الحرص على تأكيد سيطرة الإسلاميين على المجلس، حتى يتراجع الرئيس وجماعته عما تم إعلانه من أن الأعضاء المعينيين (90 عضوا) سيكونون من القوى المدينة لتحقيق شىء من التوازن.. فإذا بالتعيينات تضم نحو عشرين من الإسلاميين، ونحو 12 من أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور على سبيل مكافأة نهاية الخدمة! وهو الأمر الذى دعا الأستاذة نادية هنرى إلى تقديم استقالتها من المجلس.. وأظن أنها لن تكون الاستقالة الأخيرة؟! وإذا كانت الأخطاء تتركز الآن على مشروع القانون الخاص بانتخابات مجلس الشعب، فعلى القوى الوطنية أن تعلن موقفًا حاسمًا بأنها لن تقبل إلا بقانون يتم التوافق عليه ليضمن نظاما انتخابيا عادلاً، وليس لمصلحة فصيل سياسى بعينه، أما غير ذلك من القوانين الأساسية فلا بد من أن ننتظر له برلمانا يمتلك الشرعية، وليس «ديكورًا» هاربا من حكم القضاء يراد له أن يكون مجلسا تشريعيا، وهو يعرف أنه باطل بالثلاثة! حين نعود إلى «فيديو البرهامى» الذى كشف أن عملية وضع الدستور الباطل كانت أشبه بتآمر عصابة تريد الاستيلاء على الدولة، فإننا ندرك أن جدول أعمالهم يستهدف إصدار قوانين تؤكد لهم هذه السيطرة على مقدَّرات الوطن، ومنها قانون الحسبة، وقانون لضرب استقلال الأزهر، وقوانين للرقابة على الصحف وحبس الصحفيين وانتهاك السلطة القضائية، ومحاصرة الحريات العامة وتحريم التظاهر، بالإضافة إلى ما يمسّ الحياة الاقتصادية وينفذ سياسات صندوق النقد بزيادة الأسعار ورفع الدعم، لديهم برنامج ولديهم أجندة لا بد من مواجهتها بحسم حتى لا يقودوا الوطن إلى الكارثة. فلتكن الأمور واضحة، هذا مجلس باطل بالثلاثة، جاء على سبيل «الديكور» وينبغى أن يظل كذلك حتى يرحل.. ولن يغير فى طبيعيته التعيينات الهزلية التى تمت والتى تؤكد سوء الينة والرغبة فى الاستحواذ، وتثير المخاوف مما تدبّره العصابة التى اختطفت الدستور، وتريد اختطاف الدولة. فلتكن الأمور واضحة.. أى قوانين يصدرها هذا المجلس الباطل فى هذا الاتجاه لن يتم الاعتراف بها، وسيقاومها الشعب حتى يتم إسقاطها، وليكن درس «الإعلان غير الدستورى» الأخير عبرة لمن يريد أن يعتبر.