لم يفكر محمود عبد العزيز طويلاً قبل أن يهدى جائزته «إنجاز العمر» التى نالها فى افتتاح مهرجان دبى إلى الثورة المصرية، وإلى روح الفنان المبدع عمار الشريعى الذى ارتبط اسمهما معا من خلال رائعة «رأفت الهجان»، التى صاغها موسيقيا عمار وأبدع محمود فى عزف تفاصيلها بقيادة المايسترو المخرج يحيى العلمى. محمود عبد العزيز هو واحد من القلائل الذين صنعوا ملامح الفتى الأول فى السينما المصرية بنبض ومذاق خاص، جمع بين «الجان» وروح ابن البلد فكان النجم الممثل، ولهذا عندما مضى قطار العمر لم يغادر محمود صدارة المشهد، فقد أصبح الممثل النجم. فى حياة كل المبدعين دائما هناك ذروة ما، ولكن لا يعنى ذلك أن تتحول الذروة إلى عقدة.. سواء توقف عندها أو توقف بعدها الفنان.. ومحمود عبد العزيز حقق نجاحا استثنائيا بفيلمه «الكيت كات» 1991 إخراج داوود عبد السيد، والذى جسد فيه دور الشيخ الضرير «حسنى». الناس لا تنسى هذا الشيخ الذى تحدى العجز وأتصور أن محمود أيضا لم ينسه بدليل أنه فكر أكثر من مرة فى تقديم جزء ثان!! السينما لا شك أنها الآن فى احتياج إلى زمن وإحساس ونبض وإيقاع محمود عبد العزيز، الذى أراه ما زال على الموجة مع جمهور هذه الأيام رغم الفارق الزمنى على شرط أن يهيئ نفسه لقانون جديد فى التعامل مع الحياة الفنية.. مساحة محمود عبد العزيز لا تزال محفوظة على الشاشة، وعليه أن يحرص هو على تلك المساحة ويقهر التردد الذى يسكنه أحيانا قبل أن تهرب هذه المساحة من بين يديه.. نعم الابتعاد أضاع عليه وعلينا الكثير، وهو بالفعل ما اكتشفه محمود عبد العزيز قبل أربع سنوات فى فيلم «إبراهيم الأبيض» لمروان حامد وقدم فى دوره «عبد الملك زرزور» قفزة أخرى رغم ضآلة المساحة الدرامية، فإنه أطل علينا شامخا بإبداع وألق!! محمود عبد العزيز هو أحد فتيان الشاشة الكبار على مدى يقترب من 40 عاما إنه «الجان» خفيف الظل الذى يثير حضوره على الشاشة حالة من البهجة على شرط أن يعثر على الدور الذى تشع من مفرداته البهجة، فإنك بلا شك لن تجد إلا محمود عبد العزيز هو الوحيد المهيأ لأداء هذا الدور.. كان محمود عبد العزيز قد طرق أبواب السينما فى البداية باعتباره الفتى الوسيم، فإذا كان حسين فهمى تنهال عليه الأدوار لوسامته، فإن محمود عندما بدأ بطلاً فى فيلم «حتى آخر العمر» كان مجرد تحد من المنتج رمسيس نجيب بعد أن زاد أجر حسين فهمى، فقرر المنتج أن يدفع بنجم آخر كان يرى وقتها أن سلاحه هو الوسامة. فى نهاية الستينيات من القرن الماضى قبل أن تأتيه الفرصة كان محمود قد شعر بالإحباط بعد أن أغلقوا دونه العديد من الأبواب الفنية، فقرر أن يسافر إلى «فيينا» عاصمة النمسا ليس من أجل قضاء ليالى الأنس هناك، ولكن لبيع الجرائد مثل أغلب الشباب خريجى الجامعات، ولم يكن محمود يحمل فقط بكالوريوس كلية الزراعة، ولكن ماجستير فى العلوم الزراعية تخصص نحل، واكتشف لا شعوريا أن حنينه إلى الفن دفعه إلى اختيار شارع تقع فيه دار الأوبرا، ثم عاد إلى مصر ليتحول اسمه إلى خبر تباع به الجرائد. اللمحة التى أشعلت الوهج جاءت مع فيلمه «العار» لعلى عبد الخالق 1982 انطلق من خلاله إلى قلوب الناس ولا يزال بينه وبين الناس تلك الحميمية والدفء.. كانت لمحمود إضافات خاصة للشخصية التى يؤدى من خلالها دور الطبيب وكانت لازمة الحبوب المهدئة واحدة من اللمحات التى انتزعها محمود بذكاء من مفردات الشخصية.. ثم دور لا ينسى فى فيلم «الشقة من حق الزوجة» وهو أهم فيلم قدمه المخرج عمر عبد العزيز، وفى هذا الدور لامسَ محمود الوتر فى الأداء الذى يجمع بين خفة الدم وتقمص الشخصية دراميا وحقق من خلاله قفزة أخرى.. إنه محمود فى أفضل حالاته عندما يعثر على شخصية ترى فى تكوينها الجدية وفى نفس الوقت لديها خفة ظل. بداخل محمود بئر عميقة من الموهبة والعطاء.. السنوات الجميلة فى دنيا الإبداع لا تزال تنتظره وأجمل الأدوار لم تأت بعد.