ما زالت الرحلة مع يوميات مهرجان القاهرة السينمائى مستمرة، وذلك قبل أن يسدل الستار على وقائع المهرجان فى حفل الختام غدا «الجمعة»، حيث أقيمت ندوة للسينما التركية بأحد فنادق القاهرة حضرها رئيس المهرجان الدكتور عزت أبو عوف، والمنتج صفوت غطاس، بينما حضر من الجانب الآخر سفير تركيا بالقاهرة حسين عونى والممثلة التركية هوليا كوسجيت التى تحدثت خلال الندوة مؤكدة أن العلاقة بين مصر وتركيا ليست جديدة، فهى نفسها قدمت عملين مع الراحل فريد شوقى، متمنية أن يكون هناك تعاون بشكل كبير خلال المرحلة المقبلة، خصوصا أن بين الشعبين المصرى والتركى عديدًا من الأشياء المشتركة، أما المنتج صفوت غطاس فقد أكد أن الدراما التركية غزت مصر بشكل كبير، وأنه عندما ذهب لحضور تصوير جزء من مسلسل «حريم السلطان» شعر أنهم أكثر جدية والتزاما من مصر، فهناك الممثل لا يملك مانيكيرًا وباديكيرًا وسكرتيرًا، وكل هذه الأشياء التى نراها فى مصر حسب كلامه، مشيرا إلى ضرورة تعلم تلك الأشياء الإيجابية، أما السفير التركى الذى تحدث عن ضرورة وجود تعاون بين البلدين، فقد وجه تحية إلى القائمين على المهرجان جميعهم، إضافة إلى ميدان التحرير وروح يناير التى عادت إليه. على صعيد آخر كان جمهور المهرجان على موعد مع أحد الأفلام المهمة التى تشارك فى مسابقة الأفلام العربية، حيث عرض الفيلم المغربى السويسرى «المغضوب عليهم» للمخرج المغربى محسن بصرى، الذى قدم لنا فيلمًا مدته 88 دقيقة، شاركت فى بطولته جميلة العونى وتابعنا خلاله سيطرة ثلاثة من الجهاديين على خمسة ممثلين هواة، الجهاديون خطفوا الممثلين رغبة من قادتهم فى تطبيق الشريعة وتنفيذ حكم الموت على هؤلاء الممثلين، وهى الأحداث التى وقعت بأكملها داخل منزل بالمغرب على مدار أسبوع، عانى خلالها الفريقان تقلبات نفسية قربت بينهما أحيانا على الرغم من الاختلافات الفكرية، حيث يناقش الفيلم مفهوم الإرهاب، ويحاول مخرجه أن يبتعد عن الصورة التقليدية للإرهابى العربى ليصوره كما يراه هو على أرض الواقع بعيدًا عن كل القوالب المعروفة، محاولا خلق حالة من التساؤل وليس أحكامًا مسبقة، لذلك حرصنا على لقاء مخرجه ومحاورته. محسن بصرى تحدث عن تجربته ل«التحرير» فى عدة نقاط بدأها باسم الفيلم وترجمته التى اعتمدها المهرجان قائلا «الترجمة الفرنسية والإنجليزية لاسم الفيلم، والتى اعتمدها مهرجان القاهرة «Les mécréants» تبعد المشاهد عن المعنى المقصود للفيلم، فأنا لم أقصد وضع أحكام مسبقة، على أى من الفريقين حتى بعد نهاية الفيلم، ببساطة رغبت فى أن يتساءل المشاهد من هم المغضوب عليهم؟ وعلى ماذا يحاسبون؟». وحول رأيه عن الوضع داخل المملكة المغربية خصوصا بعد تولى التيار الإسلامى الحكومة، وهل انطلق الفيلم من خلال هذه الحالة، أجاب بصرى «لم أنطلق من الحالة فى المغرب، بل انطلقت من مشكلة عالمية، ليست الإرهاب أو التشدد الدينى فقط، بل من يظنون أنهم يملكون اليقين، فأنا أكره من يقول (أنا أعرف) وأحترم من يقول (أنا أظن)، لا أحد يملك اليقين فلا يوجد من يملك الحقيقة، أنا لا أتحدث عن الدين أو الإسلام بل أتناول مشكله اليقين، فعندما تشعر أنك تملك اليقين لا تتعلم، لكن لو عندك شك ستظل دائما تبحث وستعرف شيئا جديدا، ولو جاءت اللحظة التى تظن من خلالها أنك تعلم كل شىء فاعلم أن مستواك ينحدر، وأن معرفتك تتناقص»، ويضيف «عند المتشددين أو التكفيريين يمكن القول إن مشكلتهم الأساسية أنهم يملكون الكثير من اليقين، وهى ليست مشكلتهم فقط بل مشكلة من يعيشون بالعالم العربى تقريبا، دائما ما يملك المواطن العربى -على اختلاف دولته- اليقين والمعرفة بكل شىء، وعنده رأى فى كل جانب من جوانب الحياة، فى مصر مثلا لو تحدثت مع أى شخص مهما كانت حالته الاجتماعية أو الثقافية أو العلمية سيعطيك رأيه الموثَّق حول الدستور، مع العلم أن فهم المواد القانونية وطبيعتها ومعانيها ليس سهلًا، لكن الكل عنده رأى، من يعلم ومن لا يعلم، المواطن العربى أصبح يتحدث عن كتاب لم يقرأه وفيلم لم يشاهده، لأن الجميع يعلم وهذه مشكلة، لهذا السبب اخترت هذا الموضوع لأناقشه فى الفيلم، هناك إرهاب وهناك من يظن أنه يعلم لهذا السبب يقرر أن يقتل ويدمر بناء على معرفته اليقينية». وعن الفهم الصحيح للإسلام وكيفية تطبيقه، وهل يعتمد الفيلم حلا أو خطوات للتهدئة قال «لنفترض أننى مخطئ، لنفترض أننى كافر أو مسلم مغضوب عليه، ما المشكلة طبقًا لتعاليم الإسلام؟! بعد الموت سأعاقَب بدخول جهنم، إذن ما شأن المتشددين؟ فى النهاية من سيحاسبنى هو الله، ولماذا يرغب المتشددون فى أن أذهب للجنة قسرا؟ هل ستذبحنى حبا فى شخصى ولرغبتك فى دخولى الجنة؟ هذا شىء غير منطقى وهم يسيئون إلى الإسلام بطريقة خيالية، ويصغرون الله فى نظر من يتعامل معهم، أتذكر واقعة وأنا عمرى 16 عامًا، ذهبت إلى المسجد لأصلى، وكنت أدرس مادة الكيمياء، وكانت صعبة إلى حد كبير، فذهبت للصلاة لأصفى ذهنى وابتعد قليلا حتى أستطيع العودة لفهم ما لم أستطع فهمه، وبعد انتهائى من الصلاة، وفى أثناء خروجى من المسجد جاء شخص ذو لحية ضخمة دون حتى إلقاء السلام قائلا لى (يجب أن تعيد صلاتك فهى باطلة)، وعندما سألته عن السبب أخبرنى أن يدى اليسرى علت اليمنى فى أثناء الصلاة، بطريقة شديدة الجفاف وعنيفة، لأجد نفسى فى نقاش حاد معه داخل المسجد بسبب ما فعله، وبسبب طريقته فى الحكم على إسلامى من خلال وضع يدى فى الصلاة، ولم أتخيل أن رؤيته لله أنه ينظر إلى وضع يدى فى أثناء الصلاة، وكانت هذه هى آخر مرة ذهبت فيها إلى المسجد، فهل هذا هو الخير الذى قدمه لنفسه ومن حوله؟ ربما أكثر ما يفسر هذا هو ما جاء على لسان شخصية (شكيب) فى الفيلم عندما أخبر خاطفه مصطفى أنه لو كان الحل فى قتله فإنه سيقتل نفسه، لكن فى الحقيقة لن يختفى الفساد وتختفى كل السلبيات، بمجرد قتل كل من يخالفون المتشددين الرأى، هذا ليس حلا». وحول الرأى المفترض اتباعه يقول «يجب علينا جميعا بكل طوائفنا أن نجلس على طاولة واحدة ونتحدث، وما يجب أن نتفق عليه جميعا هو أن الله هو الواهب للحياة وهو قابضها، وليس من حق أى شخص أن يقتل أى نفس إلا بالحق، ولو أن إسلامك منعكس على كل تفاصيل حياتك، فالأولى أن تخاف من كل قرار تتخذه، فكيف الحال إذن مع إصدار البعض فتاوى بالقتل؟ أنا لا أفهم كيف يملك الإسلاميون الشجاعة من الناحية الدينية أن يقبلوا بوجودهم كحكام، وجميعهم يتحدثون عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كثيرا، وهو القائل (لو أن دابة عثرت بأرض العراق لخشيت أن أُسأل عنها يوم القيامة: لِمَ لم تذلل لها الطريق يا عمر؟) فكيف يقبلون بمسؤولية الحكم بهذه السهولة؟ من رأيى كلما توغلت فى الدين الإسلامى أكثر يجب أن تخاف من مسؤولية الحكم أكثر وأكثر هذا من جانب، من جانب آخر هل يريدون أن يكونوا أحسن من النبى محمد؟ بالطبع لا يمكن، الرسول نفسه لم يكن راغبًا فى الحكم، كان دائما ما يرد على الأسئلة الدينية والشرعية لكنه كان يفصل بين الأمور الدينية والأمور الاجتماعية والسياسية التى كان يلجأ فى حلها إلى الشورى، وهو ما يمكن ترجمته حاليا بالبرلمان، فإذا كان الرسول منذ البداية أرسى دولة مدنية فكيف ببعض المسلمين بعد مئات السنين يطالبون بتطبيق دوله دينية؟». بصرى (مدرس رياضيات ولديه ولدان) يرى أن المسؤولية فى الدم تقع على الجميع وهو ما وضحه قائلا «الفيلم أيضا يؤكد نقطة أن مسؤولية ما وصل إليه الحال من دعاوى بالقتل والتكفير من جانب بعض المتشددين نحمل مسؤوليته جميعا، نحن نزرع جهلا من مئات السنين ماذا نتوقع أن نحصد سوى الجهل، وهو السبب الرئيسى لما وصلنا إليه». وعن رؤيته للأحداث السياسية فى الوطن العربى ومصر تحديدا أجاب «أنا متفائل جدا بما يحدث فى مصر وتونس وباقى البلدان العربية، لأن هذه الثورات مختلفة عما حدث من ثورات سابقة، التى كان مسؤولا عنها دائما شخص معروف، لذلك كان دائما السعى لقتل هذا الشخص قتلا لثورته، لكن ما يحدث الآن هو ثورة شعوب ولا يمكن قتل شعب بأكمله». بصرى يرى نفسه ومعه العرب لهم حق فى مصر مثل المصريين تماما وهو ما عبر عنه باقتراحه طرح دستور مصر للتصويت فى البلدان العربية، معتبرا أن مصر مؤثرة على العرب جميعا، ولا بد أن يدلوا برأيهم فى ما يحدث فيها، واختتم بصرى حواره بتأكيد أن المصريين يحملون وحدهم مسؤولية التصويت على الدستور نيابة عن الشعب العربى، وفى النهاية صعود مصر هو صعود للوطن العربى، والعكس بالعكس. من جهة أخرى ورغم إعلان المهرجان عن عرض فيلم «الطريق إلى ميدان التحرير» للمخرج عمرو حسين، فقد فوجئ الجمهور بإلغاء العرض، وهو ما برره المنظمون بعدم وجود نسخة للعرض، وأكدت المسؤولة عن العرض أن مخرج الفيلم كان عليه أن يحضر معه النسخة إلى مكان العرض، ، بينما أكد المخرج عمرو حسين فى تصريحاته ل«التحرير» أنه عندما تقدم بنسخة الفيلم إلى إدارة المهرجان، أبلغوه أن النسخة غير صالحة لأسباب تقنية، ولم يطلب منه أحد إحضار نسخة جديدة، فتوقع أن يكون الفيلم قد خرج من المهرجان، إلا أنه فوجئ بوجوده فى جدول العروض. من جهته قرر السيناريست مدحت العدل، عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام العربية بالمهرجان مقاطعة حفل الختام، مشيرا إلى أنه يرفض أن يقف على المسرح مع وزير الثقافة الحالى الدكتور محمد صابر عرب، بعد أن أعلن دعمه لمسودة الدستور التى رفضها الشعب وانتفض ضدها، كما أنه قام بطباعة آلاف النسخ من مسودة الدستور على نفقة وزارة الثقافة، مؤكدا أن عرب بهذا التصرف يعتبر مساندًا للاستبداد والديكتاتورية وهو الأمر الذى يرفضه العدل.