لننتهز فرصة حلول شهر رمضان الكريم، أول رمضان بعد ثورتنا المباركة، ونتأمل معا فى روحانيات الشهر الفضيل، وعطاءات ثورتنا الروحية. فثورة يناير كما عاشها كثير منا، وشارك فيها، معجزة إلهية بمعنى الكلمة، شاهدها بعضنا بشكل مباشر، وعاش أيامها الجميلة، أحلى أيام العمر، وتابعها آخرون عبر شاشات التليفزيون، وتذوق أغلبنا الجانب الروحى فى هذه الثورة الرائعة، من خلال المشاعر الوطنية الجياشة، فى وسط هذه الحشود البشرية المدهشة. فكثيرا ما كنت تسمع من الناس حولك أنهم لم يشعروا بمثل هذه المشاعر الروحية الراقية سوى فى أيام الحج، ومنهم من يقول إنه شعر بحالة روحية عجيبة فى أيام الثورة، وبين الناس فى ميدان التحرير، لم يشعر بمثلها قط، فهى أروع مما كان يشعر به فى أيام العمرة والحج! ومن أول يوم، حين خرج الناس يوم 25 يناير، يتجمعون معا، حشود من هنا تتجمع، وأخرى تأتى من هناك! فيكتشفون قوتهم فى مواجهة بطش الأمن المركزى وجبروته، يتجمعون معا دون سابق معرفة، فتتآلف أرواحهم وقلوبهم سريعا، ويشكلون معا جبهة واحدة صلبة فى مواجهة الطاغية وجنوده. وفى يوم 28 يناير، وبعد صلاة الجمعة، تخرج جموع شعبنا الحر الأبى، يواجهون الموت بشجاعة فائقة، ويتلقون طلقات الرصاص بروح الشهداء الأحياء، إذ يضحون بأرواحهم الغالية من أجل حرية الوطن، وكرامة المصريين. وتتواصل المعارك العنيفة طوال اليوم بين الجماهير الغفيرة، وقوات الأمن التى تستخدم كل ما لديها من أسلحة وذخيرة ومدرعات، تطلق على الثوار القنابل، وطلقات الخرطوش، والرصاص المطاطى، والرصاص الحى، وتدهسهم بالمصفحات بلا رحمة ولا ضمير! بينما الثوار صابرون صامدون، وشعارهم «سلمية.. سلمية»، إذ يحتسبون جهادهم فى سبيل الله، ويقيمون الصلاة مع كل أذان يدعوهم إلى السجود للمولى عز وجل، بينما أهلنا من المسيحيين يحيطون بنا، ويحموننا وقت الصلاة، بل وينضم بعضهم إلينا فى الوقوف للصلاة، وفى الركوع، وفى السجود... هذه ليست ثورة بالمعنى المتعارَف عليه فى كتب التاريخ، ولكنها صلاة روحية متصلة ومتواصلة، إذ تتطهر الجماهير كل لحظة بدماء الشهداء الأبرار، وآلام المصابين الأبطال. أما روح ميدان التحرير، وغيره من ميادين المحروسة، فلن تستطيع أبدا أن تدركها، إذا لم تكن موجودا وقتئذ بين الجماهير الغفيرة، فثمة روح ملائكية تغطى الحشود المتلاحمة فى دعاء واحد للحق سبحانه، لعلها أرواح شهدائنا الأبرار، كانت تحيط بنا من كل جانب لتحمينا، وتهدينا، وتنصرنا، وتثبت أقدامنا. هذه هى ثورتنا الروحية القادرة -بإذن الله- على تغيير ما بأنفسنا، حتى لا نقبل بالقهر، ولا بالذل بعد ذلك أبدا، وحتى نبنى مصر الجديدة على مبادئ الثورة وقيمها الحضارية، فمصر الجديدة ستولد من رحم ثورتنا الروحية، وسنخرج من ظلام الظلم إلى نور الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.