أطلت سطور الأمس بسرعة على ما جرى يوم الجمعة الماضى وما فعلته تلك «الجماعات» التى منحت نفسها رخصة الحديث فى السياسة باسم الإسلام، وتصل فى التطاول والاجتراء لدرجة أن تقدم حالها لبسطاء الناس باعتبارها هى والدين الحنيف سواء، وكيف أن قادة و«أمراء» خدعوا، بل كذبوا على باقى القوى الوطنية وقالوا إنهم ملتزمون بأن يكون احتشادهم فى ميدان التحرير تحت شعار «وحدة الصف ولم الشمل» فإذا بهم يقلبونه، عمليا وبفجاجة، إلى تقسيم وتفتيت للشمل، بعدما صنعوا فى الميدان العتيد مشهدا كئيبا غابت عنه ملامح التحضر والتسامح والاستنارة التى ميزت تدين المصريين على مر العصور، حتى إن البعض اختلط الأمر عليه ولم يعد متأكدا إن كان هذا المشهد الاستعراضى الفظ يحدث فى ميدان التحرير بقلب القاهرة أم فى ساحة قفر جرداء على تخوم كهوف «تورا بورا» الأفغانية. لكن سطور الأمس توقفت عند حوار دار بين العبد لله ورجل ريفى طيب استوقفنى بعد عصر يوم الجمعة بعدما صوب نحوى ابتسامة رائعة عندما كنت أمر مذهولا بجوار طابور هائل من الحافلات التى نقلت عشرات الآلاف من المواطنين من شتى قرى ومحافظات مصر إلى ميدان التحرير (من أين أتى المال الذى أنفق على هذا البند وحده؟!). المهم.. استوقفنى الرجل الطيب وكان بصحبة ثلة من رفاقه الطيبين الذين بدوا أنهم جميعا متوجهون إلى الحافلة التى حملتهم من بلدتهم إلى القاهرة.. كانوا يسبحون فى عرقهم ومنهكين بسبب سياط لهيب الشمس التى لم ترحم رؤوس المحتشدين فى الميدان. سألنى الرجل، وما زالت ابتسامته تضىء صفحة وجهه المبلل بالعرق إن كنت أنا فلانا؟، فجاوبته بنعم وبادرت بمصافحته فإذا به يغمرنى بكرمه ولطفه، إذ قال لى إنه يتابع كتاباتى وإطلالاتى التليفزيونية وإنه معجب بها! ولا أستطيع وصف مقدار دهشتى من هذه المجاملة الرقيقة، فما أكتبه أو أقوله معاكس ومختلف بالمرة مع مضمون كلمات اللافتة التى كان الرجل ما زال يحملها فى يده، إذ كان مكتوباً عليها «المسلمون يرفضون المبادئ فوق الدستورية».. غالبت دهشتى وشكرته غير أن الرجل كرر تعبيرات الإعجاب بحرارة أشد، مما أربكنى ودفعنى لتغيير دفة الكلام، فسألته: ■ هو الميكروباص ده بتاعكم؟ أيوه. ■ هل اشتركتم فى دفع تكاليف استئجاره؟ لأ.. الشيخ (فلان) تولى الأمر فى الناحية بتاعتنا كلها. ■ يعنى مش ده الميكروباص الوحيد اللى جاى من عندكم؟ المركز بتاعنا لوحده جه منه أكثر من عشر ميكروباصات وأتوبيسات. ■ وكلهم إلّلى دفع أجرتهم الشيخ (فلان)؟ مااعرفش هو اللى دفع ولّا مين، لكن هو اللى منظم الموضوع (يقصد الرحلة). ■ وهو كمان اللى وزع عليكم اللافتات دى؟ أيوه..لقيناها موجودة فى الميكروباص الصبح. ■ اسم الكريم إيه؟ شلبى.. ■ بس الكلام المكتوب فى اليافطة اللى انت شايلها يا عم شلبى غلط. ■ غلط إزاى يا أستاذ؟! لأن أى مسلم مش ممكن يرفض المبادئ اللى اليافطة دى بتتكلم عنها. دى مبادئ عاملها العلمانيين الكفرة. والله أنا شخصيا مااعرفش العلمانيين الكفرة دول، لكن أنا عايز أسألك وانت راجل متنور وفاهم هل قرأت هذه المبادئ؟ يا أستاذ الناس العلمانيين دول ضد الدين ماتعرفش ليه؟ ■ أنا باسألك يا حاج شلبى قرأت المبادئ اللى بتهاجمها دى؟ ................. طيب أنا حأقولها لك باختصار.. المبادئ اللى عايزين نأكد عليها فى الدستور الجديد هى الحرية والعدالة والمساواة بين الناس.. هل هذه مبادئ يرفضها أى مسلم؟! لأ طبعا ده هو ده الإسلام، وع العموم والله، فرصة سعيدة قوى إننا قابلنا سيادتك.. تصدق حضرتك دى تالت مرة فى حياتى أنزل مصر (يقصد القاهرة).. نورت وشرفت. - الله يشرف مقدارك.. سلامو عليكو.